يعاني التعليم بشقيه العام والجامعي في المجتمع السعودي من مشكلات جمة، فهناك زيادة سكانية زادت من حدة الإقبال عليه، خاصة بعد أن أخذت الحكومة السعودية بمبدأ التعليم المجاني، وعدته حقا من حقوق المواطن، فأصبحت ديمقراطية التعليم واضحة، والرغبة في إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المواطنين، للحصول على أعلى الدرجات العلمية، أمراً واقعاً وممكناً، مما دفع بأعداد كبيرة من الطلاب والطالبات، وبخاصة من أبناء الفئات المتواضعة الدخل، إلى محاولة الارتفاع في السلم الاجتماعي، عن طريق الحصول على مؤهلات دراسية، مهما كانت درجة الصعوبات التي يواجهونها، بغية تحقيق هدفهم. وواجهت الحكومة السعودية وما تزال، مشكلة قبول الطلبة والطالبات في التعليمين: العام والجامعي، رغم الحرص على توافر إمكانيات تعليمية، تتناسب مع الأعداد الكبيرة للطلاب والطالبات، ومع ذلك غدت الفصول الدراسية وقاعات المحاضرات، تنوء بمن فيها، وأضحت المكتبات وقاعات المطالعات غير كافية، بل غير قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من الطلاب والطالبات، وبعضها غير مزود بما تحتاجه من كتب ومراجع ودوريات، وغير قادرة على متابعة واقتناء ما يلزم اقتناؤه في هذا المجال. وزاد من حدة مشكلة التعليم العام في المجتمع السعودي، عدم تأهيل العدد الكافي من المعلمين والمعلمات، رغم توافر القدرة المالية على فتح معاهد لإعدادهم، بيد أنّ القدرة المالية وحدها لا تكفي لحل المشكلة، فما هو الحل؟ أعتقد أنّ الحل يكمن في استخدام التعليم عن بعد، فهو يهيئ حصول المدارس والجامعات على حاجتها من المعلمين والمدرسين من جهة، ويتيح المجال أمام راغبي التعليم للحصول على حاجتهم منه من جهة أخرى، تأسيسا على أنّ اللغة العربية هي لغة الدراسة في مدارس وكليات وجامعات المجتمع السعودي. ففكرة الجامعة المفتوحة (جامعة الهواء) التي بدأت بها بريطانيا لأول مرة عام 1389ه (1969م) حرية بالاستفادة منها في التعليم العام بالمجتمع السعودي، فقد وصفت بأنها (أهم ما طرأ من تجديد في مضمار التعليم، إذ هي على خلاف الجامعات الأخرى، لا تجمع بين الطلاب والأستاذ داخل حرم جامعي، وإنما هي نواة مركزية أكاديمية، تعد المادة العلمية للدارسين عن بعد، ثم ترسل هذه المادة إلى منازل الطلاب الكبار في العمر في مختلف أرجاء البلاد، الذين يدرسون في أوقات فراغهم). لقد أسهمت الإذاعة البريطانية (BBC) عام 1970م (1380ه) في تقديم دروس تحضيرية في الرياضيات، والعلوم، والآداب، والتاريخ، أذاعتها الإذاعة والرائي البريطانيان، وبعد ذلك دشنت استديوهات الرائي في قصر الكسندرا، بتسجيل البرامج الأولى الإذاعية والتلفازية، ثم شرعت بعد ذلك في طباعة دروس المراسلة، وخلال أسبوع من شهر يونيو - حزيران من عام 1970م، بلغ عدد الطلاب المسجلين أكثر من أربعين ألف طالب. من هنا ينبغي أن تعمل وزارة التربية والتعليم، على الاستفادة من تجربة الجامعة المفتوحة، باستخدام مدرسة مفتوحة (التعليم عن بعد) للحصول على تأهيل علمي للطلاب والطالبات السعوديين والسعوديات غير المتفرغين، لتمكن هذه المدارس المفتوحة من إكمال دراسة الطلبة والطالبات، للحصول على شهادة جامعية، فقد تبين من معظم الدراسات التي أجريت في المجتمعات التي استخدمت هذا النمط من التعليم، أن الإذاعة والرائي أصبحا عنصرين أساسيين، في نظام تعليمي متطور، هدفه تقديم دروس ومحاضرات تلفازية وإذاعية، ودروس بالمراسلة، يتم تعزيزها بمحاضرات تلقى في مراكز بالقرب من أماكن إقامة الطلبة والطالبات. أرجو أن نحدد أولا تعريف المفاهيم التالية: التربية، الرائي (التلفاز) الأثر، التأثير، لافتا