رحل عنا الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - تلك الشخصية التي تمتلك مزايا قيادية فريدة قلّ ما نجدها في زعماء الدول والعظماء في العصر الحديث، بالإضافة إلى الصفات الإنسانية والكارزماتية التي حببته - رحمه الله - إلى شعبه وشعوب وزعماء الدول في العالم أجمع. رحل عنا أبو فيصل جسداً ولكنه بقي معنا روحاً، كيف ننساه وخيراته على شعب المملكة العربية السعودية والدول العربية والإسلامية لا تُعد ولا تُحصى. امتلك - رحمه الله - دراية تامة بتقاليد الماضي التي رأى أنه يجب المحافظة عليها ولكنه عرف أن العالم يتطور ولا بد من مواكبة التطوير العلمي. يعتبر الملك فهد المهندس لمختلف نواحي الحياة الحديثة في المملكة العربية السعودية، إنه ملك النهضة الشاملة، رجل السلام، رجل الوطن، الرجل الملك، والملك الصالح. -*-*-*-*- قائد من الطراز الأول -*-*-*-*- امتلك الملك فهد - رحمه الله - القدرة على النظر بعيداً إلى المستقبل والموهبة العجيبة على رؤية الأشياء باستراتيجية شاملة مترابطة ومتكاملة برؤية مستقبلية مركزة على مصلحة المملكة وشعبها ومصلحة الأمتين العربية والإسلامية. لقد كان - رحمه الله - قائداً مؤمناً يمتلك الخصائص القيادية الفذّة، وكانت سياسته الداخلية والخارجية مبنية على الحكمة والتروي. كان قائداً مؤمناً بربه معتمداً في تنفيذ برامجه وسياساته على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، كما كان يردد في خطاباته: إن سياسة المملكة الداخلية والخارجية تنبع من العقيدة الإسلامية. لقد سمعته - رحمه الله - يؤكد على صلته بربه واعتماده عليه سبحانه بقوله: ما دام إحنا مع ربنا فربنا معنا. خرج الملك فهد - رحمه الله - من صحراء المملكة العربية السعودية كان ملازماً لوالده العظيم جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - شارك في العديد من المؤتمرات الدولية ومثّل المملكة العربية السعودية منذ صغر سنه في المحافل الدولية كان من أهمها حضور الجلسة التأسيسية للأمم المتحدة في عام 1945م في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدةالأمريكية وكذلك حفل تنصيب الملكة إليزابيث الثانية. وتطورت لديه - رحمه الله - الشجاعة، الكرم، الحكمة، رباطة الجأش، والجرأة، واجتمعت كلها في شخصيته لتعبّر عن فراسة عجيبة وروح قيادية عالية كان لها الأثر الأعظم والخير الوفير للمملكة العربية السعودية وشعبها أثناء عمله كوزير للمعارف والداخلية وخلال فترة حكمه الزاهر. لم يكن الملك فهد - رحمه الله - قائداً يرى المستقبل فقط، إنما هو مفكر استراتيجي ولديه الرغبة والقدرة على المخاطرة المدروسة، عرف ماذا يريد لمستقبل المملكة وانهمك يفكر كيف يحقق ذلك لشعبه ووطنه. كانت لديه - رحمه الله - القدرة الخارقة للتأثير على الواقع، مع احتفاظه بتوازن بين فهم واضح للحاضر ورؤية حادة مركزة على المستقبل كالعدسة التي تركز أشعة الشمس على الورقة فتحرقها. وهناك العديد من الصفات القيادية الفذة والمميزات الإنسانية التي يمتلكها الملك فهد والتي كان لها الأثر الأكبر في قيادة المملكة إلى التطوير الشامل