صير الأوردة كؤوسا للظمأ (حتى انكسار الماء) هي المجموعة الشعرية الأولى للشاعر السعودي يحيى خواجي الصادرة عن دار شرقيات 2004م والتي تدخل بنا عوالمها الجديدة في كتابة النص بمنأى عن تعريفه أو محاولة تصنيفه فهو يسير نحو الشعرية الجديدة أيا كانت مرة بقصيدة النثر ومرة لا يجد حرجا في الموسيقى والايقاع الذي يقترب من النثرية الشعرية يأتي خواجي متجردا حينا ليكتب الشعر بصفاء دون الرضوخ لاية نمطية: مذ حط الطير في دمي طرحت النجم على وسادتي وصفعت الليل رسمت بالرفرفة مشنقة لهجعة الموت ووجهي القديم وقفت بباب الريح عيناي غيم وصوتي هجير هذا ليس لوركا في موته الكبير ولابابلوا نيرودا في تشرده ولابودلير في سأمه لكنه مقطع من نص جميل للخواجي وهو نموذج لقصيدته المتجردة بصفاء من النمط والمتخفف من الايقاعية المعتادة في تجارب الجيل. الظتهرة الأخرى في تجربة الخواجي تأتي معنونة بما يجعلنا نقول إنها لا تزال تحت قناعة ما بشعرية ما لا تخلو من الموسيقى الواضحة ولكنها متخفية تحت الكثير من ادوات النثرية الشعرية: ذات مساء.. صوتي استدار ليصفع البكاء وبعض احلام صغار هذا المقطع والذي يجعله خواجي تحت عنوان (تعب) والمليء بالموسيقى العالية هو ملمح آخر ينطلق منه في مجموعته وربما هو مفهوم خواجي الشعري الذي لا نستطيع ان نحاكمه لمجرد وجود خليط فني في مجموعته متراوحة التنقل بين نصوص مدروسة لا تبالي في اطلاق عنانها ومخيلتها إلى أفق خاص وفضاء جديد ونصوص يضعها خواجي لتعلن عن شيء من قدرته في تحويل شعريته تلك إلى نصوص تفعيلة مثلا، وكأننا نقرأ الخواجي في تصوره الخاص الذي قد اتفق معه فيه أو اختلف.. كأننا نقرأه يقول: إن الشعر تلك اللحظات المكثفة والكبسولات المضغوطة حتى لو جاءت خليطا متنوعا من المنفلت والمتجرد من كل مرجعية فنية ومن الموسيقي والإيقاعي والبلاغي والموروث على حد سواء، نصوص المجموعة وهو ملمح آخر جاءت في 108 صفحة من القطع الصغير ب 39 نصا قصيرا وأغلب النصوص جاءت لتشكل مع بعضها شعرية الومضة، في نص براءة يقول: رحل المطر وأبقى الأثر قطرة كالبحر هل أرتوي؟ والكثير من أجواء المجموعة يحمل تلك الصورة السريالية الرفيعة الواضحة، للبحر، السماء، المطر، النجمة، الليل، الزيتون، التراب، النهار، وغيرها من رمزية للمعطيات ومن الاندماج والإيمان الوجودي، البحث للأشياء في نظر ومفهوم الشاعر ومدى التصاقه بالطبيعة وتداخله معها ككائن وجودي يحقق ذاته اولا ويصنع نصه، كما لا يخفى على القارئ ذلك الغموض الشهي الذي يفتح ذائقتنا على الجديد ويتيح لنا التأويل ذلك الغموض المنفتح على الأسئلة كما في المقطع السابق أو في نص (السدرة) حين يقول: عند السفر رأيتها سدرة يفارقها المطر هل تنتظر؟ إنه الخواجي ومعجمه وعالمه الخاص ولغته المعشبة لا يرجو من نصه ذلك الصراخ بل يضع ما يشبه المعجم الوجودي للعبارات والمضامين... حتى انكسار الماء جاء بتصورات خالية مما يعكر نداوة الشعر ذلك الكتاب الانساني جدا واليوتيبي جدا وفي الكثير من معالمه. لكن تبقى نزعته نحو ارتباط الأشياء في ذهنه بالطبيعة كشاهد أول ملمحا واضحا، الطبيعة كمحور تتحرك من خلاله الأشياء كما في نص الشهيدة وفاء ادريس (نزع لماء الحس) فاستحالت غيمة بالعز تروي هذه الارض الجفاف والطبيعة كفاعل للنص ومحرك حيوي لما حوله كما يعبر هيدغر ومن قبله سارتر في نص محنة التساؤل نقرأ يحيى الساخر بمرارة، الواقف بالقرب من الحدث ليصور لنا ببراعة سينمائي ما يحدث، خصوصا ان الخواجي لم يستطع ان يتخلص من همه الجغرافي كثيرا ولا القومي كما تشير بعض نصوص المجموعه مقارنة بالكثير من جيل الخواجي الذين ذهبوا إلى الاجتماعي بوصفه دالة ومعطف جديد في النص الجديد، والاجتماعي بوصفه انفصالا تاما عن حيثيات اخرى متعلقة بالمرجعية التراثية أو البيئوية وفي ملمح جمالي المس عند الخواجي قدرته الابداعية على وضع عناوين تزرع جماليتها من ناحيتين أولا: انها مناسبة لمضامين نصه وثانيهما: انها بحد ذاتها كائن لا ينفصل عن جسد النص ذلك النص التواق إلى الرحيل والسفر النص المليء بالعطش والباحث عن نافذة للضوء والنبع واللاهث خلف جسد الماء ولحظة الماء الشفيفة وهذا ما يمنحنا إياه في تسميته المجموعة (حتى انكسار الماء) ذلك المسمى بخياله السريالي يعطينا ايضا مشروعية تفسيره بالكيفية التي نريد متجهين مع الخواجي نحو شعرية ملفتة لا تحتفل كثيرا بالصراخ ومساحات الفراغ بل تترك عبارتها ونصوصها وتمضي بنا إلى شموس جديدة. محمد خضر / شاعر وناقد سعودي [email protected]