سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أدرك الملك عبدالعزيز منذ باكر صباه أن العدل أساس المُلك وأن طريق المُلك مكارم الأخلاق والوفاء والإخلاص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مدرسة الأصالة العربية والفروسية وصناعة الرجال
شجرة مباركة أصلها ثابت وفروعها قوية متينة زرعها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على هذه الأرض المقدسة الطيبة فأثمرت غصوناً خضراء تبشر بالخير، وتزرع النماء، تصون الحق وتقيم العدل، تصنع المعروف، وتحض على الإحسان، ترعى الذمم وتتعامل بالمروءة، تحكم بشرع الله، وتدعو إلى دينه بالتي هي أحسن. من هذه الشجرة المباركة خرج عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وتحت ظلالها الوارفة نشأ وترعرع، وعلى يد زارعها الكبير تلقى الملك عبدالله بن عبدالعزيز أول دروسه في التقوى والورع، والفروسية والشجاعة. وفي مجالس والده العظيم الملك عبدالعزيز شهد عبدالله بن عبدالعزيز يتعامل بالصراحة في الحق، والشفافية في الطرح، والصدق في المعاملة، والسرعة في الإنجاز كما تعلم في مجالس التقاضي والاحكام العدل يقوم بين الناس لا يفرق بين صغير ولا كبير، ولا أمير أو خفير، وسمع والده يقول في هذا الشأن: (إن من كانت له مظلمة على كائن من كان - موظفاً أو غيره - كبيراً أو صغيراً ثم يخفي ظلامته فإنما إثمه على نفسه) فأطرق واستوعب ما سمع ثم سمع والده في مناسبة أخرى يقول: (إن الملقى على عاتقي من الأمور عظيم، وبعضكم به أبخص، وإني مع كل ذلك أسأل عن أحوال الناس وأتفقد مصالحهم، بقدر الجهد والاستطاعة، ووالله أرى الكبير كأبي والوسط كأخي والصغير كابني) وقد استذكر هذا كله في خطبة البيعة التي ألقاها قبل أيام. في مدرسة مكارم الأخلاق نشأ عبدالله بن عبدالعزيز ومن سبقه من إخوانه الميامين على هذه القيم والمبادئ يسمعونها وعياً، ويرونها عملاً، فأدركوا أن (المُلك) تكليف لا تشريف، ورسالة عظيمة، ومسؤولية أمام الله قبل أي شيء، ولأن والدهم الملك عبدالعزيز يؤكد عليهم في معايشة هذه القيم وتطبيقها في حياتهم اليومية. وكان الملك الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يردد عليهم في مجالسه فرادى وجماعات قوله تعالى: {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ}. أدرك عبدالله بن عبدالعزيز منذ صباه أن العدل أساس الملك، وأن العدل دليل مكارم الأخلاق، وأول هذه المكارم التواضع، والتواضع يجلب محبة الناس، ومحبة الناس من محبة الله للعبد. وإذا أحب الناس ولي أمرهم أعانوه على إقامة العدل وشاركوه المسؤولية، فكانوا لمروءته أوفياء، وعلى عهده أمناء، يدينون له بالولاء في حضوره وغيابه. وقد عبر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن هذه المعاني بإيجاز بليغ في خطابه التاريخي للأمة بمناسبة توليه العرش فقال: (أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنحني القوة على مواصلة السير في النهج الذي سنه مؤسس المملكة العربية السعودية العظيم جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - واتبعه من بعده أبناؤه الكرام رحمهم الله) ان هذه العبارة واحدة تكفي للتدليل على ما يختزنه الملك عبدالله بن عبدالعزيز في ذاكرته من تاريخ لقيم ورثها عن أبيه وظل يعمل بها ومن أجلها طوال مراحل مسؤوليات حياته حتى توليه المُلك. وعندما يصبح ملكاً يعبر عن وعيه بثقل المسؤولية وعظمتها فيعاهد الله ثم شعبه على إقامة شرع الله (أعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق، وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة). ثم يبرز تواضعه، ذلك التواضع العظيم الذي عاش به منذ أن كان في مدرسة والده الإمام إذ يقول مخاطباً الشعب: (أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة، وألا تبخلوا عليَّ بالنصح والدعاء). من مدرسة الملك عبدالعزيز لمكارم الأخلاق تخرج الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقد جمع المجد من أطرافه، فقد حمل عن أبيه وجده لأبيه عراقة المجد والأصالة وعلو الهمة والبطولة والفروسية وتضاعفت في شخصه الصفات نفسها بما ورثه عن جده لأمه العاصي بن كليب بن حمدان بن شريم من أشهر فرسان الصحراء، ومن أشهر شيوخ قبائل شمر وكذلك كان خاله الفارس مطني بن العاصي بن شريم. ورغم أن جميع أبناء الملك عبدالعزيز تخرجوا من المدرسة نفسها إلا أن الملك الحكيم كان يوجه كل واحد منهم لما يراه منه من ميول ومواهب. وقد وجد الملك الوالد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في ابنه عبدالله ميلاً أكثر نحو الصحراء والفروسية وركوب الخيل فشجعه على ذلك، كما وجد فيه ميلاً للتأمل والابتعاد عن الناس بعض الوقت وذلك من دواعي التأمل، وقد أورثه هذا الميل نحو الصحراء والتأمل حكمة جعلته يفكر كثيراً ويتكلم قليلاً، وقد لاحظ الملك عبدالعزيز في ابنه عبدالله هذه الصفة وسعد بها، فعبدالله لا يتكلم كثيراً وإذا تكلم أصاب، وإذا لم يتكلم قط يفهم الملك عبدالعزيز أنه في حيرة، فينتظر سؤاله فيسأل، وهنا يتلقى المزيد من الحكمة من الوالد الحكيم. حياة البادية وعشق الصحراء وقد أكسبته حياة البادية التي أحبها وعشق الصحراء الذي رافقه طوال حياته مزيداً من خصال المروءة والشهامة والأريحية مثلما أكسبته الفروسية مزيداً من الشجاعة والإقدام والقوة الجسدية، فطالما سمع عبدالله بن عبدالعزيز في مجالس والده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) وسمع أساتذته الذين استقطبهم الملك عبدالعزيز لتعليمه وإخوانه يرددون على والده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل). وأكسبته حياة البادية والتردد على الصحراء رباطة الجأش والمقدرة على السيطرة، والحذر من المباغتة، والتصرف على الفطرة، والبعد عن المناورة والخداع والازدواجية في القول أو العمل. وقد أفادته هذه الصفات في حياته السياسية، فعرف عنه منذ باكر شبابه بأنه ذو وجه واحد، إذا قال (نعم) فهي (نعم) ولا يمكن أن تكون (لا)، وإذا قال (لا) فهي (لا) لا يمكن أن تكون (نعم) إلا إذا رأى فيها وجهاً من وجوه المصلحة للدين أو الوطن. وعبدالله بن عبدالعزيز من أكثر الناس الذين يؤمنون بأن العودة إلى الحق فضيلة، لا يستكبر إن أخطأ في اجتهاده، ولا يستكبر أن يستشير أهل الرأي والعلم الشرعي والحكمة والنزاهة، فشعاره دائماً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خاب من استشار). وقدوته في ذلك والده العظيم الملك عبدالعزيز الذي جمع في مجلسه رجال الحكمة والرأي والفكر والصدق والأمانة من كل البلاد