والنهوض بها حتى أصبحت في منظومة الدول المتقدمة ومن إحدى أسرع دول العالم نمواً في القرن العشرين، وبالإضافة إلى رؤيته الفريدة لمستقبل المملكة، كان - رحمه الله - يتمتع بصفات قيادية من أهمها وأكثرها تأثيراً على حياته: 1- شغفه وحبه لمهنته كقائد لركب التطوير في المملكة كان يحب ما يعمل ويحب عمله، وقد استطاع إيصال شغفه هذا ليعطي الأمل والحماس للآخرين من حوله. 2- كان - رحمه الله - يتمتع بالأصالة في قوله وفعله وتفكيره، وأصالته هذه مكونة من ثلاثة عناصر: معرفته بنفسه، صراحته وإخلاصه، وإدراكه الناضج لواقع ومستقبل الأمور. كان يعرف نفسه ومقدراته وعرف ماذا يريد فعله للمملكة ولماذا! الصراحة والإخلاص هما مفتاح معرفة النفس، ومبنيتان على الأمانة في التفكير والعمل، التزام حازم بالمبادئ مع شمولية متكاملة أصيلة في الشخصية، أما الإدراك الناضج فهو جزء لا يتجزأ من شخصية الملك فهد، فهو جرب ونما من خلال تجاربه في السياسة والاقتصاد منذ سن مبكر، لديه القدرة على تكريس الجهد والملاحظة القوية لما حوله والقدرة على العمل مع الآخرين والتعلم منهم دائماً صادقاً في جوانب شخصيته، وشجع كل هذه الصفات في كل من احتك بشخصيته - رحمه الله. 3- الأصالة هي أساس الثقة لقد منح الثقة لشعبه وأعضاء حكومته وأسرته السعودية الكبيرة وحتى سائقه ومرافقيه، لقد أحبهم وأحبوه ووثقوا به، ورأينا ذلك في الجموع الغفيرة التي ترددت على قصر الحكم بالرياض لتقديم العزاء للملك عبد الله - حفظه الله - وكذلك الحزن العميق الذي خيّم على شعب المملكة عند سماع خبر رحيله إلى جوار ربه. 4- لديه - رحمه الله - حب للمعرفة مع جرأة على اتخاذ القرار، يفكر في كل شيء أثناء زياراته ورحلاته خارج المملكة وكيف يمكن عمل شيء مشابه في المملكة عند عودته، يحب أن يتعلم أكثر ما يستطيع تعلّمه عن موضوع ما، ولديه الاستعداد للمخاطرة المدروسة، رأينا ذلك في حرب الخليج بقراره التاريخي باستدعاء القوات لتحرير الكويت، لا يأبه بالفشل، إنما يتجه إلى هدفه مليئاً بالإيمان والعزيمة والتصميم على تحقيقه. 5- التفاؤل والإيمان والأمل أثناء مطالعتي لبرامج وثائقية عن حياة الملك فهد - رحمه الله - ومشاهدتي لإنجازات الملك فهد شعرت بالفخر والاعتزاز، لقد عمل جاهداً لما فيه خير المملكة والأمتين العربية والإسلامية طوال فترة حكمه الزاهر، بنفس لا تعرف الممل وإيمان لا يعرف الفشل، إنه فعلاً قائد مؤمن ذو استراتيجية متكاملة ورؤية فريدة، فقد كان يحلم بتوسعة الحرمين الشريفين منذ أن كان صغيراً ملازماً لوالده جلالة الملك عبد العزيز، وصارت هذه الفكرة تلازمه حتى وضع حجر الأساس لتوسعة الحرم المكي الشريف في يوم جمعة من عام 1405ه ليتابع - رحمه الله - المشروع ويشرف عليه لمدة عشر سنوات قادمة. وبالرغم من التكلفة العالية للمشروع فإن الملك فهد رأى في ذلك خيراً للمملكة، يذكر المهندس بكر بن لادن أن الملك فهد قال له: كل ما نصرفه سيعوضه الله أضعافاً مضاعفه ويبارك لهذه البلاد. كان الملك فهد يصطحب معه الراديو والسجادة إذا خرج مع حاشيته خارج مدينة الرياض، وذلك أكبر دليل على إيمانه وحبه