مع ظهور نسمات الصباح الباكر من كل يوم تعم الحركة وتدب الحياة وتتعالى الأصوات ويبدأ الزحام في أكبر سوق عالمي للتمور الذي يقع في قلب العاصمة القصيمية مدينة (بريدة) شريان الاقتصاد المؤثر في المنطقة الوسطى. أكثر من ألف وخمسمائة سيارة يومياً تقف في طوابير هائلة محملة بعشرات الأصناف من التمور وأكثر من عشرة آلاف زائر لهذا السوق العالمي من مختلف مناطق المملكة ومن مواطني دول مجلس التعاون الخليجي وعشرات الملايين من الريالات يتم ضخها يومياً عبر سوق بريدة العالمي للتمور حتى استحقت بريدة وبلا منازع وبلغة الأرقام والحقائق التي لا تقبل الجدل والتزييف أن تكون.. عاصمة التمور العالمية.. (الجزيرة) قامت بجولة ميدانية لسوق بريدة العالمي للتمور وخرجت بإحصاءات اقتصادية مهمة وحقائق فريدة والتقت مع تجار ومرتادي السوق فإلى التقرير التالي: أصناف التمور يوجد في مدينة بريدة أكثر من مائة صنف من التمور حيث تنفرد عاصمة التمور العالمية بكونها أكثر المدن تنوعاً في أصناف التمور وأبرزها السكري الذي يحظى باهتمام كبير من قبل التجار والمزارعين ومرتادي السوق نظراً لطعمه الرائع واحتوائه على فيتامينات مهمة وقد اكتسب (سكري) بريدة شهرة عربية واسعة وأصبح مطلباً مستمراً للجميع ويأتي البرحي كأحد الأصناف المهمة أيضاً بالإضافة إلى الخلاص ونبتة علي والرشودية والسباكة والشقراء والكويري والروثانة والحلوة وأم الخشب والمكتومي وعسيلة وغيرها ويوفر سوق بريدة العالمي للتمور جميع تلك الأصناف بالكميات التي يطلبها المشتري. التداولات المالية يصل التداول المالي اليوم لسوق مدينة بريدة العالمي للتمور في أوقات الذروة ليكسر حاجز المئة وعشرين مليون ريال بينما يبقى متخطياً لحاجز المئة مليون ريال في الأوقات العادية حيث يتوافد على السوق العالمي مواطنو المنطقة والمناطق الأخرى وكذلك مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي الذين يحرصون على التواجد وشراء كميات كبيرة من التمور خاصة الصنف المميز السكري ويمثل الارتفاع المالي للسوق بسبب شهرته الكبيرة وتاريخه القديم حيث يعتبر السوق مركزاً لعرض أجود وأفخر التمور العربية وتشمل مبيعاته أيضاً عمليات تتم من المزارع مباشرة وهي تمثل 60% من عمليات التداول المالي اليومي ويحرص الزوار على الشراء من عاصمة التمور العالمية نظراً لجودة المنتج ونظافته وخبرة أهل بريدة في تسويقه والاهتمام به. أكثر من ملياري ريال سنوياً يتخطى المؤشر المالي لعاصمة التمور العالمية حاجز الملياري ريال كعائد اقتصادي من صفقات البيع والشراء داخل سوق تمور بريدة العالمي ويقبل الكثير من المواطنين داخل مدينة بريدة على الدخول في تجارة التمور حيث تشهد ساحة السوق مئات التجار وتبقى الصفقات المالية العالمية القيمة تتم داخل المزارع مباشرة حيث يتم شراء التمر وهو لايزال في (قنى) النخلة ومن ثم يتم خرافه وبيعه في السوق أو تصديره لداخل أو خارج المملكة ونسبة البيع والشراء داخل المزارع تصل إلى 60% من إجمالي الصفقات المتداولة بشكل يومي وسنوي. 