شهدت المملكة في مجال رعاية مرضى التوحد قفزات كبيرة وخطت خطوات واسعة الأمر الذي جعلها تحتل مكانة مرموقة بين دول العالم في هذا المجال حيث تقوم بدور ريادي في تطبيق الأساليب الحديثة في معالجة إعاقة التوحد. وقد احتفلت إدارات التربية والتعليم بمناطق ومحافظات المملكة مؤخرا بيوم التوحد الخليجي من خلال إقامة الأنشطة والبرامج الخاصة بهذه الفئة وإبراز إمكاناتهم وأساليبهم في تسيير أمورهم في المدرسة أو في الحياة العامة بعد أن أخذ المعاق حقه الطبيعي في الرعاية والتأهيل. والتوحد هو إعاقة متعلقة بالنمو عادة ما تظهر خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل وهي تنتج عن اضطراب في الجهاز العصبي مما يؤثر على وظائف المخ ولا يرتبط هذا الاضطراب بأية عوامل عرقية أو اجتماعية. *** وهناك العديد من الأعراض التي تتواجد في الطفل المتوحد من أهمها الرتابة وعدم اللعب الابتكاري ومقاومة التغيير فعند محاولة تغيير اللعب النمطي أو توجيهه فإنه يثور بشدة ويحب الانعزال الاجتماعي ورفض التفاعل والتعامل مع أسرته والمجتمع ويفضل اللعب وحده وعدم الرغبة في اللعب مع أقرانه والخمول التام أو الحركة المستمرة دون هدف وتجاهل الآخرين حتى يظنوا أنه مصاب بالصمم، والصمت التام أو الصراخ الدائم المستمر دون مبرر وعدم التركيز بالبصر على ما حوله لفترة طويلة وصعوبة فهم الإشارة وتأخر الحواس (اللمس والشم والتذوق) وعدم الإحساس بالحر والبرد، والخوف الشديد أو عدم الخوف بالإضافة إلى المشاكل العاطفية في عدم الإحساس بالآخرين. ولم تتوصل البحوث العلمية التي أجريت حول التوحد إلى نتيجة قطعية حول السبب المباشر للتوحد إلا أن هناك أدلة على أن التوحد يمكن أن تسببه العديد من المشاكل منها (الوراثية) ووجود عامل جيني ذي تأثير مباشر في الإصابة بهذا الاضطراب مع وجود اختلافات واضحة في المخيخ. والآراء متعددة وواضحة ومتباينة في هذا الصدد فمثلا هناك رأي قائل بأن التوائم المتشابهة يمكن أن تصاب بالتوحد أكثر من التوائم غير المتشابهة ففي حالة التوائم المتشابهة هناك تشابه في الجينات بنسبة 100% وفي غير المتشابهة بنسبة 50% نفس نسبة التشابه في الإخوان غير التوائم، وفي فحص 11 عائلة كان الأب مصابا بالتوحد وجد أن 25 طفلا من بين 44 مصابون بالتوحد ودلت أبحاث أخرى على أن هناك انخفاضا في النشاط الوظيفي أو ضعفا في القدرة على القراءة أو في الاثنين معا في العائلة التي يوجد بها توحد. وهناك دليل أن الفيروسات من الممكن أن تسبب التوحد والخوف يتزايد مع احتمال وجود طفل توحدي بعد التعرض للحصبة الألمانية خلال الفترة الأولى من الحمل كما أنه أصبح زميلا للتوحد، بالإضافة إلى أن هناك تفكيرا بأن الفيروسات زميلة للتلقيحات والتطعيمات مثل تطعيم الحصبة الألمانية أو السعال الديكي فهذه أيضا من الممكن أن تسبب التوحد. ومن الأمراض التي قد تكون مصاحبة لمرضى التوحد هي كبر مقاس محيط الرأس ومرونة شديدة في المفاصل وأيضا تخلف عقلي ووجود مشاكل في الجلد وبقع لونها أفتح من لون الجلد الطبيعي. فيما تعرف أعراض التوحد بضعف العلاقات الاجتماعية وضعف الناحية اللغوية والاهتمامات والنشاطات المتكررة. ولا يمكن تشخيص الطفل بأنه مصاب بمرض التوحد إلا بزيارات متعددة للطبيب حيث يستغرق وقتا للتأكد من الحالة فهذا التشخيص لا يطلق بسهولة على أي طفل إلا بعد الملاحظة المكثفة وعمل اختبارات نفسية وملء استبانات وتحليلها. ويقدر انتشار هذا الاضطراب مع الإعراض المصاحبة له بنسبة واحد من بين خمسمائة شخص وتزداد نسبة الإصابة بين الأولاد عن البنات بنسبة 1-4 وخلال أربع سنوات ازدادت أعداد الحالات المسجلة في المملكة العربية السعودية تقريبا من 6000 طفل إلى 60000 طفل مصابين بالتوحد ولا توجد إحصاءات دقيقة وشاملة عن المصابين بهذا الاضطراب. ويعتبر معهد التربية الفكرية بمحافظة الطائف أحد المعاهد الرائدة في رعاية طلاب التربية الخاصة والاهتمام بهم خصوصا (أطفال التوحد) فقد أقام حفلا خاصا بيوم التوحد الخليجي بحضور مدير عام التربية والتعليم بالطائف الأستاذ سالم بن هلال الزهراني والذي قام بزيارة لفصول المعهد خصوصا فصول التوحد والتقى بالطلاب واستمع للمعلمين وشارك الطلاب بعض الدروس. وأكد مدير عام التعليم بالطائف سالم الزهراني أن طلاب التوحد فئة غالية على قلوبنا