غُيَّاب !! غُيَّاب. وإن حضر ممن يتباهون بالحضور.. لا يغيبون عن كل شاردة وواردة.. لا تفوتهم صغيرة ولا كبيرة إلا وكانوا ممن يصعّرون الخد ويقزمون القامة.. عندها يهنأون.. ترتاح نفسياتهم وترتخي أعصابهم وتتحلحل عقدهم وتنفرج أساريرهم. * حين يغيب ممن يلفت غيابهم.. حين ينأون بالنفس عن مواطن الإشفاق يكبرون في نظر الآخرين، وحين يزداد الغياب.. يكون حضورهم لافتا حين يحضرون. * تواجد لا معنى له ووجود لا يقدم ولا يؤخر، اللهم إلا خلق الازدحام وتوتير الأجواء وافتعال الأزمات.. هكذا هم.. وسيبقون كذلك.. * تغيب أنت ويغيب من له تأثير والفراغ تتسع شقته والمحفل يبقى باهتا خاليا من كل ما يعطيه قوة.. تجليا.. وبريقا.. * وجوه كثيرة تغيب.. ولا يُسأل عنها إن غابت وإن حضرت. ووجوه حاضرة.. لا تقدم ولا تؤخر لكن وجوها حين تغيب تفتقد.. تترك مكانا.. لا يسده أحد.. ينأون بالنفس حتى يبقى لها قيمة ولحضورها معنى. * يقول صاحبي مجيبا عن سر غيابه.. ألا تشتاق لمن يغيب عنك كثيراً ؟؟ ألا تشعر برغبة جامحة للقائه ؟؟ قلت بلى. * قال إذن لا تستغرب من كل إنسان يتحلى بصفات تعرفها أنت حق المعرفة أن يغيب.. يتوحد مع نفسه..يختلي بها.. يتأمل محيطه وما يحيط بمحيطه.. إنها صورة رائعة.. تستطيع قراءة الواقع بلا أضواء تُزيفه.. الأضواء يا صديقي كالأصباغ.. إنها تغر.. تضلل وتُجمل القبيح وتُقبح الجميل.. هكذا الصورة.. لكنك حين تبتعد تستطيع الوصول إلى أشياء لن تبلغها في ظل الحضور الدائم والتلميع المستمر. في كثير من المواقف تشعر بكذب الأشياء حولك.. تبحث عن الصدق فلا تجده.. وتفتش عن لغتك فتجدها وقد تغربت. * لغة جديدة مطلوب التعامل بها ومفردات دخيلة يجب عليك التعامل بها في لغة الخطابة وأسلوب التعامل.. هذه هي الصورة. * تتساءل بينك وبين نفسك أي واقع نعيش وفي أي زمن نحن ؟! قف على حدود أمسك.. وأشرف على حدود غدك. تأمل الوجوه الحاضرة وتذكر الوجوه الغائبة، فإلى أي الوجوه تميل ؟؟ * أنت ترى محافل كثيرة.. إذن.. أفرد مزيداً من الصفحات لترصد الحكايات.. حبّر ما شئت.. لوِّن كل الأوراق البيضاء بما تملك من ذائقة فنية.. لن تستطيع إكساب هذا الحضور طعما ولا لوناً.. ولا مذاقاً.. إنه حضور للحضور. * ستخرج بانطباع وحيد.. إنه التغير في كل سلوكياتنا وفي نمط علاقاتنا وفي نوعية جسور تواصلنا.. ألا تحس بزلزال يصعب عليك التصدي له.. ستقول لي بلى.. وستهز رأسك بالإيجاب.. * تحولات متسارعة.. أليس كذلك؟ * صورة لا تحتاج منك الى قواميس كي تفك طلاسمها ولا رموزها.. تتساءل بينك وبين نفسك.. هل فعلا نعيش تحولات وتغيرات متسارعة تسابق الريح في ركضها..؟؟ * ما الذي تشعر به..؟ تبعثر حتى في تفكيرك.. وبعثرة في لغتك وهمومك تتوزع.. لا تستطيع أن تركز.. تفقد السيطرة على نفسك. فنحن في زمن (الشقلبة). * أين غُيابك؟؟ تسأل عنهم.. ستجدهم يتوارون.. يلوذون بصدقهم.. يحتمون بذاكرتهم وبأمسهم.. حين تجد في البحث عنهم ستعثر عليهم، ولكنك ستجدهم غرباء لأنهم لا يمثلون الحقبة التي نعيش فيها. ولا يستطيعون معايشة واقع هو غريب في كل تفاصيله.. دقائقه.