كشفت ل(الجزيرة) مصادر مطلعة في وزارة العدل أن الإحصائيات الأخيرة سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حالات الزواج بالإكراه خاصة للفتيات اللاتي لا يملكن القدرة على مخالفة آبائهن الذين يقومون بعقد قرانهن على أشخاص يرون أنهم الأنسب لهن، الأمر الذي أدى إلى فشل أكثر من 90 في المائة من حالات الزواج التي تمت دون رضا الفتيات. وقال المصدر إن غالبية الزيجات التي تتم عن طريق إجبار الفتيات على الاقتران بأزواج دون موافقتهن تتم في القرى والهجر، خاصة التي يقل فيها نسبة المتعلمين، مما يدفع بهم إلى عضل بناتهم دون النظر إلى العواقب التي تترتب على إجبار الفتيات على الزواج. هيئة كبار العلماء تناقلت الصحف المحلية ومنها جريدة الجزيرة في عددها 11885 الصادر يوم الأربعاء 4 ربيع الأول 1426ه بياناً لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء أوضح فيه أن التحجير وإجبار المرأة على الزواج لا يجوز ومن أكبر أنواع الظلم، وأن مَنْ يفعل ذلك عاصٍ لله ورسوله. وقد أورد سماحته بعض الأدلة الشرعية على عدم جواز ذلك منها ما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن). وأورد أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه عن خنساء بنت خزام الأنصارية رضي الله عنها أن أباها زوّجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت للرسول صلى الله عليه وسلم فردَّ نكاحها. دوافع إكراه المرأة على الزواج إجبار المرأة أو الفتاة على الزواج بمن لا تريده أمر في غاية السوء، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وهضم لحق المرأة في حرية اختيارها لشريك الحياة، فكم من فتاة أُجبرت على زوج لا تريده وأُدخلت عليه في ليلة زفافها وقلبها ينزف ألماً على زهرة شبابها وحقوقها التي سُلبت منها بغير وجه حق. وكم من فتاة مرضت نفسياً وأصبحت رفيقة المهدئات و(زبونة) دائمة للعيادات النفسية وعانت الأمرين من سوء تصرف ولي أمرها بادعائه المعرفة بمن يصلح أن يكون زوجاً للفتاة وفقاً للمقاييس التي يراها، وقد يكون الجهل والاعتقاد بأنه يملك الحق في تحديد مصير الفتاة، وقد يكون الدافع أيضاً اتباعاً للعادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان. الزوج والشهود هناك طرفان آخران مهمان ومسؤولان أيضاً في قضية الزواج بالإكراه (غير الولي والمرأة) ولا يجب إغفالهما وهما (الزوج والشاهدان)، فالزواج إجمالاً لا يكتمل إلا بوجود هذه الأطراف الأربعة، والزوج والشاهدان تضطلع عليهم مسؤولية كبيرة في هذا الجانب، فكيف يقبل رجل سوي أن تجبر عليه امرأة لا تريده إلا إذا كان لا يعلم، حيث يؤكد في هذا الصدد الشيخ إبراهيم السلطان نائب مدير مكتب الدعوة والإرشاد بالمنطقة الشرقية أن الزوج العاقل يجب عليه أن يحرص ويتأكد من أن الفتاة التي اختارها لتكون زوجاً له موافقة وراضية به زوجاً لها كي يضمن (بإذن الله) ألا يتعس مع امرأة لا تريده ويخسر ماله وما أنفق في هذا الزواج غير الموفق. ويحذر السلطان من الشهادة الآثمة في مثل هذه الزيجات، ويشدد على الشاهدين في تحري الصدق والشهادة عليه والابتعاد عن الشهادة على الجور والظلم، ولا يعذر الشاهد إذا كان لا يعلم؛ لأن الشهادة مسؤولية ويجب على المرء تحملها أو الابتعاد عنها. دور المأذون عاقد الأنكحة أو المأذون لا يعتبر من أطراف الزواج الأربعة التي لا يصح إلا