العربية والإسلامية، يستشيرهم ويعرض عليهم أموره ويأمنهم بحق الله والدين والوطن على ما يسمعون منه. ولم يعرف عن عبدالله بن عبدالعزيز أنه ركن في يوم من أيام حياته إلى ما يملكه من سلطان وجاه، فقد كان يدرك أن والده بدأ حياته عصامياً لا يملك شيئاً من حطام الدنيا إلا رسالته الربانية، وخرج من وطنه لا يبتغي غير وجه الله ونصرته وإعلاء رايته، ولا تزال ترن في أذنيه كلمات الملك عبدالعزيز لشعبه: (لقد خرجت وأنا لا أملك شيئاً من حطام الدنيا ومن القوة البشرية، وقد تألب الأعداء علي، ولكن بفضل الله وقوته تغلبت على أعدائي وفتحت كل هذه البلاد.. (1-12- 1347ه). والحقيقة أن التمرس بحياة البادية الصارمة وممارسة الفروسية المقدامة وحب الصحراء النقية لم تنعكس على سلوكه الشخصي ومعاملاته بل انعكست أيضاً على ملامحه، فوجهه بإجماع أفضل الرسامين في العالم يعد نموذجاً للرجولة الحقة والشجاعة والصدق والنقاء، أصبح بإجماع رجال الفروسية أشجع فرسان العرب في التاريخ الحديث، وهذا ليس بعجيب ولا غريب، فقد شجعه والده الملك عبدالعزيز على ذلك كما رآه يميل فطرياً لهذه الحياة الصلبة الرائعة، فكان يمضي أكثر أوقاته في أحضان طبيعة الصحراء، وبين رجال البادية، ومع الفرسان في رحلات القنص بصحبة أخواله الفرسان واشتهر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأنه من أكبر المهتمين والمتابعين والمشجعين لسباق الهجن، ومنذ تلك المرحلة الباكرة من حياته حتى أصبح ملكاً وعبدالله بن عبدالعزيز هو الرئيس الأول والأخير لنادي الفروسية بالمملكة لا يبدلون به بديلاً. وكان نادي الفروسية السعودي قد تأسس في عهد الملك فيصل سنة 1385ه، وأصدر المقام السامي حينها قراراً ملكياً بتعيين سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز رئيساً له تقديراً لمواهبه وفروسيته وإخلاصه لهذا الفن العربي الأصيل. واعتنى الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ ذلك الحين باجتذاب الشباب السعودي للفروسية، والإشراف على التدريبات بنفسه، وإدخال كافة الخدمات الثقافية والتوعوية للنادي والارتفاع بمستواه إلى البطولة العالمية التي حازها باعتراف دولي، وهذا ليس بمستغرب على الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي حاز الجوائز المتعددة في بطولة الفروسية وركوب الخيل، وكان السبَّاق إليها منذ عهد والده المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز. فارس الفرسان ويعد الملك عبدالله بن عبدالعزيز الآن مرجعاً على المستوى العربي والعالمي في فن الفروسية ومعرفة أنواع الخيول العربية - أصولها وأوصافها وتقدير قيمتها كما يعد مرجعاً في علم مرابط الخيل العربية الأصيلة مثل الكحيلة والحمدانية والعبية والصقلانية وغيرها، وتذكر مصادر الفروسية في المملكة أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحتفظ في مزرعته الخاصة بمجموعة من أفضل الخيول العربية الأصيلة يقدر عدد الأصيلة منها ب150 خيلاً، و400 من الخيول العربية المنقحة للمشاركة في السباقات، ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - كما يقول الأستاذ سعود الشيباني المشرف على تدريب خيوله - حصانان هما الأحب إلى قلبه، الحصان الأول أطلق عليه اسم (بغداد) والثاني أطلق عليه