إلى أنّ منظري العلوم الإنسانية بعامة، والاجتماعية على وجه الخصوص، لم يتفقوا بعد على تعريفات شاملة جامعة مانعة، لأي مفهوم من مفاهيم هذه العلوم، وهذا ليس عيبا، ولكن محاولات التجديد والتطوير للمفاهيم ما فتئت مستمرة، وما برحت تعد التكئة التي تقوم عليها هذه المفاهيم، وما زال المنظرون والباحثون والدارسون، يرفدون هذه العلوم كل يوم، بما هو جديد ومستحدث، في ضوء دراساتهم للمتغيرات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والبنائية للمجتمعات البشرية. هذه التوطئة كان لابد منها، حتى يعلم كل منا، أنه يغرف من مناهل تروى كل يوم، ومن أنهار تجري فيها أودية جديدة، ومن محاولات ينجم عنها تحولات، تسير عبر مراحل تحولية متعاقبة، تتفاوت درجة تعقيدها ورقيها بصورة متوالية، من الأبسط إلى الأعقد، ومن الأوطأ إلى الأرقى، ومن ثم تتحول المجتمعات البشرية من مرحلة إلى مرحلة أخرى، أرقى من المرحلة السابقة التي كان المجتمع عليها. تعريف مفهوم التربية Education هي نظام اجتماعي، يحدد الأثر الفعال للأسرة والمدرسة في تنمية النشء، من النواحي الجسمية، والعقلية، والأخلاقية، حتى يمكنه أن يحيا حياة سوية في البيئة التي يعيش فيها. ومن ثم فالتربية أوسع مدى من التعليم (Instruction) الذي يمثل المراحل المختلفة، التي يمر بها المتعلم، ليرقى بمستواه في المعرفة في دور العلم. وعلى هذا النحو فالتربية: عملية عامة لتكيف الفرد، كي يتماشى ويتلاءم مع تيار الحضارة الذي يعيش فيه. وبهذا تغدو التربية عملية خارجية، يقوم بها المجتمع لتنشئة الأفراد، ليسايروا المستوى الحضاري العام. تعريف مفهوم الرائي Television كلمة تتألف من مقطعين الأول: Tele وتعني عن بُعْد، والثانية: Vision وتعني الرؤية أي أن كلمة الرائي (التلفاز) تعني مجتمعة: الرؤية عن بعد والرائي وسيلة نقل الصوت والصورة في وقت واحد، بطريق الدفع الكهربي، وهو أهم الوسائل السمعية البصرية للاتصال بالجماهير، عن طريق بث برامج معينة، ويُعدُّ الرائي من أهم وسائل الاتصال الجماهيرية المعاصرة. ويتفوق عليها جميعا بقدرته على جذب الانتباه والإبهار وشدة التأثير، ويجمع بين مزايا الإذاعة المسموعة (الراديو) من حيث الصوت، ومزايا السينما من حيث الصورة واللون، ومزايا المسرح من حيث الحركة، التي تضفي الحيوية على المشاهد التي يعرضها الرائي. ويمكن تعريف النظام التلفازي من الناحية العلمية بأنه: طريقة إرسال واستقبال الصور المرئية المتحركة، والصوت المصاحب لها، عن طريق موجات كهرومغناطيسية. تعريف مفهوم الأثر يتمثل أثر الرسالة الإعلامية في: اكتساب المعلومة، أو الاقتناع بالفكرة أو بالرأي، أو اتخاذ قرار مؤيد لأهداف المرسل، أو القيام بأنماط سلوكية تشير إلى حدوث الأثر، بحيث يسهل الكشف عنه وقياسه. وأثر الرسالة الإعلامية لايتم حدوثه بشكل فوري، بل قد يكون محصلة عمليات معرفية، ونفسية، واجتماعية عديدة، تختلف في تأثيرها من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، مما يؤدي إلى حدوث الأثر بنسب متفاوتة بين الأفراد المتلقين، أو عدم حدوثه نهائيا بين آخرين، أو تحقيق أثر سلبي لا يتوقعه مرسل الرسالة الإعلامية نهائيا، لكنه محصلة تفاعل عوامل وعمليات عديدة، فردية، واجتماعية. تعريف مفهوم التأثير Effect حدوث الاستجابة المستهدفة من عملية الاتصال، التي تتفق مع مفهوم الهدف من الاتصال، او وظيفته وكثيرا ما يكون هذا الهدف في وعي المرسِل، أو القائم بالاتصال، ويتوقع تحقيقه من المستقبل أو المتلقي للرسالة الإعلامية. من تجاربي في البرامج التعليمية في الرائي والإذاعة أستأذنكم بعد هذا أن أنقل