تعرض الإنسان منذ اكتشاف النار لتأثيرها الإيجابي والسلبي فكانت في معظم الأحوال نعمة منّ بها الله على عباده إذا أحسن استخدامها، إلا أنها في بعض الأحيان قد تنقلب إلى نقمة مسببة عاهات مستديمة. تبلغ نسبة التعرض للحروق بالولايات المتحدةالأمريكية مثلاً بما يقارب مليوني شخص سنوياً وتعد من أشد الحوادث أثراً على صحة الإنسان فبالإضافة إلى التأثر الجسدي من حيث الإحساس بالألم الشديد فإنها تسبب في إحداث تشوهات دائمة من الصعب علاجها قد تؤدي إلى تغييرات نفسية عميقة. لمعرفة تأثير الحروق لا بد من أن نلقي نظرة سريعة على تركيب الجلد ووظائفه التي تتغير تبعاً لشدة الإصابة ومدى التئام الحرق. * مم يتكون الجلد ؟ وما هي وظائفه ؟ يتكون الجلد من ثلاث طبقات رئيسية هي: 1- البشرة Epidermis: وهي الطبقة الخارجية للجلد وتتكون من عدة طبقات من الخلايا غير الحيوية والتي تعطي الجلد شكله الخارجي. 2- الأدمة Dermis: تعد هذه أهم الطبقات حيث تحتوي على الخلايا الصبغية والدهنية والعرقية وبصيلات الشعر التي تساعد على تجديد البشرة وتستبدل الخلايا التالفة بأخرى نشطة. 3- الطبقة السفلى (تحت الأدمة) Subcutaneous: تفصل هذه الطبقة ما بين الجلد والأعضاء الداخلية كالعضلات والعظام وتعد وسيطاً للأوعية الدموية التي تحمل الأكسجين والغذاء إلى جميع الخلايا السطحية. وظائفه: تشترك جميع طبقات الجلد وخلاياه بالقيام بالوظائف الحيوية التالية: 1- الحماية من الالتهابات وتسرب السوائل. 2- حفظ حرارة الجسم. 3- حاسة اللمس عن طريق النهايات العصبية المتواجدة بطبقة الأدمة. 4- الحماية من أشعة الشمس. 5- الحماية من عوامل الاحتكاك. * هل توصل العلماء لإيجاد بدائل صناعية للجلد ؟ - بالرغم من تعدد الأبحاث ومحاولات العلماء لإيجاد جلد صناعي إلا أن جميع هذه المحاولات لم تلق الكثير من النجاح نتيجة للتعقيد الهائل للجلد. ومما يزيد من الإعجاب بإعجاز الخالق ما يشاهد من الحالة الوظيفية الدائمة للجلد متأقلماً مع وظيفة العضو. لذا فإنه من الملاحظ أن تختلف سماكة الجلد من منطقة إلى أخرى بالجسم، فجلد باطن القدم وراحة اليد من النوع السميك بسبب تعدد خلايا الطبقة الخارجية (الأدمة) لتتأقلم مع الاحتكاك الدائم، أما جلد الجفون فيعد من النوع الخفيف نظراً لقلة الخلايا ولقلة احتكاكه بالمؤثرات الخارجية. * ما هي العوامل المسببة لحروق الجلد ومن ثم تعرضه للتلف ؟ - تنتج حروق الجلد عند التعرض لكثير من العوامل تشترك جميعها في بث الحرارة مباشرة على الجلد الذي يتحملها إلى درجة معينة تبدأ بعدها الخلايا بالتلف. ومن أهم هذه العوامل: 1- أشعة الشمس: تعد موجات الشمس الفوق بنفسجية Ultra Violet Rays من أهم أسباب الحروق عند التعرض لها لفترة طويلة. تتسبب الحرارة الناتجة من هذه الإشعاعات في الإصابة بحروق سطحية من الدرجتين الأولى والثانية. وكثيراً ما تلاحظ هذه الإصابات خلال موسم الحج وأثناء التشمس لفترة طويلة على الشواطئ. 