رجب وما أدراكم ما رجب!! شهر أتى بعض الناس فيه بالعجب!! وكما قيل قديماً عش رجباً ترى عجبا وهو على الحقيقة كذلك لما أحدث فيه من أمور ومحدثات لا دليل عليها من الكتاب والسنة وأقوال المحققين المعتبرين من أهل العلم، غير أن شهر رجب أصبح موسماً لجملة من البدع المحدثة. ونحن في صفحة الرسالة وفي هذا التوقيت استضفنا فضيلة الشيخ عبد الله بن سعد الفالح مندوب الدعوة بالعريجاء والداعية المعروف في حوار تجاذبنا فيه أطراف الحديث عن (البدعة ومفهومها وأقسامها ومفاسدها وأضرارها وتناولنا فيه شهر رجب بشكل خاص سعياً في وضع النقاط على الحروف في هذه المسائل.. فإلى الحوار: مفهوم البدعة * بداية.. ما هو مفهوم البدعة؟! - البدعة لغة: الشيء المخترع على غير مثال سابق قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ« 117» سورة البقرة وقال تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ} (9) سورة الأحقاف. وشرعاً: الطريقة المخترعة في الدين تضاهي الشريعة يقصد بها التقرب إلى الله ولم يقم دليل شرعي على صحتها. وهنا نلاحظ أن هذا التعريف يخرج المخترعات كالسيارات والطائرات ووسائل الاتصال ونحو ذلك مما كان فيه فائدة دنيوية يدخل في الحل وما كان فيه مضرة يدخل في التحريم. منشأ البدع * ما منشأ البدع والمحدثات؟ وما أسباب انتشارها في بعض الأوساط؟! - البدعة تنشأ من أمور كثيرة منها: الجهل وهو داء عضال وسبب لانتشار الشرك والبدع والمخالفات الشرعية وما انتشر الشرك إلا بسبب ذهاب العلم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد فلما هلك أولئك وتنسَّخ العلم عُبدت) (تفسير ابن كثير). تنسخ أي زال. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن قبض العلماء قبض العلم فإذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فيسألون فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم. ومن أسباب نشوء البدع الغلو: وهو تجاوز الحد المشروع ومن أمثلة ذلك بدع الخوارج الذين غلوا في نصوص الوعيد والخوف فكفروا بالمعاصي، في مقابلهم المرجئة الذي غلوا في نصوص الوعد والرجاء فأخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان وجعلوا الناس فيه سواء. وكذلك الغلو في الصالحين مما أوجد بدعة التوسل بهم ودعاءهم من دون الله والحلف بهم والقول بعصمتهم بل وصل إلى تأليه بعضهم. ومن أسباب البدع 1 - الرد على البدعة ببدعة أخرى: ومن أمثلة ذلك بدعة التشبيه التي كانت رداً على بدعة التعطيل، ففي مدينة بلخ وجد الجهم بن صفوان الذي نفى صفات الرب جل وعلا فكان في مقابلته في نفس المدينة مقاتل بن سليمان الذي بالغ في إثبات الصفات حتى وصل إلى التشبه تعالى عن ذلك علواً كبيراً. 2 - المؤثرات الخارجية: حيث تأثر كثير من المنتسبين للإسلام بما عليه الأديان الأخرى السماوية وغير السماوية وتأثروا بالفلسفة اليونانية حيث عربت كثير من كتب العقائد الوثنية في زمن المأمون في منتصف القرن الثاني الهجري وتأثر بها كثير من المعتزلة ونتج عن ذلك بدع كثيرة منها نفي الصفقات والقول بخلق القرآن ونفي القدر وغيرها من بدع المعتزلة والجهمية. 3 - تحكيم العقل في أمور العقيدة: وهذا من أعظم أسباب ضلال كثير من أهل البدع حيث حكموا عقولهم القاصرة فكل نص خالف عقولهم القاصرة ردوه أو أولوه كما فعلت الجهمية والمعتزلة في صفات الله عز جل وكذلك الأشاعرة فقبلوا سبع صفات وقالوا إن العقل يثبتها وردوا باقي الصفات الشريفة ظناً في عقولهم القاصرة أن العقل لا يثبتها.. وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن النقل الصحيح لا يعارض العقل الصريح. 4 - اتباع الهوى: والهوى يعمي ويصم عن اتباع الحق والهدى قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} «50»سورة القصص وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}»23» سورة الجاثية، فأهل البدع اتبعوا أهواءهم وتركوا هدى الله الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم. 5 - التعصب لآراء الرجال والمشايخ: وهذا حال كثير من أهل البدعة إذا بُين لهم الدليل قالوا هذا ما عليه مشائخنا وهذا ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا كما قال الكفار من قبلهم قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} «170»سورة البقرة. أقسام البدع * هل لفضيلتكم بيان أقسام البدعة؟! - الحقيقة أن البدعة من حيث شرعيتها قسم واحد فقط وليست كما يقسمها أهل البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة فالبدع كلها سيئة وليس فيها حسن قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية: (وإياكم ومحدثات الأمور فإنه كل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح قال ابن رجب رحمه الله في شرح هذا الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو اصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل في الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال و الأقوال الظاهرة والباطنة) جامع العلوم والحكم. وأما فيما يتعلق به أهل البدعة في تقسيمهم للبدعة إلى سيئة وحسنة فمنه قوله صلى الله عليه وسلم: (من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) رواه مسلم. قال أهل البدعة فهذا الحديث يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة ولكن بالرجوع إلى أول الحديث وسببه يتضح أن قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة) ليس المقصود جاء بشيء حسن من عنده فهذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا...) الحديث، وقوله (كل بدعة ضلالة) وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون في كلامه تناقض لأنه لا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى) فسبب الحديث أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوم قد اشتد بهم الفقر والحاجة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة فجاء رجل من الأنصار بصرة فيها ذهب فتتابع الناس إلى الصدقة إذن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة) أي إحياء السنة من السنن الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة واقتدى به الناس. ومما يتعلق به أهل البدعة كذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد ورآهم يصلون (نعمت البدعة هذه) فعمر رضي الله عنه يريد البدعة اللغوية لا البدعة الشرعية لأن صلاة التراويح جماعة لها أصل في الشرع فقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه بعض الليالي من رمضان ثم لم يقم بهم خشية أن تفرض عليهم فلما كان عهد عمر رضي الله عنه جمع الناس على إمام واحد فعمر رضي الله عنه لم يحدث شيئاً جديداً وإنما أحيا سنة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك نخلص إلى أن البدعة كلها ضلالة وليس فيها حسن. قال ابن عمر رضي الله عنهما (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة) رواه اللائكائي. مفاسد البدع * ما هي أضرار البدع ومفاسدها الدينية والدنيوية؟! - البدعة لها أضرار كثيرة وعواقب وخيمة أجملها في النقاط التالية: 1 - انتقاص للدين حيث إن المبتدع قد جاء بشيء من عنده لم يشرع في دين الله تعالى فلسان حاله أن الدين ناقص ويحتاج إلى تكميل مع أن الدين كامل بحمد الله قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} «3»سورة المائدة قال أبو ذر رضي الله عنه: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم طائرا يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً. 2 - البدعة تشريع في الدين فالمبتدع قد شرع في دين الله تعالى ما لم يأذن به الله قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} »21» سورة الشورى. 3 - البدع اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم التبليغ فالذي يأتي ببدعة ويرى أنها شرع يتقرب به إلى الله عز وجل قد اتهم النبي بعدم كمال البلاغ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغنا تلك القربى مع أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ أتم البلاغ.. تقول عائشة لمسروق من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أنزل عليه فقد كذبَّ الله يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}رواه البخاري ومسلم. وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: (من ابتدع بدعة في الإسلام يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. 4 - عمل المبتدع مردود عليه: قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه. وفي رواية لمسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) قال ابن عباس رضي الله عنهما (أبى الله أن يقبل على صاحب بدعة حتى يدع بدعته) رواه ابن ماجة. ومنها أن البدع تمحو السنة: قال صلى الله عليه وسلم: ما أحدث قوم بدعة إلا رُفع مثلها من السنة) رواه أحمد والبزار. 5 - ومنها أن البدعة دليل على عدم محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}«31» سورة آل عمران. 6 - المبتدع يتحمل آثام كل من اتبعه: قال تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ}«25» سورة النحل. وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) رواه مسلم. 7 - البدع من أكبر أسباب تفريق الأمة وضعفها. قال صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) رواه أحمد وأبو داود وتفرقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة بسبب البدعة والمحدثات وهذا سبب ضعفها قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} »105»سورة آل عمران. مزية رجب * ما تعليق فضيلتكم على من يرى ان لشهر رجب مزية فضل في العبادة؟ - قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} «68» سورة القصص، فالله جل وعلا كما أنه الخالق فهو الذي يختار سبحانه، فقد خلق البشر واصطفى منهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وخلق الأمكنة وأصطفى منها مكةوالمدينة والمسجد الأقصى، وخلق الأزمنة واصطفى منها شهر رمضان وعشر ذي الحجة ويوم الجمعة، فهو جل وعلا الذي يخلق ويختار وليس للإنسان أياً كان أن يختار بقعة أو زمناً ويفضله على غيره من الأمكنة والأزمان أو يخصه بعبادة لم يخصها بها الله جل وعلا أو رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ومن ذلكم شهر رجب فليس لنا أن نخصه بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا من البدع. إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر