قد يستغربُ البعضُ عنوانَ المقالِ لكنْ هذه الحقيقةُ المرةُ التي تختلجُ الصدرَ، وأبتِ المشاعرُ إلا أنْ تظهرَ ولو مكتوبةً، أخاطبُ فيها المسلمينَ عموماً وكلَّ ولي أمرٍ رزقَهُ اللهُ ابناً خصوصاً فأقولُ مستعيناً بالله: إن هذا الحزن يتجدد مع كل بداية للدراسة لا كرهاً لها أو سآمةً منها كلا، فالمؤمن يحب العمل ويكره الفراغ والملل المطبق طوال الإجازات ليعود نشيطاً متفاعلاً بعد سبات طال أو قصر لينفض عنه غبار النوم، والكسل، والرتابة، فيكون جاداً عملياً منظماً، لكن الحزن يأتي متزامناً مع بداية الدراسة، خذ هذا المثال ليتضح المقال: في صبيحة يوم السبت 6-8-1426ه دبت الحركة في كل مكان وازدحمت الشوراع بالسيارات فقد اُستنفر الجميع الكبار الصغار الرجال والنساء الأطفال لأجل ماذا؟ لأجل هدف واحد ألا وهو الذهاب إلى المدرسة، والمستقبل المشرق الذي تنشده الأسر لأبنائها. وكل ذلك أمر لا بأس به بل نحث عليه لكن المصيبة في هذا التساؤل؟ كيف استيقظ هؤلاء وماذا يريدون؟ هل أدوا صلاة الفجر؟!! أين هم ممن يقول: (النائم حتى يستيقظ)؟. إلى فجر يوم السبت 6-8 والمؤذن يدعو الناس: (الصلاة خير من النوم)، فلا يجيبه إلا القليل. وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساحٍ ومسجدكم من العبَّاد خالي وتجد الأب ربما يوقظ أبناءه بنفسه ويوصي الأم بضرورة ذهابهم إلى المدرسة وإذا تكاسل أحدهم عاتبه وربما ضربه وقال: (كل شيء إلا الدراسة فهي المستقبل).. نعم إنه مستقبل دنيوي ولا بأس في طلبه لكن أين المستقبل الأخروي لماذا يغيب عن الأذهان قول الله تعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران. فقدموا الدنيا على الآخرة وتركوا صلاةً عظيمةً يجب أداؤها مع جماعة المسلمين في المسجد. يقول صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما - أي من الأجر - لأتوهما ولو حبوا) وحال الناس اليوم يحكي أنهم يحبون لأجل الدنيا وجمع حطامها، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من سره أن يلقى الله غداً راضياً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث يُنادَى بها، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق...). فكم هم المنافقون من شيب وشباب!! أليس الموقف مدعاة للحزن وتفطر الفؤاد. لقد كان أجدادنا من حرصهم على صلاة الفجر يُحضرون المصلين عقب الصلاة، كلٌّ باسمه ليعرفوا هل صلى معهم فلان أو لا، بغض النظر عن صوابِ فِعلهم من خطئه؛ لكن الذي يعنينا هو تعظيم الصلاة في نفوسهم، أما اليوم فلا ترى في المسجد إلا القلة القليلة من كبار السن والوافدين فأين الرجال وأين الشباب؟! إنهم يغطون في نوم عميق حتى إذا ما أتى اليوم الأول للدراسة رأيت الاستنفار عاماً من الجميع. ولا يفوتني أن أذكر هذه الحادثة التي وقعت بين مسلم ويهودي حيث قال المسلم لليهودي: أنتم يا إخوة القردة والخنازير لنخرجنكم من القدس أذلة وأنتم صاغرون! يشير بذلك إلى الحديث المشهور الذي جاء فيه (أنه ستكون معركة بين المسلمين واليهود فيختبئ اليهودي خلف الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر يا مسلم ياعبدالله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله). فقال اليهودي مبتسماً: نعم كلام صحيح ويعرفه جَاهِلُنا قبل عَالِمُنا ولكن ليس أنتم مَنْ يخرجنا! قال المسلم: إذن مَنْ؟ قال اليهودي: هم الذين يكون عدد مصليهم في صلاة الفجر كعدد مصليهم في صلاة الجمعة!!! (وبدون تعليق). ما رأيكم لو صلى الفجر في المساجد طلاب المدارس فكيف سيكون الوضع؟ قد يقول البعض سوف تكتظ المساجد بهم وتكثر الحركة بل ستجد الإعلانات في الشوارع: (باصات لإيصال الطلاب للمساجد، سيارات خاصة لنقل الطلاب إلى جامع... الخ)!. نعم قد يحصل هذا في ظل حب الدنيا ولكن الأهم أن المسلمين سيرون العزة ويرون النصر أمامهم يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إنكم لتُهزمون بالمعاصي وتُنصرون بالصلاة). فكيف نريد النصر على الأعداء ونحن لم ننتصر على أنفسنا، فمن لا يصلح لجهاد نفسه كيف يصلح لجهاد عدوه؟؟؟!!!. إنَّ حالَ المسلمين اليوم مع صلاة الفجر خصوصاً حالٌ يرثى لها، يقول أحد الغربيين بعد أنْ أسلمَ: والله لو رأيت المسلمين وحالهم مع تطبيق تعاليم دينهم قبل أنْ أسلم ما أسلمت لكن الحمد لله أني أسلمت قبل أن أراهم. وإنني أشيد بطريقة تشييع جنازة وبيعة خادم الحرمين الشريفين التي ابتعدت عما هو عليه حال الدول من الطقوس المخالفة للشرع فقد كانت بكل سلاسة وسهولة حتى إن معالي وزير التربية والتعليم قد عمم على جميع المدارس بأن تكون الحصة الأولى والثانية في يوم السبت خاصة بهذا الحدث الذي يعكس صورة من صورة الإسلام حيث يتحدث المعلم والمعلمة عنه مظهرين أن المسلمين يعتزون بتطبيق تعاليم دينهم ضاربين بعروش الدنيا إلى الوراء. شاهد حديثي عن هذا الحدث أن موضوع صلاة الفجر هو أيضاً مجال نقاش وحديث فياليت أن معالي الوزير يجعل له نصيباً واهتماماً أكبر في واقع مدارسنا وأن يخصص له أوقاتاً للحديث عنه بكل صراحة فتقصير المسلمين فيه يعدُّ جريمة كبرى أثرها يمتد لينالَ كلَّ جانبٍ من جوانبِ الحياة. آمل ألا يُحمل كلامي على غير مَحمله وأوصي أرباب الأسر بأنْ يتقوا الله في أبنائهم وأنْ يزرعوا فيهم الاهتمام بأمر الآخرة والخوف من الله، وأرجو أن يكون لخطباء الجوامع والمعلمين دورٌ بارزٌ حيال ما ذكرت. [email protected]