نسمات هواء باردة تداعب خصلات شعري .. وأنا أجلس في الشرفة تحت هذه السماء التي تحمل لنا الكثير .. حفنات مطر .. قمر يلتهم الأحاديث بشراهة ونجوم تتراقص على سيمفونية عذبة وبعض جزيئات من رياح وطني ..... كانت في حضني أضمها إلى صدري .. طفلتي الصغيرة ... تتوه في غياهب ألمها .. مشيت بها إلى الخارج علّها تهنأ بإغفاءة صغيرة وتطير مع الطيور في أحلامها... ... تجري مع أرنب صغير تعلّم الوقوف للتو .. يسقطان على العشب الرطب وضحكاتهما تعلو المكان .. تغمض عينيها وتصارع ألمها. ودرجة حرارتها مرتفعة .. ثم تعاود فتح أجفانها بعدما تخسر المعركة وتنظر إلى السماء .. ترى أما زالت الطيور تنتظرها لتحلق معها؟؟ ... طفلتي الصغيرة .. نامي بأمان فالألم وُجد لنستلذّ بالجمال. أيام رحلت ثم بدأت تتعاقى ابنتي .. فتحت أجفانها ولامست الربيع بحدقتيها .. تركض بفرح يغمرها وضحكات تعتري قلبها الصغير كأنفاس الجنين .. أراها بعيني وبقلبي كلَّ يوم تكبر، وأحلم بذلك اليوم الذي أراها فيه بفستانها الأبيض تودعنا لتطير إلى قفص الزوجية.. ولكن خيط أحلامي كان سراباً .. وذهب مع الريح ... في لحظات توقف .. انقطع .. لا أثر لوجوده .. خلف وراءه دماء وأصوات متفجرات ننام ونصحو عليها... ... وعداد الأموات يدمي القلب في سماعه .... أظل طوال الصباح واقفة لا أهنأ بنوم حتى يعود زوجي وأطمئن أنّه لم يصب بمكروه .. وطفلتي .. أحاول ألاّ تعلق هذه المناظر بذاكرتها الصغيرة البيضاء. في ذلك اليوم كنت ألعب معها .. نرسم أرض وطننا .. أرض خضراء وسماء زرقاء .. وأنا وهي ووالدها ودميتها الصغيرة ونحن نبتسم .. نبتسم للحياة ... زوجي لم يكن وقتها في المنزل. في لحظة .... غفلة .. صحوت على الأرض .. أحسست بمياه دافئة على وجهي .. لمستها ... فإذا بها دماء .. دماء حمراء ...... لا أسمع إلاّ أنين ابنتي .. ركضت وأنا ألهث أبحث عن الصوت .. وجدتها تحت الركام نظرت إليّ ولفظت أنفاسها الأخيرة وهي تبتسم .. كلوحتها تماماً. بكيت وأبكيت الحجر المتحطم ولكن من يُسمع بكائي لهذا الإرهاب ربها يعي الفقد .. لن يعود هُناك جمال نستلذّ به من الألم .. مادام الألم يقتل الجمال بنفسه .... رأيت بجانبها اللوحة وقد تحوّلت الأرض إلى زرقاء .. والسماء خضراء ... والأفق ..... خط أحمر....