2- المياه الحارة Scald Burns: يتحمل الجلد الحرارة حتى درجة 40 مئوية إلا أنه عند تجاوز هذا الحد تبدأ الخلايا بالتلف مسببة ظهور أكياس مائية في الجلد. 3- لهيب النار Flame Burn: تعد أكثر المسببات انتشاراً وغالباً ما تنتج عن اندلاع النار داخل المنازل نتيجة لاحتراق الأثاث أو انفجار اسطوانات الغاز كما أن للتدخين دوراً هاماً في إشعال النار لذا فإن الكثير من الدول سنت قوانين لإيجاد جهاز إنذار حريق في كل منزل. 4- المواد الكيماوية Chemical Burn: تنقسم هذه المواد إلى مواد حمضية وأخرى قلوية التي تتواجد ضمن مكونات مواد التنظيف. ويتعرض الأطفال كثيراً لتأثيرها حيث يدفعهم الفضول إلى تناولها مما تتسبب في حروق شديدة بالفم والمريء والجلد يصعب علاجها. 5- الصعقة الكهربائية Electerical Burn: يتناسب تأثير الكهرباء طردياً مع شدة التيار فكلما ازدادت شدة التيار كلما ازداد تأثيرها كما يعتمد التأثير على مدى مقاومة الأنسجة للتيار فكلما زادت المقاومة كلما اشتد التأثير لذا فإن تلف العضلات يعد أكثر من تلف الجلد الظاهر. * ما أنواع الحروق ؟ وكيفية علاج كل منها ؟ - تنقسم الحروق حسب شدتها إلى عدة درجات مصنفة كالتالي: أولاً: حرق من الدرجة الأولى: يعد هذا النوع من الحروق السطحية أي أن تأثيره لا يتجاوز الطبقة السطحية من الجلد - طبقة البشرة - عادة ما يظهر هذا النوع عند التعرض لأشعة الشمس الحارة لفترة طويلة يعاني المصاب بعدها من ظهور مناطق حمراء بالجسم نتيجة لتمدد الأوعية الدموية، تصحبها آلام شديدة نظراً لقيام الحرارة باستفزاز المستقبلات العصبية بالجسم مما يسبب الشعور بالألم كما قد يصاحب ذلك حكة شديدة بالجلد تزيد من الشعور بالمضايقة. العلاج: 1- تنظيف المنطقة المصابة بالماء والمحاليل المعقمة. 2- ليس من المستحب إطلاقاً استخدام معجون الأسنان وخلافه لترطيب المنطقة. 3- حسب نصيحة الطبيب يمكن استخدام مرهم موضعي يحتوي على مضاد حيوي. 4- يشفى المصاب في معظم الأحوال خلال أسبوع من دون ترك أي أثر بالجسم. ثانياً: حرق من الدرجة الثانية: يمتد تأثير الحرارة إلى الجزء العلوي من طبقة الأدمة مما يسبب احتراق طبقتي البشرة وجزء من الأدمة وبذا تتلف أجزاء من النهايات العصبية مما يحدث ألماً تتفاوت شدته حسب مساحة المنطقة المصابة. العلاج: 1- تنظيف المنطقة المصابة بالمحاليل المعقمة. 2- ضمادات معقمة مع غيار يومي. 3- يتطلب هذا النوع العلاج باستخدام المضادات الحيوية الموضعية لوقف تكاثر البكتريا ومنع التهاب الجلد. 4- تعويض الجسم عن السوائل المفقودة خاصة إذا كانت مساحة المنطقة المصابة كبيرة 5- في معظم الحالات ينبغي علاج المصاب داخل المستشفى وفي وحدة خاصة للعناية بالحروق إذا كانت المنطقة المصابة أكثر من 15% من مساحة الجسم. 