تصطدم التوعية بأسباب السلامة وضرورة الالتزام بها أثناء القيادة بالكثير من حوائط الإهمال واللامبالاة، فتكون الحوادث المرورية المتكررة. وهناك من الأسباب ما يتزامن وبداية موسم الإجازة الصيفية حين (تضاف) إلى قائمة الاستهتار عوامل مؤدِّية إلى الحوادث المرورية بشكل مباشر. (الجزيرة) في هذا التحقيق تناقش القضايا المرورية من زوايا مختلفة بقراءة جادة في كيفيات المعالجة التي تعني أهداف محدَّدة للسيطرة (الممكنة) على حالة أشبه ما تكون في حركة السيارات بالأمواج التي تغصُّ بها الشوارع وبعشوائية الأمزجة التي تدفعها إلى المخالفات العابثة. ولأن إجازة الصيف تتيح أمام الشباب ممارسة هواياتهم، وتحقق لهم في هذا الفراغ الوقتي فرصاً في كل الاتجاهات، يكون الانشغال الأكبر بالسيارات، وخصوصاً من صغار السن، والمشهد في الحالة يؤكِّدها (ظاهرة) تتزايد وتنتشر وتضيف إلى مؤشر إحصائيات الحوادث المرورية أرقاماً مضاعفة ينتج عنها الوفيات والإعاقات والخسائر المادية. كما تأتي قيادة صغار السن للسيارات ك(ظاهرة) موضوعاً جديراً بالاهتمام لأسباب ندرك أبعادها، ومن هنا كان طرح القضية للمناقشة في استطلاعات الرأي من حيث الأسباب والنتائج، فقد توصَّلت بعض الدراسات إلى ارتفاع نسبة الحوادث التي يتسبب فيها مَن هم دون السن القانونية للحصول على الرخصة، وسجَّل الارتفاع رقماً تصاعدياً من 52% قبل خمس سنوات إلى أكثر من 60% كمعدَّل سنوي، وهذا في مدينة الرياض وحدها في العام المنصرم. **** مدير الإدارة العامة للمرور العميد فهد بن سعود البشر في حواره مع (الجزيرة) يناقش هذا الجانب من زاوية المسؤولية والتنبيه إلى مخاطر هذه الظاهرة والحد من مشكلاتها بالتوعية وحث الأسرة على المشاركة في إدراك أهمية التعاون بإحساس يقظ ومتابعة تربوية.. فيقول: إن قيادة صغار السن للسيارات هي قبل كل شيء غير نظامية، بمعنى أنه لا يحق لهم قيادة المركبة لعدة اعتبارات، منها أن النظام حدَّد سن 18 سنة للحصول على رخصة القيادة، كما حددت اللائحة الخاصة بذلك إمكانية إعطاء تصريح مؤقت لمن بلغ 17 سنة. ويمكن النظر إلى تحديد هذه السن التي تؤهِّل للحصول على رخصة القيادة للسيارة وفقاً لمعايير دولية ترتبط باختبار القدرات والكفاءة اللازمة من الوعي والإدراك بأساسيات متعارف عليها في أنظمة السير؛ حيث يرى العميد فهد البشر ضرورة الالتزام بذلك فيقول: إن ضمن الاعتبارات المأخوذ بها في عدم جواز إعطاء التصريح للصغار هو معرفة أنه مهما كانت قدرتهم على قيادة المركبة أو نحو ذلك فإنهم بالتأكيد ليس لديهم الخبرة الكافية للتصرف السليم والواعي في المواقف الحرجة أو الطارئة؛ فهي احتمالات موجودة. أيضاً لا يملكون القدرة بحُكم السن الصغيرة على اتخاذ القرارات الصائبة في تلك المواقف، وهذه حقيقة يجب على أولياء الأمور عدم تغافلها. ويستطرد العميد البشر فيقول: الظاهرة بكل شفافية تحتاج إلى متابعة رقابية صارمة من العاملين ميدانياً في مجال المرور بحرص مسؤول على عدم السماح بذلك. وفي نفس الوقت لا بدَّ أن يكون هناك وعي وإدراك لدى أولياء الأمور، وأن تكون لديهم مخافة الله في فلذات أكبادهم بألاَّ تأخذهم العاطفة في زج أبنائهم إلى التهلكة. أما من جهة المرور فالأنظمة تعالج في بعض موادها هذه الظاهرة، وذلك بعدم السماح لأي شخص تسليم سيارته إلى مَن لا يحمل رخصة قيادة، وإلا فإنه يعتبر متضامناً معه في المسؤولية التي يترتب عليها الإجراء النظامي في الغرامة والعقوبة. -*-*-*-*- التحايل باصطحاب العائلة -*-*-*-*- * هنالك مَن يعتقد الكفاءة فيمن هم أقل عمراً، وذلك بالمقارنة بين خبرتهم وخبرة السائقين الأجانب، فهل يُؤخذ ذلك في الاعتبار؟ أيضاً (التحايل) باصطحاب العائلة أثناء قيادة الصغار هل يقف عائقاً بالفعل أمام ضبط المخالفة؟ - يجيب مدير عام المرور على ذلك فيقول: بموجب اللائحة التنفيذية لنظام المرور فإنه مَن أكمل 17 سنة يمكنه الحصول على تصريح مؤقت كما أشرتُ إلى ذلك سابقاً بشرط التحاقه بمدرسة تعليم القيادة والتأكد عملياً من معرفته القواعد والأنظمة المرورية؛ حيث يُتاح له التدريب والممارسة العملية والنظرية لأنظمة المرور والإشارات وكل ما يتعلق بأسباب السلامة. وفي المتابعة للمخالفات، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالسلامة المرورية وتكون المركبة في حالة سير، فإن تسجيل المخالفة لا يأخذ وقتاً، ولكن بالنسبة للاستثناء فأعرف ما الذي تشكله العائلة أثناء وجودها في المركبة من عائق أمام ضبط المخالفة!! أما بالنسبة لإمكانية إعادة النظر في السن المحدَّدة بالنظام واللائحة التنفيذية فهو غير وارد على الإطلاق؛ فهي اعتبارات مناسبة جداً لمجتمعنا، ولا أعتقد أن المقارنة التي أشرتم إليها مع قيادة السائقين الأجانب وقلة خبرتهم عادلة. كما أن التساهل في تقليص السن كشرط للحصول على رخصة القيادة أو التصريح المؤقت سوف يسهم في زيادة المشكلة، وقد لا أتفق معك في الكلام، لكن الواقع يفرض نفسه. -*-*-*-*- غياب الإحساس بالمسؤولية -*-*-*-*- ** من جانبه يؤكد منصور إبراهيم الحسين أهمية دورين أساسيين في سبيل التخفيف من آثار ونتائج هذه الظاهرة، باعتبار أن القضاء عليها بشكل نهائي غير ممكن في ظل عوامل معروفة مثل اندفاعات التهور في عقول شباب هذا العصر. الدور الأول هو مسؤولية التربية الأسرية والمتابعة من قِبل الأبوين، الأمر الذي يتطلب وعياً بخطورة التهاون في السماح للصغار بقيادة السيارة. ولا بدَّ من توعية قادرة على الوصول إلى معرفة من شأنها توضيح ما يحدث من حالات مرتبطة بالتساهل؛ فالحوادث المرورية التي يتسبَّب فيها الصغار تتزايد، وعواقبها ندم وحسرة، ولكن بعد فوات الأوان. وكما يقول (منصور) فإن ذلك أصبح متاحاً من دون اكتراث بالنتائج، ويميل الكثيرون إلى الاعتقاد أنه تدريب للصغار على قيادة السيارة وتحمُّل المسؤولية، وذلك أمر خاطئ في المفهوم التربوي الذي يحتاج إلى إعادة النظر في هذا الجانب. أما الدور الآخر فهو إدارات المرور وما يجب أن تتَّبعه من طرق المتابعة لحركة السير، وذلك لأن كونها (ظاهرة) وبمستوى انتشار واضح سوف يجعل مهمة معالجتها ضمن الممكن، وليس أن ننتظر وقوعهم في الحوادث ثم المساءلة أو تطبيق العقوبات. الذي أراه مناسباً كاقتراح الرجوع إلى الإحصائيات في حوادث المرور والبناء عليها في دراسة جوانب هذه الظاهرة، مع تشديد العقوبات على أولياء الأمور الذين يسمحون (تساهلاً) في إعطاء السيارات إلى الأبناء. والغرامات المالية لن تكون مجزية إذا لم تُتَّخذ إجراءات حاسمة ورادعة؛ كأن تحجز السيارة لمدة شهر، أو تطبيق النظام بحق صاحبها في كل ما يترتب على التفريط في المسؤولية والحوادث. ** ويشارك (صالح السيوفي) في الحوار، وذلك بالدعوة إلى ضرورة المتابعة لهذه الممارسات الخاطئة. ويؤكد ما يجب أن تحظى به من اهتمام توعوي مكثف؛ حيث يمكن من خلاله إيقاظ الضمائر النائمة ومعالجة هذا الانتشار الذي يعني اللامسؤولية عندما يُعطى الصغار فرصة قيادة السيارات بعلم أهلهم. وللأسف هم لا يقدِّرون ما سيأتي، فمنهم مَن يركن إلى جانب الأقدار، والمفهوم هنا خاطئ بالنظر إلى المعنى الإيماني الصحيح في المسائل القدرية، فليس المجال مثلاً الإلقاء بالأبناء إلى التهلكة وفقاً إلى ذلك، وبالتالي نعود إلى مقولة: (اعقلها وتوكَّل)، ويدخل في هذا التزام واجب بالحيطة والحذر وعدم التفريط. أما الناحية الأخرى التي هي مدعاة لانتشار ظاهرة قيادة صغار السن للسيارات فهي فترة المراهقة وفراغ الصيف، إضافة إلى مغريات قيادة السيارات، ولنا أن نتوقع من هؤلاء ممارسات طائشة كالسرعة والتفحيط والمخالفات؛ مما ينتهي الأمر بالحوادث المرورية المروعة. ومن وجهة نظري أحب التأكيد أيضاً على ما قد يغفل عنه المفرِّطون في الأمانة عندما يتركون أبناءهم عرضةً لهذه المشكلات، وهو المتعلِّق ببيولوجية تكوين الإنسان في سن المراهقة واضطراباتها؛ فقد ثبت علمياً التشتت في التركيز، وخصوصاً أثناء قيادة السيارة تحت مؤثرات الانتشاء بهذه الممارسة، وعندما تعترضهم مواقف - وما أكثرها في الشوارع المزدحمة - فإن قدرة التصرف أو التحكم في السيطرة تكون مرتبطة بمستوى هذا التشتت الذهني الذي لم يصل إلى النضج؛ نظراً إلى قلة الخبرة أيضاً. وانتهى إلى أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأسرة في المقام الأول. -*-*-*-*- الخلل التربوي ينتظر التوعية -*-*-*-*- ** أما الدكتور حسام كحلة الإخصائي النفسي فيعتقد أن الظاهرة طبيعية في المجتمعات العربية؛ حيث اللجوء إلى التنفيس عن رغبات طارئة في فترة المراهقة بخاصة، وقد يكون لما يحدث علاقة بعدم تقدير العواقب الناتج عن عدم التوازن والقلق المصاحب لهذه الفترة من العمر. وتستدعي المعالجة دوراً مسؤولاً من الأسرة في غرس قيم ومفاهيم تؤدي إلى التوازن الإدراكي بتنمية الفكر عن طريق التعويد منذ الصغر على كيفية التعاملات والتصرف السليم. وإن الغفلة الإشرافية أصبحت سائدة مع الأسف الشديد في هذا العصر؛ فالأبوان بينهما وبين الأبناء والبنات حواجز ومسافات من العزلة، ومن هنا يجب أن نؤكد على ضرورة وجود توعية تُعيد الأمور إلى نصابها؛ حيث مسؤولية الراعي عن رعيته. يضيف الدكتور كحلة: إن ارتكاب المخالفات المرورية من الصغار محتمل بشكل كبير، وهذا ما تؤكده الإحصائيات، ولكن انتشار هذه الظاهرة وكثرة الحوادث يرجع إلى