لأن يكون على قمة ما يحدث في المملكة والخليج والعالم من خلال سماع الأخبار، ولذا حرص على أن يصطحب معه الراديو، كان - رحمه الله - يعمل بهدوء وصمت ولم ينشد أبداً الجزاء والشكر إلا من ربه. وفي رده على سؤال للتلفزيون السعودي أثناء زيارة تفقدية لمشروع توسعة الحرم المكي الشريف قال - رحمه الله: لكن أنا أفضّل دائماً أن تتكلم الأعمال عن نفسها لقد تكلمت أعماله وشهد له الأصدقاء والأعداء على الإنترنت وفي الجرائد والقنوات الفضائية بإنجازاته الضخمة والخيّرة على المستويين الداخلي والخارجي. وبالرغم من إنجازاته الحافلة إلاّ أنه لم يتفرد - رحمه الله - بحسنة كل ذلك إنما منح حسنة الإنجاز لشعبه الوفي الكريم حينما قال: إن ما تحقق يشارك فيه كل مواطن بالمملكة العربية السعودية. القائد الفذ العظيم يشرك شعبه ومن حوله في حسنة الإنجاز وتحقيق الأهداف التي يرسمها لتطوير وطنه وأمته. هكذا كان الملك فهد بن عبد العزيز طوال حياته يتقاسم سعادة وحسنة الإنجاز واتمام المشاريع مع شعبه ومواطنيه، لقد بنى - رحمه الله - سياسته الداخلية والخارجية على الحكمة والتروي والأصالة في التعامل، واستخدام العقل والمنطق والعدل والتوازن في تنفيذ قراراته. وبالرغم من الصعوبات والضغوطات التي واجهت المملكة العربية السعودية أثناء فترة حكمه فقد كان راسخاً صامداً لعمق إيمانه بالله وتمكن - رحمه الله - من اتخاذ القرارات السياسية الصائبة التي كانت تصب في مصلحة شعبه ووطنه أولاً ثم مصلحة الأمة العربية والإسلامية ثانياً. وكان - رحمه الله - يقوم بتنفيذ مسؤولياته الجسيمة تجاه شعبه وأمته بأعلى درجات المهنية والاحتراف كسياسي محنّك لا يتعجل في اتخاذ القرار، يدرس الموضوع من كل جوانبه، يحدد الحلول المناسبة، ثم يختار الأفضل منها، وإذا اتخذ قراره فإنه يعزم عليه ويتوكل على الله، رأينا ذلك في محاولاته لإخراج العراق من الكويت بكافة الوسائل السلمية. ولكن عندما لم ينفع ذلك اتخذ قراره الحكيم باستدعاء قوات من الدول العربية والإسلامية والصديقة لإرغام العراق على الخروج من الكويت، وتحقق له ذلك وعادت الكويت إلى أصحابها الشرعيين. القائد الناجح يضع لنفسه أهدافاً استراتيجية يعمل على تحقيقها، ترافقه أهدافه في مكتبه، سيارته، يفكر بها أثناء تناول وجباته، ويحتضنها في منامه، كان الملك فهد هو أهدافه وأهدافه هي هو. هكذا كان الملك فهد بن عبد العزيز في استراتيجيته ورؤيته المستقبلية لتطوير المملكة وجلْب الحضارة الحديثة لشعب المملكة وإسعاد مواطنيه الذين كانوا هم همه الأول والأخير وهدف رسالته السامية ورؤيته الخيّره، فجزاه الله عنا وعن شعب المملكة خير الجزاء. -*-*-*-*- رؤية طموحة لمستقبل المملكة -*-*-*-*- أدرك - رحمه الله - أهمية التخطيط الاستراتيجي، قرأ المستقبل ووضع توجهاته لتطوير المملكة على المدى الاستراتيجي البعيد، عرف أصول القيادة بالرؤية المستقبلية، فالرؤية المستقبلية هي مفتاح القيادة الناجحة، لقد كان قائداً فاعلاً بأجندة. كان يهتم بالنتائج ويتطلع دوماً إلى رؤى جديدة يحققها لشعبه ووطنه، رأى نفسه كعامل تغيير نحو الأفضل، كانت لديه رؤية لما يجب أن تكون عليه المملكة من التطور بكل أشكاله وألوانه. -*-*-*-*- والتزم برؤيته -*-*-*-*- والتزامه - رحمه الله - بالرؤية المستقبلية لتطوير المملكة أمدته بقوة عجيبة للإبداع والإنجاز والنجاح الباهر في تحقيق الأهداف التطويرية التي رسمها، ذلك مع إيمانه العميق بأن الله معه، تلك القوة الإيمانية التي لا تتزعزع والتي استمد منها - رحمه الله - قوة الشخصية واليقين بأن الثقة بالله وطلب العون منه سيوصلانه إلى أهدافه النبيلة التي كان ينشدها لوطننا العزيز. لقد غيرت رؤيته - رحمه الله - حياته وحياة شعب المملكة بطريقة دراماتيكية حققت له ولشعبه ولوطنه العز والمجد والسؤدد وجعلت من المملكة دولة ذات نفوذ سياسي قوى واقتصاد متين في الأسرة الدولية، لقد كانت رؤيته لمستقبل المملكة توجه نشاطاته على كل أصعدة التطوير. عرف ما يريد تحقيقه للمملكة، ومع إيمانه العميق بالله كانت لديه القوة الشخصية للمثابرة في وجه الصعوبات حتى تمكن - رحمه الله - من تحقيق نقلة حضارية للمجتمع السعودي في سنين تعتبر زمناً قياسياً إذا ما قورنت بنفس المستوى من التطوير الذي مر به الكثير من الدول النامية والذي استغرق وقتاً أطول بكثير، الكثير من الرؤى لم تتحقق في التاريخ لأنه لم يكن هناك التزام كافٍ بتحقيق الرؤية من قبل صانعها أو تابعيه ومن حوله. ولكن الملك فهد - رحمه الله - كان لديه التزام تام بالعمل اللازم الذي قاده إلى تحقيق رؤيته لمستقبل المملكة مع إيمانه بما تمثله هذه الرؤية من خير وفير للمملكة وشعبها، لقد كان سياسياً مهنياً بمعنى الكلمة. كان الملك فهد - رحمه الله - قائداً تحويلياً استطاع بمهنية سياسية وقدرة تطويرية فائقة تحويل المملكة من صحراء إلى واحة خضراء، وتمكن بدهائه السياسي المعهود من تكوين رؤية مشتركة وجماعية لمستقبل المملكة العربية السعودية. أطلع - رحمه الله - وزراءه وأعضاء حكومته وخاطب الشعب السعودي الوفي وحث الوزراء على العمل الدؤوب وبذل المزيد من الجهد لتحقيق الرؤية التي كان يحلم بها لمملكته وشعبها الكريم. وكان قائداً مرشداً موجهاً يبني الثقة ويساعد من حوله ومن له علاقة مباشرة أو غير مباشرة معه على التعلّم والنمو، كان جل همه منصبا ًعلى إنجاز الأهداف التي رسمها للمملكة وشعبها والتقدم باتجاه تحقيق الرؤية التي كان يحلم بها، التزم بنجاح خططه واحترم كل من عمل معه. كانت لديه - رحمه الله - القدرة على تشكيل والتأثير على مختلف جوانب المجتمع السعودي، متحدثاً ماهراً مع قدرات إقناعية فريدة يستمع للآخرين وهم ينظرون له كقدوة حسنة لهم، خاصة أولئك الذين كانت جهودهم ضرورية لتحويل رؤيته - رحمه الله - إلى حقيقة واقعية. ولأنه - رحمه الله - كان يشارك رؤيته للمملكة مع وزرائه وأعضاء حكومته وشعبه وكل من له علاقة بأهدافه التي رسمها لبلده وشعبه فقد كانت لديه طاقة داعمة كبيرة شكلت قوة رهيبة لتحقيق المنجزات العظيمة التي رأتها المملكة في عهده الزاهر واحدة تلو الأخرى. كان الملك فهد قائداً فعالاً استطاع تشكيل رؤية لمستقبل المملكة وتمكن من تحقيقها في عالم اليوم الذي يتغير سريعاً، يمتلك - رحمه الله - قدرة عجيبة على فهم الطبيعة البشرية والتي ساعدته على الإبداع في علاقاته مع الأفراد والمؤسسات والدول، عرف جيداً أن التصرف البشري يمكن تعديله إلى حدٍ ما، ولكن الطبيعة البشرية لا يمكن تغييرها. كان يمتلك شخصية كارزماتية مليئة بالطيبة تجذب إليه الناس وتحببهم فيه وتقربهم إليه، اندمج مع شعبه وحاول تبني كل ما من شأنه تحقيق الرؤية المستقبلية التي رآها للمملكة. لقد فهم الوزراء رؤية الملك فهد وفهم شعبه جيداً ماذا كان - رحمه الله - يحاول إنجازه وماذا كان يعني كل ذلك لشعب المملكة. وكل من عمل مع الملك فهد وسمعه أو رآه يتحدث عما ينتظرنا في المستقبل كامتداد طبيعي منطقي مثير للحاضر المجيد الذي عشناه إبان تسلم الملك فهد مقاليد الحكم في المملكة. كانت رؤيته للملكة موجهةً باستراتيجيات تنظم نشاطاته - رحمه الله - فمثلاُ، (التعليم مكفول للجميع) مبدأ استراتيجي لدى الملك فهد خاصةً وأنه عرف أن التعليم هو أساس النهضة الحضارية التي كان ينشدها للمملكة وشعبها. لقد بذل كل غالٍ ونفيس في سبيل إسعاد شعبه وبلغت قيمة المبالغ المنفقة في الخطة الخمسية الثانية (75م 80م) تسعة أضعاف ما أنفق على الخطة الأولى (70م 75م). -*-*-*-*- ملك النهضة الشاملة -*-*-*-*- يعتبر الملك فهد - رحمه الله - المهندس لمختلف نواحي الحياة في المملكة العربية السعودية الحديثة، أجمعت وسائل الإعلام الداخلية والخارجية منها على تسميته - رحمه الله - مهندس الاقتصاد السعودي الحديث ورجل التعليم الأول. (أيها الإخوة: أعاهد الله ثم أعاهدكم على أن أكون أباً لصغيركم وأخاً لكبيركم فما أنا إلاّ واحد منكم يؤلمني ما يؤلمكم ويسرني ما يسركم.) بهذه الكلمات بدأ الملك فهد - رحمه الله - عهده الزاهر مؤمناً بالله وعلى يقين بأن بناء الإنسان السعودي هو محور التنمية وأن الدول لا تنهض إلاّ إذا نهض فيها الإنسان، وضع جلّ همه في تطوير المجتمع السعودي وبناء العنصر البشري وعرف أن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء المصانع، بذل جهوداً جبارة قد لا يعرفها الناس وهو لا يحب أن يعرفوها لقد حافظ على كل توازنات المجتمع السعودي وتأكّد من ألا يكون هذا التطور على حساب الإسلام والشريعة الإسلامية، دعم المشاريع التنموية في المملكة وكانت لديه رغبة قوية لتحقيق التنمية السريعة في المملكة دعماً للمسيرة الإسلامية، بذل جهوداً جبارة لا تعرف الملل وكانت كلها تصب في خدمة الإسلام والمسلمين. كان - رحمه الله - في صلب الأمور، اندمج مع شعبه، وكان يؤمن بأن المواطن يستحق كل الراحة والترفيه، بدأ الملك فهد - رحمه الله - يفكر بكيفية إنفاق دخل البترول عندما كان ولياً للعهد، هل تحتفظ المملكة بدخل البترول أو تنفق ذلك في تطوير البنية التحتية؟! ووجد - رحمه الله - أن هناك فرصة يمكن ألا تتكرر، وأتخذ قراراً بالتسريع في التطوير وكانت لديه خطة، بل وخطط على كل المستويات، أدرك حقيقة أنه يجب علينا أن نغير ونأخذ بأسباب العصر ولكن نحتفظ بتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية والعربية الأصيلة، عرف الملك فهد أن الدول لا تنهض بدون تطوير العنصر