4.5 ملايين نخلة.. تشتهر مدينة بريدة عاصمة القصيم وقلبها الاقتصادي النابض بخصوصية التفرد الزراعي للنخيل من حيث العدد إذ يصل عدد النخيل المزروع وفقاً للتقديرات الأخيرة أربعة ملايين ونصف المليون نخلة وهو رقم قياسي قابل للزيادة كل عام حيث تشكل واحات ومزارع النخيل بمدينة بريدة وأريافها القريبة عقداً فريد الجمال يحيط بالمدينة وتتلألأ ثماره اليانعة الطازجة الجميلة راسمة أحلى لوحات الجمال الطبيعي على الأرض. أكبر مزرعة في العالم كما أن عاصمة التمور العالمية (بريدة) تضم بين جنباتها أكبر مزرعة نخيل في العالم بأسره وهي مزرعة الشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي التي تقفع في الركن الجنوبي الشرقي من مدينة بريدة وتبلغ مساحتها الإجمالية 5466 هكتاراً وتضم مائتي ألف نخلة يصل عدد الأصناف داخلها إلى ما يقارب خمسة وأربعين صنفاً من أصناف النخيل السائدة في المملكة العربية السعودية وقد روعيت التوصيات العلمية والقواعد الفنية عند غرس الفسائل التي غرست على أبعاد منتظمة (10?10متر) طبقاً لتوصيات وزارة الزراعة ويتم ري المشروع بشبكة ري حديثة. مصانع ومعامل التمور إضافة إلى الانفراد العالمي لعاصمة التمور في مجال التسويق والقيمة الاقتصادية وعدد النخيل والأصناف فإن مدينة بريدة تحوي العدد الأكبر من مصانع التمور على مستوى الشرق الأوسط حيث يوجد فيها ثلاثة عشر مصنعاً آلياً تعمل بطاقات إنتاجية هائلة وطبقاً للمواصفات المهنية العالمية والاشتراطات الصحية ويتم تصدير إنتاجها إلى جميع الدول العربية كما أن صنف (البرحي) بدأ يغزو الدول الأوروبية خاصة فرنسا وإيطاليا حيث يتم تصديرها طازجاً ويلقى رواجاً منقطع النظير كما أن معامل التمور العادية منتشرة بكثرة وهي مساهمة في فرز التمور وتجهيزها للبيع داخل المحلات داخل وخارج السعودية. أبعاد اقتصادية لا تقتصر الانعكاسات الاقتصادية لسوق التمور العالمي على التجار والمزارعين بل تتخطى ذلك بكثير لتكون عاملاً أساسياً في كسب لقمة العيش لمئات الأسر داخل عاصمة التمور (بريدة) حيث إن هناك برنامجاً لتشغيل الأسر داخل المنازل وهو برنامج فريد يتمثل في التعاقد مع الأسر لصناعة مشتقات التمور داخل المنازل وعرضها داخل المحلات للبيع وإعطاء الأسر نسباً عاليةً من الأرباح وتتم العملية وفق ضوابط واشتراطات صحية مستمرة ولقيت رواجاً كثيراً لدى الأسر لتنفرد بريدة كعادتها بأنها المدينة التي لا يهدأ اقتصادها ولا يقف عند حد معين. 250 ريالاً لسطل السكري تبغل قمية سطل السكري الفاخر 250 ريالاً فما فوق بينما تتراوح الأسعار من الثمانين ريالاً فما فوق حسب جودة الصنف ونظافته وبرغم كثرة العرض إلا أن أصناف التمور وخاصة السكري حافظت على أسعارها وبشكل كبير رغم بعض حالات عدم الاستقرار التي تنتاب السوق كغيره من الأسواق الأخرى. دراسات لغزو الأسواق العالمية رئيس لجنة التمور بالغرفة التجارية بالقصيم الأستاذ محمد بن صالح