أقام المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية بالرياض ملتقاه الدوري للأدباء الشباب لشهر ربيع الأول 1426ه الذي يديره المسؤول الإعلامي بالمكتب، ويشرف عليه الناقدان: د. حسين علي محمد، ود. وليد قصاب الأستاذان بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد حضره أكثر من عشرين أديباً شاباً، وجمهور من المثقفين والصحفيين والأدباء. حين يبكي الياسمين القصيدة الأولى في ملتقى الأدباء الشباب كانت للشاعر حميد الأحمد بعنوان: (بكاء الياسمين)، وهي قصيدة متقدمة فنياً على قصائده السابقة، وتتميز بمضمونها المشرق إذ يرثي فيها الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، وفيها ومضات متدفقة من الصور الشعرية المؤثرة، أما عنوانها: (بكاء الياسمين) فهو استعارة إبداعية جميلة، يقول الأحمد: فلسنا وحدنا نبكيه حزنا غدا يبكي الفقيد الياسمين مضى أسدا كما الآساد تمضي مظفرة يشيعها العرين وخلف بعده شعبا أبيا بكل وقار ترمقه العيون تبايعه وتتبعه قلوب لها في نبضها حب دفين وتنقلنا قصيدة: (فلوجة المجد) للشاعر أديب الإسماعيل إلى العراق، المثخن بالجراح، عراق التاريخ المجلل بالشهادة والمجد، وليست الفلوجة مدينة البطولة والمساجد والصمود إلا مثالاً معبراً عن أمة إسلامية حية، واستهل الشاعر أديب الإسماعيل قصيدته بمطلع رائع في أسلوبه، فيه تشويق للقارئ، مازجاً بين النداء والأمر، وفي القصيدة الكثير من الصور الشعرية الموحية القادرة على شحننا بحس المشاركة الوجدانية، يقول: يا غيمة الشعر زوريهم وزوريني اسقي الأحبة في الأنبار واسقيني صوغي المشاعر والأشعار وامتشقي أسياف حسان في تلك الدواوين الشعر روح وريحان وملحمة يأتيك بالحق لا بالسخف والدون هل تذكرين بحق الله فاطمة تلك العفيفة رمز الطهر والدين إن الرواسي لتبكي من رسالتها في كل حرف أحس النار تكويني غاب الرشيد وغاب اليوم معتصم فاستأسد الهر في بعض الأحايين فلوجة المجد يا أرض الرياحين يا حبة القلب يا عطر التشارين رغم الدمار ورغم القتل لم تهني ما زلت صرحا وفخرا للملايين عزف على وتر الغربة وتأتي قصيدة: (ورقة) للشاعر نزار شهاب الدين مترعة بالسخرية المرة، وهي من شعر التفعيلة، وتتكئ على القص في استجلاء مضمونها الذي يحكي رغبة ملحة من موظف يفشل في إمضاء ورقة من المدير، فلا يملك إلا أن يواصل الصعود صابرا بعد معاناة مضنية، وتقوم هذه القصيدة على المفارقة الموجعة في كثير من مقاطعها، وتفيض بأسرارها من خلال إيقاع ينزف أسى، وسخرية أجاد الشاعر العزف على خيوطها: الطابق العاشر بعد الطابق الأخير لابد أن أقابل المدير... في البدء كانت ورقة أحملها بمنتهى الثقة أدفع عني سطوة الشمس بها أو أبعد الذبابة المقلقة أرفعها تحية للأصدقاء في مرح فيسألون في فضول لكنني - دون اكتراث- أقول (ليست سوى ورقة) .. علمت فيما بعد أنني غر جهول البوح الداخلي الحزين ولم تبعد قصيدة: (عزف على وتر الغربة) للشاعر محمد عبدالله عبدالباري عن البوح الداخلي الحزين الشفيف، وهي تمضي في بث الأحاسيس الذاتية، بلغة شجية، وصور تقدح من لظى المعاناة، ولم تصل هذه الذاتية في مداها وآلامها حدود السوداوية رغم إنشادة المشتعل بألحان البكاء: دعيني يا تباريحي أبوح فقد أوهت عزيمتي الجروح دعيني فالأسى يغلي بقلبي وسطوته على نفسي تجوح صروف الدهر تشربني كؤوسا تظل جوانحي منها تصيح يجود الدهر بالنكبات تترى لا لليأس ولكن في مواساتي شحيح إلا أن شاعرنا محمد عبدالله عبدالباري لا يستسلم لليأس، ويعود إلى رؤيته الشامخة، وإلى خيول الحق الراكضة صوب قمم العلياء، تسيره إلى هدى الله فيقول: وأبقى حالما غردا وشعري يتيه بلحنه الكون الفسيح وأرقى قمة العلياء فردا ولن تثني عزيمتي السفوح وأصرخ في رحاب الكون إني لربي سائر زادي الطموح جوادي الحق أركبه يقينا وخيلي من توقده جموح سأبقى ثابتا كالطرد مهما عتت من غضبة الأيام ريح ومضات من النثر أما ما قدمه ملتقى الشباب من النثر، فكان خاطرتين أدبيتين يشترك كاتباهما أول مرة، وكانت الخاطرة الأولى بعنوان: (النفس اللوامة) للكاتب يس عبدالوهاب نبيه وهي تعبر عن مضمون راق وهو العودة إلى الحق، وقهر النفس والهوى أمام وسوسة الشيطان، أما الخاطرة الثانية. فجاءت بعنوان: (فقال أنا ربكم الأعلى) للكاتب أسامة علي متولي، وهي تقبس من معين القرآن الكريم في مضمونها. وبدا أسلوبها مشرقاً، كما أنها جزلة التراكيب، محكمة في خطابها الأدبي استطاعت أن تقنعنا بطرح رؤى تستضيء بالتاريخ والتراث، مما يبشرنا بكاتب مقتدر مستقبلاً بإذن الله.