اسم (علم)، فكانا في طليعة الخيل التي يركبها لأصالتهما، فالحصان بغداد طويل أبيض، ويعد من أفضل الخيل العربية من نوع صقلاني أما الحصان علم فهو من نوع حمداني أحمر جميل. كانت فروسية وبطولة الملك عبدالله بن عبدالعزيز مصدر إلهام لفن الفنانين ورسم الرسامين على المستويين الوطني والعربي، ولعل من أفضل من جسد فروسية الملك عبدالله من الفنانين السعوديين الفنان التشكيلي ضياء عزيز ضياء الذي رسم له لوحة رائعة وهو يركب صهوة (جواده بغداد) مستوحياً لقطتها من آخر عرضة شارك فيها الملك الفارس عبدالله بن عبدالعزيز بحصانه الأبيض كما رسم له صورة رائعة أخرى وهو يركب حصانه الآخر، وكانت ملامح الصرامة والهيبة وحركات الفارس في قيادة الخيل والتعامل معها التي تظهر على وجهه وسلوكه الفروسي قد ساعدت الفنانين على إتقان نقل لمحة التكامل والانسجام بين حركة الخيل والتعبير الإنساني الفطري الذي يرتسم على ملامح الملك الفارس عبدالله بن عبدالعزيز. ورغم توقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن ركوب الخيل منذ سنوات إلا أن ذلك لم يقلل من عشقه لها واهتمامه بها، ورعايته لمسابقتها وجوائزها مثل جائزة كأس الملك عبدالعزيز وجائزة كأس الوفاء للأمير محمد بن سعود. صانع الحرس الوطني ويعد اختيار جلالة الملك الشهيد بإذن الله فيصل بن عبدالعزيز رئيساً للحرس الوطني سنة 1383ه الموافق 1963م اختياراً موفقاً للرجل المناسب في المكان المناسب، فقد عمل عبدالله بن عبدالعزيز منذ ذلك التاريخ على تأسيس الحرس الوطني بروح الفروسية والبطولة والجهاد، وعمل معهم كواحد منهم، وقد أعانه على ذلك تمرسه حياة البادية وحبه للصحراء ومعرفته بأصول وعادات وتقاليد الرجال الذين يرأسهم ويعدهم ذخيرة للوطن، وقد أحبه رجال الحرس الوطني حين رأوه يخالطهم ويشاركهم حياتهم وهمومهم، ورأوا فيه القيادة والقدوة في سلوكه الإنساني، والفارس البطل الذي يُحتذى.. تعلم منه رجال الحرس الوطني أن البادية مصدر من مصادر الرجولة والبطولة إذا اقترنت بالوعي والإيمان بالهدف السامي، وتعلموا أيضاً أن حياة الصحراء تدعو إلى التأمل وتعمق الإيمان بالله، وتعلم البساطة ومحبة حياة الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان العربي. والحقيقة أن الحرس الوطني قبل تولي الملك عبدالله بن عبدالعزيز قيادة لم يكن إلا مؤسسة تقليدية بسيطة تجمع الفرسان من أبناء القبائل التي خاضت حروب التوحيد مع الملك المؤسس ولم يكن لديهم من التعليم أو وسائل القتال إلا القديم والقليل، فظلوا في دائرة الفطرة التي خرجوا بها من حياة البادية، وظلت الدولة معهم محافظة على الوفاء لهم ولآبائهم الذين شاركوا في ملحمة الجهاد من أجل إنشاء وتأسيس هذه الدولة. ظل الوضع على ذلك الحال حتى رأى فيصل بن عبدالعزيز أن أفضل من يقود النهضة الحضارية للحرس الوطني هو عبدالله بن عبدالعزيز ليواكب به مرحلة التحديث والانتقال الحضاري الذي تعيشه المملكة على كافة المستويات. وبالفعل استطاع الملك الفارس عبدالله بن عبدالعزيز أن يقود الحرس الوطني ليصبح مؤسسة عسكرية ضخمة ومتطورة دون أن يخرج بها عن طبيعتها وتقاليدها وأصالتها الأولى، وها هو الحرس الوطني يقف شامخاً الآن بصفته واحداً من أضخم مؤسسات الدفاع عن الوطن - جوار وزارة الدفاع - متصدراً حركة الثقافة من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، وداعماً للنهضة الصحية الكبرى بعددٍ من المستشفيات ذات السمعة الطيبة العالمية من أهم وأدق التخصصات. رعاية العلم والمعرفة ولذلك فإننا نجد الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أحاديثه عن الحرس الوطني يورد عبارة دقيقة صادقة تلخص ما قدم وهي: (صناعة الحرس الوطني) وذلك في قوله: (لقد تم اختيار أفراد الحرس الوطني من خيرة أهل البلاد السعودية، وعلوم أفراده ليست عسكرية فحسب بل علوم إنسانية أخرى. لقد عايشت صناعة الحرس الوطني، وأعرف ضباطه فرداً فرداً، الحرس الوطني قوة وطنية..) لقد أثبتت الحقائق والوقائع والأحداث أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو (صانع) الحرس الوطني بكل ما تحمله الكلمة من ارتباط الصناعة بالأصالة والعلم والتحديث والمحافظة على القيم والولاء للمليك والوطن، وربط عبدالله بن عبدالعزيز مسيرة ذلك كله وتطبيقه بالإيمان، وظل يؤكد على أهمية ثبات العقيدة في نفوس جنوده، إذ بدون هذه الايمان تبطل هذه الصناعة التي يقودها، وقد عبر عن هذا المعنى بقوله: (إن تاريخ الجندي العربي المسلم ليس فقط بتاريخ الجندي الشجاع المنضبط، بل إنه قبل ذلك تاريخ الجندي المؤمن الأمين، المؤمن بدينه، والأمين على قيمه، والمؤتمن على وطنه). وإذا كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز صاحب الريادات الفذة والمتعددة في كافة المجالات، فإن واحدة من أهم رياداته ربطه الفروسية والجندية بالثقافة، ويأتي هذا منسجماً مع سياق شخصيته، فأولى هواياته القراءة والاطلاع، وعلاقته بالمثقفين في العالم العربي معروفة، لهذا لم يكن بدعاً أن ينطلق مهرجان الثقافة والتراث من الحرس الوطني بقيادة عبدالله بن عبدالعزيز.. لقد انتقل الحرس الوطني على يده من الأمية إلى أعلى مراتب التعليم، حيث فتح عشرات المدارس في كافة مراحلها، وجعل التعليم إلزامياً لرجال الحرس الوطني وأسرهم، ووصل التعليم في الحرس الوطني لدرجة حصوله على جائزة إعلامية سنة 1999م. نشر أعلام الثقافة ومن توطيد أركان التعليم في الحرس الوطني انتقل الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالحرس الوطني إلى مرحلة خدمة الثقافة الوطنية ودعم الثقافة العربية وترسيخ قيم التراث من خلال المهرجان الوطني، فلم يعد الحرس الوطني مؤسسة عسكرية بحتة بقدر ما أصبح أيضاً مؤسسة ثقافية تؤدي دوراً مشهوداً على مستوى الساحة العربية كلها بل تجاوزتها لتحدث صدى عالمياً. سيظل يوم 2-7-1405ه يوماً تاريخياً فاصلاً ورائداً في حياة الحرس الوطني السعودي بقرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز إنشاء المهرجان الوطني للتراث والثقافة، وقد جاءت هذه استكمالاً للركنين الأوليين في فلسفة تأسيس الحرس الوطني في فكر الملك عبدالله، فبعد أن أسس الحرس الوطني عسكرياً وتعليمياً جاء الركن الثالث، وهو الركن الثقافي، وعلى هذه الأركان الثلاثة أو المحاور الثلاثة أنشأ الملك عبدالله الحرس الوطني السعودي، وحدد له دوره ورسالته التي لا تكتفي بحماية الوطن وحراسة أمنه والمحافظة على مكتسباته بل تتجاوز ذلك إلى الحماية المعنوية.. حماية أصالته والدفاع عن عروبته ونشر ثقافته وخدمتها. وقد أقام