بها، ولكنه صاحب دور مهم في عملية تنظيم الزواج والتأكد من تواجد جميع الأطراف وتحقيق كافة شروطه وقيده رسمياً في سجلات الدولة، حيث يقول عاقد الأنكحة حسين الصنيدح: إن على المأذون بجانب دوره التنظيمي الحرص والتأكد من عدم حدوث أي تلاعب في عملية الزواج؛ لأن بعض ضعاف النفوس يكلفون امرأة غير صاحبة الشأن بالتوقيع بدلاً عنها، وربما بدون علمها، ناهيك عن عدم رضاها أصلاً، مما يبطل هذا العقد. وبحكم الخبرة يقول الشيخ حسين يسهل: على المأذون قراءة ما يحدث خلف الكواليس، حيث يتضح ان هذا الزواج (إكراهي) من خلال بعض التوتر الذي يرافق ولي أمر الفتاة والتأخر في طلب توقيعها وعدم استحياء الفتاة البكر في الرد مما يدل على انها ليست صاحبة الشأن، كما ان فارق السن إذا كان الزوج يكبر الزوجة بمراحل عمرية كبيرة مدعاة ومدخل كبير للشك الذي يوجب على المأذون قطعه باليقين. المتبع لدينا في هذه المسألة تتبع المملكة في مسألة الزواج بالإكراه - كما يقول الشيخ حسين الصنيدح - ما ذهب إليه ابن تيمية وابن القيم أن تزويج المرأة بمن تكره لا يجوز ويعد أمراً مخالفاً للأصول والعقول، والمرأة في الشرع لا تكره على البيع والشراء والإجارة وغيرها فكيف تكره على مضاجعة زوج لا تريده، وأنه يجوز للولي إجبار ابنته البكر على فكرة الزواج وليس له إجبارها على الزواج من شخص بعينه، وأما الثيب فلا يجوز إجبارها لا على الفكرة وعلى أي شيء من ذلك إطلاقاً. الزواج بالإكراه ليس في بلادنا فقط بقي أن ننوه إلى أن ظاهرة الزواج بالإكراه ليست نتاجا محليا تحتكره قرى المملكة وبعض ساكني مدنها، ولكنه ظاهرة عالمية على مستوى العالم الإسلامي، فقد ذكرت صحيفة الوطن في عددها 1547 الصادر في 10 ذي الحجة 1425 خبرا مفاده ان منظمة اتحاد المؤسسات الإسلامية (راي موند) التي تضم 44 مؤسسة ومنظمة إسلامية أعلنت عن بدء حملة لحماية الفتيات المسلمات من الزواج بالإكراه، حيث يجبر الآباء الفتيات على السفر إلى أوطانهن الأصلية لتزويجهن دون موافقتهن. وقد قامت الحملة بتمويل من وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل الهولنديتين، وتم الاتفاق مع عدد من دور استضافة السيدات في هولندا على التعاون مع الحملة باستقبال الفتيات اللاتي يرفضن الزواج بهذه الطريقة لحين مساعدتهن ببحث الحالة الاجتماعية لكل فتاة وإجراء الاتصال بذويها وإقناع الأسرة بخطورة هذا التصرف على مستقبل الفتاة وحياتها الأسرية، فإذا استمرت الأسرة على موقفها يحق للفتاة البقاء في دار الاستضافة حتى تحل مشكلتها أو تستقل بحياتها بعيداً عن الأسرة بالعمل أو باستئناف دراستها بمساعدة الشؤون الاجتماعية والأسر البديلة. بعض الحلول لهذه القضية أهم الحلول المناسبة لهذه القضية توعية الناس، خصوصاً سكان القرى والهجر، بعظم ذنب عضل الفتيات وإكراههن على الزواج، وبما يترتب على ذلك من مشاكل اجتماعية. كما يجب وضع آلية عمل للقضاء على مثل هذه المشكلة كمحاربتها اجتماعياً وتجريمها قضائياً وإصدار أحكام تعزيرية على مَنْ تثبت مشاركته في عضل فتاة وإكراهها على الزواج كالولي والزوج والشاهدين ومحاسبة المأذون الذي يتساهل في مثل هذه الأمور. وكذلك تخصيص رقم هاتف في وزارة الشؤون الاجتماعية أو أية جهة أخرى ذات علاقة لاستقبال بلاغات من هذا النوع، والعمل على بذل المساعدة وايصال صوت الفتاة للمسؤولين والقضاء في حال عدم تمكنها من ذلك.