ضعف القدرة على التركيز. وما أشرتم إليه من (التحايل) باصطحاب العائلة حتى لا يتم ضبط الصغار وهم يقودون السيارات فهو مؤشر خطير على غياب الوعي الأسري، فكيف توافق الأمهات على ذلك؟! وكيف يرضى الآباء بما يحدث؟! وأعود إلى التذكير بحديث المصطفى عليه صلاة الله وتسليمه؛ حيث قال: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته). ويجب أن نفهم من هذا بُعداً آخر يتعلق بالمخالفة التي تؤدي إلى الخطر بتعويد الأبناء ارتكاب أخطاء واضحة، كما أنها تساهل تربوي وإلقاء بهم إلى التهلكة!! -*-*-*-*- واقع مروري -*-*-*-*- ** رؤية أخرى تؤكِّد وجود الخلل في التوعية وغياب دور الأسرة، فكان اللافت هنا التقصير في تعهُّد الصغار بالتوعية المبكرة التي افترضها العميد فهد البشر أساسية في تكوين قاعدة للسلوكيات بتنميةٍ تغرس (صفة) احترام النظام (فتكبر) أخلاقياً بالتصرفات. الإشارة إلى وجود هذا التقصير جاءت في مشاركة (أحمد العنزي) إخصائي اجتماعي؛ حيث يقول: عند مراجعة واقعنا المروري بنظرة فاحصة فلا بدَّ من مواجهة هذه الحقيقة المؤسفة التي تتمثل في فوضى القيادة. والملاحظ كثرة الأخطاء، وأميل إلى تسميتها جهلاً في قيادة السيارات، وهي تلك الأمزجة التي تتحكم في عقليات متفاوتة ومتضاربة ومتعاكسة في القيادة التي تنتظم بها حركة السير. ونتيجة ذلك اختناقات مرورية وتجاوزات وعدم التزام بالأنظمة بارتكاب المخالفات عمداً أو جهلاً أو لا مبالاة. فهذا هو المشهد العام وفقاً للتصور الذي يرتبط بوجود نسبة مرتفعة من الجهل بأنظمة المرور أو قاعدة ومقولة: (قيادة السيارة فن وذوق). الأمر الذي يجب الاعتراف به أولاً هو وجود عدة عوامل مؤثرة سلبياً في الوضع وما ينتج عنه من حوادث وضحايا. وثانياً البحث عن وسائل وكيفيات لمعالجة المشكلات، وهذا يتطلب معرفة الأسباب ودراستها بواقعية حتى ينسجم تنفيذ النتائج مع الممكن ميدانياً عبر مراحل قد نصل من خلالها تدريجياً إلى الأفضل، وهذا ما تتبعه الإدارة العامة للمرور بشكل ملموس، إلا أن جهة واحدة في شأن كهذا غير كافية في حال غياب أو تقصير الأدوار الأخرى من جهات لها علاقة مباشرة وتتحمل المسؤولية بنفس المستوى. فإذا جاز لي القول هنا بأهمية نشر الوعي المروري فإن جانباً أساسياً لم يتم تفعيله والقيام به وفقاً لما يستحق وما يُعوَّل عليه، وذلك باستهداف الشريحة القادمة مستقبلاً لقيادة السيارات، وهم طلاب المدارس، فإذا وُضع ذلك في الاعتبار ومن خلال برامج التوعية تتحقق بالضرورة انعكاسات قادمة في سلوكيات القيادة، وما حالنا فيما يحدث إلا نتيجة للتقصير في التوعية المطلوبة لهذه الشريحة بشكل خاص؛ حيث جاء الكثير من الشباب إلى القيادة من دون تأهيل وثقافة مرورية. ** وفي إطار هذه الوجهة في الرأي يقول الدكتور محمد خوجة: إن وصول مفعول التوعية إلى المتلقِّي هو المنطلق الذي يحقق الأهداف المرجوة. أما التوعية من خلال سياقات الرسائل النمطية حالياً فلن تكون مجدية، وبالتالي فإن الخروج من تقليدية الطرق التوعوية سوف يؤدي إلى آثار إيجابية في علاج مشكلاتنا المرورية. كذلك من الملاحظات