البشري فيها. كان رحمه الله يقول: لكي نرفع مستوى هذه البلاد فالسبيل الوحيد هو العلم، وبدأ بالتعليم، قيّم سياسة التعليم ورسم خطة لتوفير التعليم لكل مواطن في المملكة، وفتح باب التعليم على مصراعيه. كان يفتح مدرسة كل ثلاثة أيام، أي بمعدل مائة مدرسة في السنة، ويوجد في المملكة حوالي 22.000 ألف مدرسة الآن نتيجةً للثورة التعليمية التي بدأها الملك فهد. كان - يرحمه الله - يقول عن عمله في وزارة المعارف: (إنه أهم عمل توليته وأهم شيء في حياتي). كما أكد - رحمه الله - أن الشيء الذي أعتز به هو انتسابي إلى أسرة التعليم، لم يكن لديه - رحمه الله - ساعة عمل محددة، لقد سيطرت على فكره رؤيته للمملكة وانهمك في العمل ليلاً ونهاراً لتحقيقها، يتصل في أي وقت بأحد وزرائه ليطمئن على مشروع أو مهمة معينة. يذكر معالي الأستاذ عبد الوهاب عبد الواسع أن الملك فهد كان يتصل به الساعة الواحدة، الثانية، أو الثالثة لمجرد أن حاجا سُرق منه شيء أو مشكلة في الحج. ركز - رحمه الله - على تطوير البنية الداخلية للمملكة ولكنه لم ينس تطوير علاقات المملكة مع دول الخليج، الدول العربية، والدول الإسلامية والصديقة، بعث الملك فهد طلابه وأرسل بعثاته إلى كل دول العالم وأرسل سلطان بن سلمان إلى الفضاء. أقام الجامعات والكليات والمعاهد التقنية والطبية، والكليات العسكرية، وبنى المطارات والموانئ الحديثة حتى أصبح هناك مطار في معظم مدن المملكة الرئيسة. في عام 1403ه أعاد الملك فهد تفعيل مجلس الشورى، بدأ الملك فهد أكبر مشروع إعمار مدني في العالم هو مدينتا الجبيل وينبع الصناعيتان واهتم بهما بنفسه، منح الأراضي للمواطنين والجامعيين وأقام المناطق السكنية والمجمعات التجارية، اهتم بتطوير القرى والمجمعات القروية وجلب الحضارة الحديثة لكل مجتمعات المملكة، اهتم - رحمه الله - بتأسيس الشركات الزراعية واستثمار الأراضي لتأمين الاكتفاء الذاتي للمملكة ونجح في ذلك. -*-*-*-*- إنسانية الملك فهد -*-*-*-*- كان - رحمه الله - متواضعاً وأصر على إسقاط لفظ (صاحب الجلالة) واستبداله بمسمى (خادم الحرمين الشريفين) يمازح الناس ويجلب الطمأنينة إلى أنفسهم، وبالرغم من مكانته العالمية فإنه لم يتخل عن عاداته السعودية الأصيلة. كان والداً حنوناً ورجلاً عاطفياً مع أفراد شعبه لدرجة أنه كان يعرف أعضاء فريق كرة القدم كلهم بالاسم، وتعاملاته - رحمه الله - كانت إنسانية والناس عنده كلهم سواء، يغضب إذا عرف أنه كان هناك إنسان يمكن إنقاذه ولم يُنقذ، أنفق الكثير على أوجه الخير داخل وخارج المملكة ولا يتبع ما ينفق لا منٌ ولا أذى، يحب البساطة ويستمتع بالفكاهة والمداعبة مع مرافقيه وزواره حتى من رؤساء الدول. يقول الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش: إنه كان يودع الملك فهد في نهاية إحدى زياراته للمملكة ومازحه الملك فهد بقوله: (عندما تزورنا مرة ثانية سنلعب كرة القدم). يقول سمو الأمير مشعل بن عبد العزيز أثناء مقابله في برنامج عن الملك فهد على قناة (العربية): (إن الملك فهد بطيبته وشخصيته هو خليفة الملك عبد العزيز). لقد امتلك الملك فهد - رحمه