الجلعود أوضح أن كل القطاعات الخدماتية متفاعلة بشكل إيجابي ومرن مع توصيات لجنة التمور حول تنظيم السوق وتوسعته، مضيفاً أن اللجنة تعد دراسات وإحصاءات متواصلة للوصول بهذا المنتج الوطني الهام إلى الأسواق العالمية وأكد أن دعم الدولة لقطاع التمور مستمر حيث لم يقصر المسئولين في العناية والاهتمام بهذا المنتج الهام. وأشار إلى أن قوة التداولات المالية في سوق التمور ببريدة تعود لشهرته التاريخية وكثرة أعداد النخيل ببريدة وشغف المزراعين وتمسكهم بزراعة النخيل منذ زمن طويل. لقاءات عبدالله بن إبراهيم المهوس (رجل أعمال) ومورد لسوق التمور ببريدة يقول إن المشكلة التي تواجه موردي وتجار التمور حالياً هي قلة العمالة خاصة في موسم التمر حيث يحتاج المورد إلى تجنيد عدد يصل إلى عشرة أو عشرين عاملاً للقيام بعملية (خرف) النخل وتحميله وللأسف فإن قرارات وزارة العمل حدت من العمال وبالتالي بدأ العمل في فرض شروط مالية على التاجر لذلك أتمنى أن تكون هناك استثناءات في موسم التمر كما هو حاصل في موسم الحج لأن التمر منتج وطني رئيسي والحكومة لم تقصر بدعم هذا المنتج ولكن الأهم هو توفير العمالة. عبدالرحمن بن محمد العجلان (تاجر تمور) يقول: أمضيت أكثر من عشرين عاماً في سوق التمور ببريدة وهو أكبر سوق للتمور ولا جدال في ذلك، مضيفاً أن ما يعانيه الجميع يتمثل بضيق مساحة السوق التي لا توازي حجم السيارات القادمة للبيع مما يفوت الفرصة على البعض للبيع مبكراً وهذه إشكالية آمل حلها بأقرب فرصة. سليمان بن محمد السويد (مورد) يأمل أن يكون هناك تنظيماً مرورياً أكثر انسيابية لأن تأخر دخول سيارات الموردين باكراً يجبرهم على البيع (أحياناً) بقيمة أقل قليلاً من المتوقع ويؤكد السويد بأن تمور بريدة طيبة ولا فوق عليها إطلاقاً. إبراهيم المحيميد (دَلَّال) يقول إن توافد السيارات إلى السوق يبدأ من الساعة العاشرة مساء حيث تنتظر لحين الخروج من صلاة الفجر لتنطلق حركة البيع والشراء حتى الساعة التاسعة صباحاً ويؤكد المحيميد أن الإغلاق عند التاسعة يجعل الكثير من السيارات ترجع بحمولتها ولولا الإغلاق المتعارف عليه لوصل عدد السيارات التي تدخل السوق إلى ألفي سيارة يومياً. معتق المعتق ومحمد العودة (موردان) أشارا إلى أن الأقبال على شراء التمور ممتاز وطالبا بوضع مواقف كثيرة للمتسوقين. دور البلدية رغم عراقة سوق التمور ببريدة وتاريخه المميز وشهرته العالمية إلا أن بلدية مدينة بريدة وقفت موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعنيها إطلاقاً ولم تساهم في تطوير السوق وحل مشاكله التنظيمية السنوية وبقي دورها سلبياً وغير ملموس وأكثر ما يخاف منه مواطنو بريدة أن تتسبب البلدية في إخفاء معالم السوق كما حدث مع سوق البطيخ الذي غاب عن بريدة بسبب عدم اهتمام البلدية وبدلاً من أن تصبح بريدة سوقاً رائجة للبطيخ أصبحت مستوردة ويبقى تدخل المسئولين وأعضاء المجلس البلدي ضرورياً لكسر جمود وبيروقراطية بلدية بريدة قبل فوات الأوان.