على الصياغات الإعلامية حالياً جمودها الذي لا يتجاوز القراءة للحوادث بسطحية مجردة محدودة وتحويلها إلى أرقام وإحصائيات واعتقاد إحداثها ردة فعل إيجابية للعظة والعبرة، فإذا افترضنا مثالاً هنا يوضِّح وقوع عشرة حوادث مرورية كل نصف ساعة، وينتج عنها أربع حالات وفاة، وسنوياً عشرة آلاف ضحية من الوفيات والإعاقة. ووقفة أمام حقيقة كهذه قد لا أتردَّد في اتهام التوعية بالفشل إلى حد كبير. ولا شك أن إغراء السيارات الحديثة التي تُتيح السرعات العالية هي جزء من المشكلة من وجهة نظري، وذلك بالتعامل معها، وخصوصاً من الشباب والمراهقين، كوسيلة ترفيهية للتسلية. وقد أصبحت فعلاً على غير ما تؤديه كوسيلة مواصلات، الأمر الذي يوضح الاستهتار بما قد ينجم عن استخدامها بتهور من نتائج خطيرة وقاتلة في أحيان كثيرة. وهذا يُعيدني مرة أخرى إلى التوعية وضرورتها بكثافة عبر جميع القنوات الاتصالية، وابتكار الرسائل الأكثر جذباً ونفاذاً إلى الوعي؛ حتى تدرك العقول بقناعةٍ أهمية الالتزام بقواعد السلامة عن طريق نشر الثقافة المرورية. أما ونحن في إجازة الصيف فإن المسؤولية تُلقى أيضاً على عاتق الأسرة لمتابعة الأبناء وتعهُّدهم بالنصائح المباشرة وغير المباشرة في اتِّباع التصرفات السليمة أثناء القيادة، والدور التربوي مطلوب لإنعاش هذه المتابعة الغائبة، ذلك لأن برامج التوعية بعيدة تماماً عن الوصول إلى الآباء وأولياء الأمور، وأغلبهم في واقع الأمر لا يشعرون بالمسؤولية. وبالنسبة للمقترحات في وضعهم أمام حقيقة المخاطر المُحدِقة بأبنائهم فإن زيارة واحدة إلى أقسام الحوادث والطوارئ في المستشفيات تكفي من خلال نظرة إلى ضحايا السرعة والتهور؛ حيث الأجساد مقطَّعة وغارقة في الدماء. والمشاهد تتكرر كل ساعة، فإذا رجعنا إلى الأسباب تتضح خلفية هذه المآسي التي تُدرج في قائمة الإهمال التربوي وعدم المتابعة، ثم تصرفات شبابية تدفع إلى الموت في ظل الغفلة وقلة الخبرة وعدم تقدير الموقف في اللحظات القاتلة. ولأن المسؤولية مشتركة فإن الحملات المرورية مطالبة باستمرار التوعية الميدانية والإعلامية. ولإحداث تغيير في السلوكيات الخاطئة فلا بدَّ أيضاً من تطبيق العقوبات حتى نصل إلى الارتقاء بالوعي وإلى تخفيض نسبة الحوادث. -*-*-*-*- تطوُّر السيارات -*-*-*-*- موسم الإجازة الصيفية يشهد أيضاً المخالفات المرورية والمجازفات الخطرة في القيادة، فهل نقبل اعترافاً بأنه إغراء السيارات الحديثة؟ محور النقاش في هذا الجانب يفترض استحالة المثالية!! فأين تكمن إذاً أسباب المشكلة؟ ولماذا عجزت التوعية عن التأثير الإيجابي؟! ** نترك الحوار حول هذه الجوانب لرأي المسؤول، وذلك بالعودة مرة أخرى إلى العميد فهد البشر الذي يقول: المشكلة المرورية هي في الدرجة الأولى قضية سلوكية، ومن هنا يُؤخذ في الاعتبار جانب الارتباط ببعض التصرفات والتعود عليها، وبالتالي فإن تغييرها ليس بالأمر السهل. وبناء على ذلك فإن مؤسسات التربية والتعليم لها دور إيجابي في غرس مفهوم التربية النظامية لدى النشء، بحيث تتلازم التنمية المعرفية سلوكياً لدى الطفل مع مجموعة أهداف وقواعد، ومنها التعويد على احترام النظام في سنوات العمر الأولى. والثابت علمياً في إعطاء أهمية لهذا الجانب تربوياً هو تحقيق النتيجة المعنية بهذه السلوكيات الإيجابية، فيكبر الصغير وعندما يصبح قادراً على قيادة السيارة فإن احترامه للأنظمة والقواعد الخاصة بالسير تكون موجودة ضمن الأبجديات التي تعلَّمها خلال الفترة السابقة من عمره. ويضيف العميد فهد البشر مدير عام المرور أهمية أخرى إلى جانب هذه المكتسبات المعرفية المبكرة، فيقول: أيضاً فإن التذكير والتوعية المستمرة من الضروريات في هذا الشأن، ذلك لأن المجتمع متغيِّر والمستجدات تتوالى، ومن هنا فالملاحقة بالتذكير واردة. لن أنسى في هذا المجال - يقول العميد البشر - التأكيد على دور القدوة؛ لأنها تنعكس تلقائياً على التصرفات، والأطفال يتأثرون بما وبمَن حولهم، فيكون السعي إلى محاكاة سلوكيات القدوة في شتى التعاملات إن سلباً أو إيجاباً. ولا يساورني شك في موافقة الأغلبية على هذا الرأي، وبالتالي مراعاة أولياء الأمور تأثير هذا العامل - القدوة - وإحساسهم بالمسؤولية في تنشئة سوية بعون الله. -*-*-*-*- تطوير الأداء المروري -*-*-*-*- ** يواصل مدير الإدارة العامة للمرور حواره مع (الجزيرة) فيشير إلى تطوير الأداء في متابعة المخالفات باستخدام التقنيات الحديثة وتقييمه تجربة الرصد بالكاميرات، فيقول: استخدام التقنية في مهمات وأعمال المرور أمر جديد وجيد، ذلك أن استخدامها يوفر الجهد ويتسم بالفاعلية، فلا مجال فيها للاجتهاد أو الأخطاء. كما أن كاميرا راصدة تعطيك نتاج مجموعة عمل تزيد على (20) دورية، ولهذا فإن توجُّه الدولة إلى الأخذ باستخدام التقنية الحديثة لإدارة الحركة بضبط المخالفات المرورية هو المشروع الذي من شأنه رفع قدرات المرور على الضبط، وهو حالياً في مراحله النهائية، إضافة إلى اشتماله كل ما يحقق تطوير القدرات الأدائية في النواحي المرورية بشكل عام، والمشروع يتم تنفيذه بمشاركة القطاع الخاص في نقلة ستشهد بتوفيق الله وعونه العديد من الإيجابيات. كذلك الأمر في مجال التطوير لجهاز المرور، فإن النظام الخاص بذلك يخضع للمراحل النهائية من التداول والمناقشة في مجلس الشورى. وكانت الجلسات المخصَّصة له مؤخراً مفيدة جداً في إبداء الآراء وإثراء بنود النظام وفقاً لوجهات النظر المدروسة من الأعضاء بكل ما يتطلبه الوضع المروري اليوم من تجديد وإجراءات تواكب العصر في التعامل الأمثل مع الأوضاع المرورية، ونحن متفائلون جداً بما هو قادم قريباً بإذن الله تعالى. أما جانب المتابعة المرورية لحركة السير في الطرق السريعة بين المدن والمناطق؛ حيث ازدحام الحركة بها هذه الأيام، فيتحدث العميد البشر عن ذلك بقوله: إن إدارات المرور وبمشاركة قوات أمن الطرق (لديهما) برنامج عمل متواصل وتعاون وثيق، ولكن وتيرة العمل ترتفع مع المناسبات. والإجازة الصيفية بشكل خاص هي واحدة من أهم هذه المواسم التي تكون الطرق خلالها ذات كثافة مرورية عالية ومتواصلة، لذلك فإن مستوى المراقبة والمتابعة بطبيعة الحال لا بدَّ أن تتوافق مع هذا التدفق العالمي