6- قد تستدعي الإصابة إجراء عملية جراحية لترقيع المنطقة المحترقة بجلد من منطقة سليمة من نفس الشخص. ثالثاً: حرق من الدرجة الثالثة: تعد حروق هذه الدرجة حروقاً عميقة حيث أنها تتسبب في تلف جميع طبقات الجلد ومعها تحترق جميع المستقبلات الحسية والنهايات العصبية مما يفقد الإحساس بالألم كما أن الحرق يشمل جميع الغدد وبصيلات الشعر مما يعيق تجدد الخلايا وبالتالي يمنع تجديد الجلد وفي الحالات الشديدة قد يصل الحرق إلى الأعضاء الداخلية بالجسم مما يترك تشوهاً عميقاً. العلاج: يعالج هذا النوع بالمضادات الحيوية الموضعية والتعويض عن السوائل داخل وحدة عناية مركزة تعنى بعلاج الحروق كما أنه يتطلب إجراء عملية جراحية لترقيع المنطقة المصابة. مقارنة بحروق الدرجتين الأولى والثانية فإن هذا النوع يعد الأشد إلا أنه بالرغم من ذلك فإن حاجة المريض لمسكنات الألم قد تكون أقل من الدرجات الأخرى. نسبة الحروق: بالإضافة إلى درجة الإصابة فإن شدة الحروق تحسب بمقدار النسبة المصابة من سطح الحسم وهي بذلك تقسم إلى الأنواع التالية: 1- حروق طفيفة. تبلغ نسبة هذه الحروق أقل من 10% من إجمالي مساحة سطح الجلد إلا أنها لا تشمل حروق اليدين، الوجه، والعانة والتي تعد من الحروق الشديدة نظراً لما قد تسببه من آثار بليغة. 2- حروق شديدة. تزيد نسبة هذه الحروق عن 20% من حروق الدرجة الثانية أو أكثر من 10% من الدرجة الثالثة كما تشمل حروق اليدين، الوجه، العانة والحروق الناتجة عن التعرض للتيار الكهربائي الذي قد يسبب الوفاة للتوقف المفاجئ للقلب لذا فإنه من الأهمية بمكان تحويل المصاب إلى مركز عناية الحروق وبأقرب فرصة. ما المضاعفات الناتجة عن الحروق ؟ 1- تشوه كامل بالشكل الخارجي: تلتئم الحروق بشكل عشوائي نظراً لعدم توفر خلايا الجلد الطبيعية للتكاثر مما يعني أن على الجسم أن يجد طريقة أخرى للالتئام ويتم ذلك عن طريق صنع أنسجة ليفية Scar Tissue تختلف كثيراً عن الجلد من حيث الشكل واللون والملمس بالإضافة إلى أنها لا يمكن أن تقوم بوظائف الجلد الطبيعية. 2- الالتهابات البكتيرية: إن فقدان الجلد يعني انكشاف الطبقة الداخلية للعوامل الخارجية والتعرض المباشر للبكتيريا ونظراً لضعف مقاومة الجسم نتيجة للحرق فإن البكتريا تجد مناخاً ملائماً للتكاثر مما يزيد من عمق الجرح وبالتالي يؤدي إلى تشوه أكبر وإعاقة أكثر. 3- إعاقة وظيفية: يتمتع الجلد الطبيعي بمرونة عالية تتناسب مع حركة أعضاء الجسم إلا أنه بتأثير الحرق فإنها تفقد هذه المرونة كما أن الأنسجة الليفية Scar Tissue التي تتكون بعد الحرق تعد غير مرنة فعلى سبيل المثال إذا ما احترق جلد الأصابع أو الذراع فإنه يتسبب في تعطل حركة هذه الأطراف وتؤدي إلى تصلب المفاصل فتتسبب في منع الأعضاء من الحركة. 4- إعاقة نفسية: التشوه الناتج عن الإصابة قد يؤدي إلى انطواء المريض ومحاولته تجنب المجتمع والناس، كما قد يلجأ البعض إلى لبس قناع خاص يهدف في البداية إلى التحكم بطريقة التئام الأنسجة الليفية لتشكيلها حسب المطلوب إلى أنه وبمضي الوقت يتعلق المصاب بالقناع ليصبح جزءاً من شخصيته لا يمكن الاستغناء عنه بالرغم من عدم الحاجة له جسدياً. د. جمال عبد الرحيم حبيب الله استشاري الجراحة التجميلية والترميمية وزراعة الشعر