الحرس الوطني حتى الآن 8 مهرجانات للثقافة والتراث يحضرها إضافة للعناصر الوطنية نخبة مختارة من رجال الثقافة والفكر والأدب في العالم العربي، ففي المهرجان الأول الذي عقد في عام 1405ه أقيمت بعض الندوات الثقافية المبدئية التي دارت حول موضوعين: فالندوة الأولى جاءت بعنوان (بين الأدب الشعبي والأدب الفصيح) أما الندوة الثانية فجاءت بعنوان (نظرات في الأدب السعودي) وفي المهرجان الثاني عام 1406ه أقيمت 5 ندوات ثقافية ومحاضرة واحدة وثلاث أمسيات شعرية وتحدثت الندوات عن عدة عناوين هي (القصة القصيرة في الجزيرة العربية بداياتها وتطورها) و(الرقص والأغنية الشعبية) و(الخصومات الأدبية، بداياتها، دوافعها، غاياتها) و(الجزيرة العربية وتراثها القديم) و(التنمية الثقافية في الخطة الخمسية الرابعة). في المهرجان الثالث في عام 1407ه أقيمت ندوة ثقافية كبرى عن التراث الشعبي شملت مجموعة من الندوات والعناوين وكانت عبارة عن أوراق بحثية وتعقيبات على هذه الأوراق وجاءت في عناوين: ماهية الموروث الشعبي العربي، علاقة الموروث الشعبي بمخيلة المبدع، أهمية الموروث الشعبي في الأعمال الإبداعية، أثر الموروث الشعبي في السلوك والأنماط الفكرية، الموروث الشعبي في التراث العربي، الموروث الشعبي في الفنون الاحتفالية، الفكاهة، المسرح، الموسيقى، الرقص، البرامج الشعبية وأهميتها، أثر الموروث الشعبي السعودي في عرب بلاد الشام والتراث التقليدي لملابس النساء في نجد. وأقيمت ندوة دينية قدمها الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - وأقيمت ندوة عن (أدب المرأة السعودية وتطوره) بالإضافة إلى أمسية شعرية قدمها عدد من شعراء مجلس التعاون الخليجي. في المهرجان الرابع 1408ه استمر النشاط الثقافي الخاص بالتراث العربي فأقيمت عدة ندوات قدمت فيها البحوث وأوراق العمل وجاءت في عدة عناوين هي: السيرة الشعبية العربية و(لغة المعاش اليومي في رواية السردي) و(الفن القصصي في التراث الشعبي) و(الرواية السودانية واستلهامها للموروث الشعبي) و(ألف ليلة وليلة في القصة العربية) و(البيئة المحلية في قصة السباعي) وأقيمت ندوات موسعة تحت عنوان (التراث ماذا نبعث منه وماذا نترك) و(تجربة التنمية ماذا بعد النفط) و(الغزو الثقافي) و(الشعر الجاهلي وجذوره) و(هل العقل العربي في أزمة) و(فلسطين صراع حضاري) وأقيمت في المهرجان نفسه خمس محاضرات هي: (القوانين العرفية في منطقة عسير) و(توظيف التراث الشعبي في الأدب العربي) و(القيم الجمالية لمختارات الفنون الإسلامية) و(جماليات الخط العربي وتطور أنماطه الفنية ودورها في ازدهار الفنون الإسلامية) و(التراث ودوره في تحديد الهوية الفكرية والثقافية للأمة). كما شمل أيضاً محاضرات، الأولى بعنوان: (حياة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في نجد في عصر الإمام فيصل بن تركي)، ومحاضرة بعنوان: (الطب النبوي في معالجة بعض الأمراض)، ومحاضرة بعنوان: (مشاهير النساء اللاتي كان لهن دور إيجابي). وفي المهرجان الخامس 1409ه أقيمت عدة ندوات هي: (ظاهرة العودة العالمية للتراث) و(الانتفاضة) وندوة عن: (المخدرات) و(الجورباتشوفية وانهيار الماركسية) و(ثقافتنا والبث الإعلامي العالمي) و(الحركات الإسلامية المعاصرة بين الإفراط والتفريط) كما أقيمت عدة محاضرات هي: (نعم الله تعالى عمومها وخصوصها) للشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - و(المثقف اللا منتمي) لأحمد الشيباني، ومحاضرة دينية للشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - ومحاضرتان عن: (تغير نظرة المجتمع للإنسان المعاق) و(الأدب السعودي النسائي). وجاء المهرجانان السادس في عام 1410ه والسابع في عام 1412ه ليركزا على الجانب الأدبي ويحملا عدداً كبيراً من الندوات التي تهتم بالأنواع الأدبية المختلفة حيث كان فن المسرح هو محور المهرجان السادس وجاءت الندوات الخاصة به في العناوين التالية: (الفن المسرحي في العالم العربي تاريخه وعوامل ظهوره) و(لغة المسرح بين الفصحى والعامية وعلاقته بالتراث) و(الشكل والمضمون في المسرح العربي) و(التجربة المسرحية في المملكة العربية السعودية) و(نحو مسرح إسلامي) وأقيمت ندوة عن الحركة التشكيلية في السعودية. كما أقيمت في المهرجان السادس مجموعة من الندوات الفكرية هي (الاتجاهات الفكرية في العالم العربي وأثرها على الإبداع) و(أزمة الثقافة العربية) و(منهج الإسلام في الدعوة) و(الثوابت والمتغيرات في ثقافة الأمة) أقيمت محاضرة بعنوان (علاقة الشعر الشعبي بالمجتمع) وأمسية شعرية واحدة. أما النشاط النسائي في المهرجان السادس فقد تمثل في محاضرتين وندوة المحاضرة الأولى محاضرة عامة للمرأة المسلمة قدمها الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - والثانية قدمتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان (المرأة ماذا يراد منها؟ وماذا يراد لها؟) وجاءت الندوة بعنوان: (الدلالات الانثروبولوجية لبعض عناصر التراث) أعدتها الرئاسة العامة لتعليم البنات (آنذاك). وفي المهرجان الأخير (جنادرية 20) بلغ هذا المهرجان ذروة نجاحه من حيث الطرح والعرض واختيار الموضوعات افتتحه ورعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بنفسه وتم فيه تكريم عدد من الشخصيات الأدبية والفكرية والاقتصادية في إطار مشاركة الحرس الوطني في المشهد الثقافي السعودي وتفعيله والرفع به إلى الأمام برعاية المليك المفدى. وترفد هذه الإنجازات الثقافية جميعاً (مكتبة الملك عبدالعزيز العامة) التي أنشأها في حرم مقره خدمة لثقافة الشعب، وتعد اليوم من أهم مصادر المعلومات في المملكة فضلاً عن الدور الذي تؤديه مجلة الحرس الوطني في خدمة الثقافة العربية العامة والثقافة العسكرية خاصة وغيرها من الإصدارات الثقافية ذات الروافد المتعددة التي يوجه بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز من خلال منافذ وأنشطة الحرس الوطني. ونخلص إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بما أعطاه الله من مواهب، وبما تلقاه من توجيه وتعليم والده المؤسس الملك عبدالعزيز، وما أولاه إخوانه الملوك الميامين من ثقة وتقدير، استطاع بفكر ثاقب أن يجعل من الحرس الوطني مؤسسة وطنية لصناعة الرجال وجعل أسس هذه الصناعة تقوم على الفروسية والتعليم والثقافة، وعلى قاعدة صلبة من الإيمان العميق الراسخ بالله سبحانه وتعالى وخدمة الدين ثم الوطن ذوداً عن أصالته وعروبته وأمانته.. كان عبدالله بن عبدالعزيز منذ باكر شبابه مدرسة وحده في الأصالة العربية والفروسية والشهامة وصناعة الرجال.