للمركبات. ومن هنا نوجِّه كلمة إلى الجمهور الكريم ألاَّ يجعلوا من الإجازة أياماً ومشاهد للحزن ومواقف للندم والأسى والحسرة، وذلك في يد الإنسان بعد إرادة المولى عز وجل بتجنُّب الأسباب المؤدية إلى الحوادث المرورية الدامية؛ فالحرص في القيادة أمر مطلوب دائماً، لكنه في الظروف غير المعتادة كالازدحام وكثافة أعداد السيارات لا بدَّ أن يكون أكثر. -*-*-*-*- أندية لرياضة السيارات -*-*-*-*- ** وضمن ما يمكن اعتباره مجالاً لامتصاص وتفريغ شحنات اندفاعات التهور في قيادة السيارات نطرح التساؤل عن جدوى إنشاء أندية لسباق السيارات، وما يعتقده الكثيرون بإيجابية مشاريع من هذا النوع، فهل تنجح مثل هذه الأندية في تقليص الميول الشبابية نحو هذه الظاهرة بحصرها فيها وتجنيب الشوارع العامة مخاطر الحوادث المرورية؟! - بين توضيح المسؤول والمشاركين في هذا المحور كانت الرؤى متحمسة للتطلع إلى هذه الجدوى، وخصوصاً بعد التصريح بإنشاء الأندية رسمياً. فيقول (أحمد دغيثر السالم): أريد في البداية الحديث عن المجالات المتاحة أمام الشباب التي تستأثر وقتهم وفكرهم، فهي إذا تركنا (متابعة) كرة القدم ستكون السيارات، وربما كانت هي المُقدَّمة في الميول والانشغال بها، وبعد ذلك تأتي الاهتمامات الأخرى كالشات والترفيه المرئي وثقافة الأغاني وهواتف الجوال. الصغار منهم أو المراهقون والشباب عموماً يتعلقون بالسيارة بشغف لا حدود له، وخصوصاً أننا في عصر تتنافس فيه مئات الشركات الصانعة لإنتاج ما يلفت الانتباه ويستهدف طبيعة هذه الشريحة على المستوى العالمي وليس محلياً فقط، أنواع وموديلات وتصاميم يصعب تحديدها بسهولة؛ فهي تستورد سنوياً بالإضافات والمواصفات الشكلية والتقنيات الحديثة بما فيها وسائل الترفيه والمتعة أثناء السير إلى جانب السرعات والقوة، وجميعها وسائل تحفيز لا تقاوم في الاستعمال وتجربة الاستخدام الذي يُشبع الكوامن النفسية المهيأة سلفاً لذلك، وباستعداد تتحرك نوازع الرغبة في تحدي المعقول وفقاً إلى التصور السائد بالملل من القيادة العادية. وطبيعي أن يكون التعامل خوضاً في المجازفة، ولا مكان في هذه الحالة للتردد أو توقع الأسوأ، وذلك لسيطرة قوى الإغراء والركون إلى توفر وسائل السلامة المطوَّرة عند وقوع الخطر. كل هذا وأكثر يعنينا كشباب هوايتهم رياضة السيارات في أن نمارس فنون القيادة بالطرق التي نرغب فيها، وبعيداً عن مطاردة المرور أو الخوف أو تلك النظرة من المجتمع التي لا تتفهم سر علاقتنا بهذه الهواية فتجعلنا نلجأ إلى طرق وأماكن بعيدة غير مهيأة؛ حيث تفاجئنا مشكلات عديدة وأكثرها يسبب الحوادث. فالأندية الرياضية للسيارات هي الحل المناسب لممارسة منظَّمة، وأن تتاح للصغار للتدريب أيضاً؛ فهم يشكلون ظاهرة مخالفات القيادة من دون رخصة ولا خبرة، وحوادثهم كثيرة، فإذا وُجدت هذه الأمكنة فإنها سوف تجذبهم كبديل حالياً لممارسة رياضتهم في الشوارع. كما أن هذه الأندية يجب أن تراعي الكثرة العددية في أوساط الشباب، وتخطَّط بأفكار مناسبة في الدعاية لها، وقبل هذا توفير المساحات اللازمة وتنظيم برامج