ونبذل جهودنا في الاهتمام بهم وتقديم الرعاية الكاملة لهم عن طريق خدمات المعهد التي يقدمها وقال: يعرف التوحد بالعزلة فهو حالة مرضية حيث يرفض المتوحد التعامل مع الآخرين ومع سلوكيات ومشاكل متباينة من شخص لآخر. وأشار الزهراني إلى أن إدارة التعليم الموازي لديها الكثير من الخطط المستقبلية لهذه الفئة من طلاب التربية الخاصة من حيث البرامج وفتح فصول متقدمة إضافية داخل المعهد. وأشاد بكافة العاملين على خدمة هذه الفئة وقال: الطائف من خلال إدارة التعليم قدمت خدمات كثيرة لطلاب التربية الخاصة بشكل عام فكانت الرائدة في تنفيذ برنامج دمج طلاب التربية الخاصة مع طلاب التعليم العام داخل المدرسة مشيرا إلى فتح فصول متعددة داخل مدارس التعليم العام وزيادة هذه البرامج بكامل خدماتها تسهيلا على أولياء الأمور لكي يدرس أبناؤهم في مدارس قريبة منهم ويخرجوا من عزلة المعهد ويندمجوا مع طلاب التعليم العام وتتكون الثقة لديهم. وذكر الزهراني بأنه ومن خلال زياراته وجولاته على المدارس التي تضم برامج التربية الخاصة شاهد دمج الطلاب وأن العديد من طلاب التربية الخاصة يعرفون زملاءهم من طلاب التعليم العام ويصادقونهم وكلهم رضاً وثقة. وأعرب عن شكره وتقديره لكافة العاملين بهذا المجال وعلى رأسهم مدير إدارة التعليم الموازي الأستاذ علي بن عبدالرحمن القرني ولمدير معهد التربية الفكرية مطلق بن فتن الزائدي وللمشرفين والمعلمين منوهاً بالدعم الكبير من حكومة خادم الحرمين الشريفين لهذه الفئة ومتابعة ودعم معالي وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالله بن صالح العبيد الذي يولي هذه الفئة من الطلاب اهتماما خاصا. تفاوت في القرارات مدير معهد التربية الفكرية بمحافظة الطائف الأستاذ مطلق بن فتن الزائدي هو الآخر أبدى سعادته باحتفال المعهد بيوم التوحد الخليجي وقال: التوحديون يعانون من بعض التخلف الفكري بدرجات متفاوتة لكن المتخلف فكريا عادة ما يكون لديه نقص عام في كل القدرات وقد يكون هناك بعض العلامات الجسمية الدالة على التخلف، أما في التوحد عادة ما يكون لديهم نقص متفاوت في القدرات. وأشار الزائدي إلى أن للطفل المتوحد سلوكا محرجا لوالديهم بين الحين والآخر وذلك من حيث ترديد الكلام وخصوصا كلام الآخرين ولعق الأيدي والأرجل والهروب من الوالدين خارج المنزل والعبث في المحلات ورمي المعروضات والضحك من غير سبب ونوبات من الغضب والصراخ المستمر. وينصح آباء ومعلمي المتوحدين باستخدام التفكير المرئي كاستخدام الصور بدلا من اللغة والكلمات وتجنب استخدام كلمات كثيرة وأوامر أو تعليمات طويلة وتشجيع مواهب هذه الفئة من رسم وكمبيوتر وتجنيبهم الأصوات الحساسة والمرتفعة كأصوات الجرس والاعتماد على حاسة اللمس في التعلم. معرض خاص أما مشرف التربية الفنية لطلاب التربية الخاصة عبده بن أحمد ياسين فقال: لقد أقمنا داخل معهد التربية الفكرية معرضا خاصا لطلاب التوحد بمناسبة يوم التوحد الخليجي افتتحه مدير التعليم حيث ضم كماً هائلاً من اللوحات الفنية لهذه الفئة من الطلاب والذين يتميزون بخط سير فني ندعمه بالتوجيه المناسب دون التدخل في أساليبهم الأمر الذي أنتج العديد من اللوحات الفنية التي تمثل واقعهم. وأكد بأن بعض طلاب التوحد توجد لديهم قدرة خاصة في الرسم حيث يؤدون العمل بطريقة ممتازة بعد نظرة واحدة وقال: لاحظنا أن رسم الموضوع يتكرر من زوايا متنوعة أكثر من تغيير الموضوع نفسه. اهتمام متواصل وتحدث مدير برنامج الدمج بمدرسة الملك فيصل الابتدائية بمحافظة الطائف وقال:سعدت جدا وأنا أشارك أبنائي الطلاب في معهد التربية الفكرية وبحضور المسؤولين في تعليم الطائف الاحتفال بيوم التوحد الخليجي فقد شاهدت الابتسامة والفرحة على محياهم كونهم يشعرون بأن الكل حضر لمساندتهم وتشجيعهم من خلال البرامج والفقرات التي قدموها لكافة الحضور وذكر بأن طلاب التربية الخاصة المدمجين مع طلاب التعليم العام في مدرسته يولون أرقى وأجل اهتمام في ظل حرص الجميع على تقديم كل غال لهذه الفئة الغالية مشيدا بدور ودعم إدارة التربية والتعليم بالطائف لبرامج التربية الخاصة والتي باتت في المقدمة مع البرامج الأخرى في باقي إدارات التعليم في المملكة الأمر الذي يدفع المملكة إلى تبوؤ مكانة متقدمة من بين الدول التي تهتم ببرامج التربية الخاصة.