ما يميز الخطاب الإعلامي السعودي أنه يكتب للمملكة ولا يكتب عنها، وأصبح هذا التقليد سائداً في المؤسسات الصحفية السعودية خاصة في الخطاب السياسي الذي يصنع صورة الموقف أو الحدث السياسي السعودي وتقديمه للخارج. إن أسلوب الترضية والحذر وضعف التكوين المهني في بنية الخطاب الإعلامي السعودي يعود لعدة اعتبارات جميعها تتجاهل معايير بناء الخطاب الإقناعي وهذه الاعتبارات منها ما هو بشري ومنها قيمي، البشري يأخذ البعد الشخصي في عملية النشر والمنافع الشخصية من وراء النشر، أما القيمي فانعكس في خط المحاذير الثقافية والسياسية والاجتماعية في مهنة النشر هذه. الإقناع من أهم وظائف الإعلام خاصة في القضايا السياسية ذات البعد الدولي لأن مثل هذه القضايا يفترض منها أن تتفاعل مع غيرها التي تختلف معها ثقافياً وتجمعها وحدة الوصف المهني والسياسي. وبما أن الأحداث لا تترجم خارج حدودها الوطنية إلى حقائق فإن الحقيقة في العمل الإعلامي تصنع ولا تنقل خاصة في تركيبها الإخباري (الخبر) حتى أن بعض خبراء الإعلام يقول إن أمة لا تستطيع أن تصنع أخبارها فلن يكون لها وجود في عالم اليوم. وإن للمملكة أهمية خبرية أوجدتها مكانتها الدينية والاقتصادية ومبادراتها السياسية وعمقها التاريخي، وبهذا نجدها أنها من أكثر الدول العربية حضوراً إخبارياً في الإعلام الأجنبي والعربي. وعند قراءة ما يكتب في الإعلام الأجنبي تلحظ أن المعني بكتابة القصة الخبرية عن المملكة يعمل كأنه يقدم اكتشافاً جديداً لقرائه واقتحامه أسواراً انعزالية استعصيت على غيره وبفضل جسارته غامر بالدخول للجدران المنغلقة لتعريف جمهوره ما يجري خلف الأبواب المؤصدة. ولهذا نجد أن المملكة تعامل إخبارياً مع صور نمطية وليس مع كتابة موضوعية تأخذ الاعتبارات المهنية في الحسبان. وهذا لا يعني عدم وجود كتابات موضوعية أنصفت المملكة وقدمتها كما هي. وقد لفت نظري أحد البرامج السياسية في إحدى القنوات العربية ويقدم البرنامج إعلامي سعودي مشهور وضيفه أكاديمي سعودي. أراد هذا الإعلامي المشهور أن يصور للمشاهد تأثير البترول السعودي في علاقات المملكة الخارجية خاصة مع الولاياتالمتحدة وبنى سياقاً إعلامياً يقود فهم المشاهد أن استخدام المملكة لقوة البترول من أجل تخفيف الضغوط عنها حيث يرى أن ذلك جاء على حساب الإصلاحات الداخلية التي تنادي بها الولاياتالمتحدة. وخفي على هذا المشهور أن الولاياتالمتحدة قدمت للمملكة لائحة اتهامات للثقافة والدين والمجتمع وليس مشاريع إصلاحية وإن استطاعت المملكة أن تخفف أو تزيل هذه الاتهامات فذلك يعد نجاحاً لها ليس كما قال صاحب البرنامج. وهناك قضية منظورة الآن قضية اتهام المملكة بامتلاك أسلحة نووية على الرغم من أن كل الشواهد تدعم موقف المملكة الذي يؤكد عدم امتلاكها لتلك الأسلحة. وكنت أتمنى لو أن الإعلام السعودي استطاع أن يجيب لماذا هذا الاتهام وبهذا التوقيت ولا يكتفي بماذا قيل عن هذا الموضوع، وكل خبر وأنتم بخير.