للمسابقات بحوافز تشجيعية أكثر إغراءً. ** (أحمد محمد الغامدي) يرى إمكانية إيجاد حلول للظاهرة إلى جانب إنشاء أندية لسباق السيارات، فيقول: إن الموافقة على هذا المشروع جاءت في وقت مناسب؛ حيث زاد الإقبال من الشباب على تركيز اهتمامهم في السيارات، وذلك باعتبارهم إياها نوعاً من الرياضات. والطرق التي يقودون فيها سواء بميولهم إلى السرعة أو التفنُّن في وسائل استعمالها هو الذي يعتبر خطراً مستمراً على حركة الشارع العام. ولأن الاعتراف بالظاهرة هو الأجدى فلا شك أن هذه الأندية تناسب فئة كبيرة من الشباب الذين يميلون إلى قيادة السيارات بتهور لا يحتمل عادة، ويشكل أكبر الاحتمالات لوقوع الحوادث المرورية. وتأتي هذه الأندية مجالاً لتحقيق الغرض من ناحية امتصاص حماسهم وتوفير الأمكنة البعيدة عن الإضرار بالآخرين كجانب وقائي، إلى جانب أنها رياضة بشكل أو بآخر ما دامت تمثل هذه الاهتمامات. ولا ننسى مدى الإقبال عليها إذا نظرنا إلى وجودها في أماكن خاصة بالتطعيس منذ سنوات قريبة؛ فقد أصبحت هذه الأمكنة معروفة وتشهد التحديات وسط الرمال، وتنظيم هذه السباقات أو الهواية في الأندية هو الأفضل؛ لأنها حتماً سوف تكون مكاناً لاجتذاب الشباب المندفعين إلى مجالٍ للتنفيس عن رغباتهم، وستكون قادرة بالتالي على امتصاص شحنات اندفاعهم المكبوتة بما يُتاح من التعبير في القيادة كنوع من التنفيس حتى تنضبط العملية. الذي أتوقَّعه - يقول أحمد - الاستفادة في إنشاء هذه الأندية من تجارب دول أخرى، وقد يُناسب إتاحتها للقطاع الخاص كمجال استثماري؛ مثل شركات ووكالات السيارات بإشراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب، على أن تُوضع لها الشروط المناسبة من جوانب عديدة، بما في ذلك أن تكون في قائمة المرافق السياحية، وإتاحة الفرصة لجمهور المتفرِّجين، ووضع برامج للمسابقات؛ فهو مجال - أي السيارات - يدخل في تفاصيل حياتنا ويفرض نفسه على الاهتمام والمتابعة شأنه كأي رياضة أخرى. والحقيقة أنني كشاب له اهتمام رياضي لا أتابع في قراءتي للصحف وبرامج الرياضة على الشاشة غير كرة القدم غالباً، ومع هذه الأندية لرياضة السيارات لا بدَّ من مناقشة الموضوع وطرح الأفكار حوله، وخصوصاً أنه قد تم التصريح بإنشائها. -*-*-*-*- سباق السيارات بشروط -*-*-*-*- مرئيات مدير الإدارة العامة للمرور العميد فهد البشر حول أندية السيارات كانت تجاوباً مع الفكرة وإيجابياتها، فيقول: من جانبنا نعتقد أن هذه الأندية قد تمتص حماس الشباب وقد تكون فعالة في تفريغ ما لديهم من شحنات، ذلك أن السيارات يفترض أن توفر قدراً كافياً من التجهيزات ومستوى عالياً من السلامة، كما أن المعايير التي تتعامل معها أندية سباق السيارات صارمة، وبالتالي فإن المتعاملين مع هذه الأندية سيدركون بعد انتسابهم إليها أن العملية ليست مجرد سباق وممارسات خطرة وطائشة بعشوائية ومجازفة بقدر ما هي هدف للوصول إلى تفهم وإدراك لمعنى القيادة الواعية وفقاً للضوابط المنظمة لها. وبالتأكيد فإن ذلك سوف يؤثر في مستوى ثقافتهم ووعيهم السلوكي في قيادة السيارات بشكل إيجابي.