الله - صفات كارزماتية كثيرة حببته إلى الآخرين وأحبوه كثيراً حتى أولئك الذين لم يعرفوه عن قرب ولم يحتكوا به - رحمه الله. يقول سمو الأميرعبد الرحمن بن عبد العزيز: (إن الملك فهد كان يغصب بعض إخوانه على ركوب الخيل وأحياناً يربطهم على ظهر الحصان، إنه خير مثال على التشجيع، المثابرة، التوجيه، والتحفيز). كان - رحمه الله - يهتم بالجميع وقدم المساعدات وكافة أعمال الخير للكثير من الأفراد والمؤسسات والدول العربية والإسلامية، بل وغير الإسلامية في أفريقيا وغيرها. ولم يكن هناك مسلم طلب مساعدة من القيادة السعودية سواءً على المستوى الفردي أو مستوى المشاريع والدول إلاّ مُدت له يد العون بما فيه الخير للأمة الإسلامية. -*-*-*-*- الملك عبد الله خير خلف لخير سلف -*-*-*-*- هكذا كان الملك فهد - رحمه الله - ونحن تعلمنا في مدرسته، تعلمنا ألا نيأس وأن نعمل جاهدين على كل ما يدعم تقدم وطننا العزيز كل في موقعه. وبالرغم من أنه رحل عنا إلا أن عزاءنا في تولي الملك عبد الله مقاليد الحكم في المملكة يُعتبر الملك عبد الله - حفظه الله - امتداداً لسياسة الملك فهد - رحمه الله - فكلاهما مثل ملوك المملكة الذين تخرجوا من مدرسة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه. والسياسة التي اتبعها أبناء الملك عبد العزيز هي السياسة التي رسمها جلالته للمملكة منذ تأسيسها، تلك السياسة الحكيمة التي أوصلت المملكة إلى مستوى راقٍ من التقدم ووضعتها في موقع مرموق في الساحة الدولية. وقد شارك الملك عبد الله خلال السنوات الماضية في رسم السياسة السعودية في التعامل مع قضايا الإرهاب والإصلاح أثناء الفترة التي كان فيها الملك فهد - رحمه الله - يعاني مشاكل صحية، كان أبرزها إنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ورعايته - حفظه الله - الكثير من اللقاءات الوطنية للحوار في مدن مختلفة من المملكة، كان الإنسان السعودي وما زال محل اهتمام القيادة السعودية منذ تأسيس المملكة. وقد عاهد الملك عبد الله - حفظه الله - شعبه الوفي على أن يكون القرآن دستوره والإسلام منهجه وأن يكون المواطنون همه وشغله الشاغل، وطلب - حفظه الله - من شعب المملكة أن يقدموا له النصح وأن يدعوا له بالتوفيق في مهماته الجسيمة - إن شاء الله - ومن يطلب ذلك من شعبه فلا يمكن أن يكون إلاّ خير خلف لخير سلف.. بعون الله. يقول سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز ردّاً على سؤال لإحدى القنوات التلفزيونية بعد استقباله المواطنين في اليوم الثاني للبيعة: إن الدول التي تقوم على أفراد تسقط، بينما الدول التي تقوم على أكتاف أبنائها تدوم، ولذا وضعت القيادة الحكيمة خططا طموحة للتنمية بدأت في عهد جلالة الملك خالد -رحمه الله - وتوسعت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - وسيكمل المسيرة الخيّرة مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز - أمدهما الله بنصره وتوفيقه. وستبقى هذه البلاد الطاهرة في أيدٍ أمينة - إن شاء الله - لأنه إذا مات منا سيد قام سيد آخر. (*) الإدارة العامة للمتابعة الأمن العام