لكم بعضا من تجاربي، النابعة من تقديمي برامج تعليمية تربوية عبر الرائي السعودي، ومن ثم عبر الإذاعة السعودية المسموعة. عام 1388ه (1968م) أي بعد ظهور الرائي في المجتمع السعودي بثلاث سنوات، وحينما كان جميل بن ابراهيم الحجيلان وزيرا للإعلام (وهو بالمناسبة أول وزير للإعلام السعودي) اقترح عبدالله بوقس وكان مديرا للتعليم بمدينة جدة (محافظة جدة حاليا) إعداد برنامج تلفازي اسمه (طلابنا في الميدان) وعهد إليّ بتقديمه، وهو أول برنامج تلفازي تعليمي سعودي، يقدم للطلبة لأول مرة، بهدف مساعدتهم على تنشيط معلوماتهم المنهجية التعليمية والتربوية معا. وهو عبارة عن مسابقة تجري بين فريقين من طلاب مدرستين، تطرح أثناءها أسئلة في المنهج الشرعي (القرآن الكريم، والسنّة النبوية المطهرة، والفقه، والتوحيد) والعلوم الاجتماعية، والرياضيات (الهندسة والجبر) واللغة الانجليزية، وبقية العلوم الأخرى، وكانت للبرنامج لجنة تحكيم مؤلفة من ثلاثة معلمين سعوديين من مدرسة محايدة، تجمع الدرجات التي حاز عليها الفريقان المتسابقان، ثم تعلن في نهاية كل حلقة الفريق الفائز، ليحصل على جائزة مقدمة من إحدى مؤسسات القطاع السعودي الخاص (الأهلي) كما يحصل الفريق الثاني على جائزة مماثلة للجائزة التي حصل عليها الفريق الأول. ويعد هذا البرنامج التلفازي ثاني برنامج بعد برنامج اعرف مهنتي الذي قدمته عبر الرائي السعودي قبل برنامج طلابنا في الميدان، يعتمد على تمويل القطاع السعودي الخاص. جرى تسجيل أول حلقة من حلقات برنامج (طلابنا في الميدان) في محطة تلفاز جدة، وأعد البرنامج رجل تعليمي معروف هو: عبدالله بوقس، الذي كان يشغل وقتذاك منصب مدير التعليم بجدة (محافظة جدة حاليا) وأخرج البرنامج المخرج طارق بن أحمد ريري (وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد لشؤون التلفاز حاليا) وتم اختيار فريقين من طلبة مدارس جدة للمرحلة الابتدائية. ولقي برنامج (طلابنا في الميدان) أصداء جماهيرية واسعة بين قطاع الطلبة والطالبات؛ الطلبة بحضورهم إلى استديوهات التلفاز السعودي، والطالبات اللواتي كن يشاهدنه عند عرضه عبر الشاشة، وتنقل البرنامج عبر محطات الرائي السعودي الأخرى، وسجل حلقات مع طلاب مكةالمكرمة، والمدينة المنورة، وجدة، والرياض، ثم جرى في وقت لاحق نقل حلقات التلفاز صوتيا إلى الإذاعة السعودية، وفي فترة لاحقة قدمته في الإذاعة السعودية. سأعرج الآن على تجربة شخصية. فعندما عينت في الإذاعة السعودية مذيعا عام 1377ه (1957)م لم أكن قد حصلتُ على أي شهادة دراسية إطلاقاً. بمعنى آخر كنت أمي شهادة. وعام 1389ه (1969م) قررت الحصول على الشهادة الابتدائية (نظام منازل) فجوبهت الفكرة باستهجان من بعض زملائي في الإذاعة، إذ كان بعضهم يرى أنني بهذا الأسلوب، سأفضح نفسي أما الملأ!! لأن كثيرا من المستمعين - كما قال أولئك الزملاء - يعتقدون أنني أحمل مؤهلا تعليميا عاليا!! وسألوني: لماذا هذا التوجه وأنا - على حد تعبيرهم - في مركز وظيفي وإذاعي مرموق !! وقالوا: إن بوسعك أن تتفرغ لعملك، الذي تأكل منه خبزك، اعقل يابن الناس. وأعترف بأن هذا الكلام كاد يثنيني عن تنفيذ القرار، وحدثتني نفسي الأمارة بالسوء بالتراجع، ولكنني استخرت الله، وصممت أذني عن سماع ما قيل، وافترضت حسن النية فيما قالوه، وأحضرت إلى منزلي مناهج المرحلة الابتدائية، واستعنت - في بعض المواد - بمعلمين خصوصيين، وتقدمت لاختبار الشهادة الابتدائية، والفشل في إمكانية الحصول عليها نصب عيني، وتكرار المحاولة أمر كان محسوبا حسابه، فلا تراجع عما تقرر، وتوكلت على الله القائل: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعقلها وتوكل) فنجحت بحمدالله وتوفيقه، ونظرت إلى الشهادة الابتدائية على أنها: نقلة نوعية في حياتي، وقلتُ: إن النجاح يغري بالنجاح، وواصلت الدراسة، وحصلت على الشهادة المتوسطة، فالثانوية العامة (قسم أدبي) وكنت مدانا بالفضل بعد الله لبرنامج (طلابنا في الميدان) فلكوني إنسانا سمعيا استفدت كثيرا من هذا البرنامج، إذ أطرح الأسئلة على الطلبة، وأحاورهم حولها، وأسمع إجابتهم، ثم أسمع البرنامج كله أثناء عملية التوليف (المونتاج) وأخيراً أسمعه عند بثه عبر الرائي، وكل عمليات السماع هذه، أدت إلى اعتمادي شبه الكامل على مذاكرة المواد الدراسية من البرنامج، باستثناء مادتي الرياضيات واللغة الانجليزية، فقد استعصت الأولى على فهمي المغلق، واكتفيت من الثانية بهز رأسي وترداد كلمة: ييس، ييس، ييس. وقد لا يعلم جيل اليوم من الطلبة والطالبات، أنني قرأت اسمي بنفسي في الإذاعة السعودية، ضمن قائمة أسماء الناجحين في اختبار الشهادة الابتدائية عام 1389ه (1965م) فعلق من علق، وهنأ من هنأ، واستغرب من استغرب، وحث البعض على المواصلة، ف(خطوة الألف ميل تبدأ بواحدة) ورأى آخرون أنني تأخرت كثيرا، وظللت أسمع هذا وذاك، بينما نشوة النجاح لا تعادلها أي نشوة في كل هذه الدنيا الفانية. ومع بداية عام 1390ه (1970م) أحضرت مناهج مرحلة الكفاءة المتوسطة (نظام ثلاث سنوات) وهي تتألف - لمن لا يعرفها - من ثلاثة مقررات لكل مادة. أي ثلاثة كتب لمادة الفقه، ومثلها لمادة التوحيد، والحديث، والجغرافيا، والتاريخ، والرياضيات، واللغة الانجليزية، وشرعت في دراستها بنفسي، بيد أنني واجهت صعوبات جمة في ثلاث مواد هي: أولاً: مادة الرياضيات، فقد كانت - وما تزال - من أصعب المواد، التي لم يستوعبها ذهني المقفل!! بسبب النقص الحاد في مستوى ذكائي!! ولكن ماذا علي أن أفعل إذا كنت لا أستطيع أن أميز بين خصائص (الربح البسيط) وخصائص (الربح المركب) وكنت كل ما أعرفه عن الربح والخسارة، مثل حفظته من كتاب (الأمثال) للميداني يقول: تمام الربيع الصيف (أي تظهر آثار الربيع في الصيف، كما قيل: الأعمال بخواتيمها، والصيف الممطر يأتي بعد الربيع، ويضرب هذا المثل في استنجاح تمام الحاجة. الربح والخسارة عندي سواء، إذ الربح هو: ضد الخسارة والعكس صحيح، وها أنذا أفسر (الماء بعد الجهد بالماء) فلم أتعامل آنذاك مع أي مصرف، وليس في حوزتي من الأموال ما يدعو للاستثمار في أي محفظة، ولم يسبق لي أن اقترضت من المصارف، لأعرف النسبة المئوية المطلوبة مني، وتوزيع دخلي الشهري واضح، ومدخراتي المالية كانت تتخذ من جيبي موطنا ومستقرا دائما لها، وكان الله في عون طلبة وطالبات هذه الأيام، وهم يواجهون مادة الرياضيات. ثانياً: الهندسة: وكان أكثر ما يغيظني في هذه المادة، أن عليّ أن أثبت بما أنّ (س) أكبر من (ص) فإنّ (ق) أكبر من (ع) وبما أنّ (ك) أصغر من (ل) فإن (ع) أكبر من (ج)، وهي اثباتات لم استسغها كثيرا، ولا تستدعي - من وجهة نظري - كل هذه ال (بما) فباستخدام حاسة النظر يتضح أنّ الزاوية (ع) أصغر من الزاوية (ص) وأنى لي أن أثبت ذلك، وليست لدي أدلة قوية؟ وأخشى ما أخشاه أن يكون أساتذة وعباقرة الرياضيات والهندسة، يتعاملون معي من منطلق (نظرية المؤامرة)!! أو يريدون إحراجي أمام الرأي العام العالمي، وإظهاري بمظهر التلميذ الخائب!! ولذلك فلا مفر من مقاومة هذه المؤامرة، بكل ما أوتيت من قوة، ولو تطلب الأمر التقدم بشكوى للأمم المتحدة!! والتصدي للمتآمرين علي بكل حسم وعزم وقوة (فلا نامت أعين الجبناء). ثالثاً: اللغة الانجليزية، وهذه شكلت بالنسبة لي معضلة، فالمطلوب مني أن أبدأ بتعلم الأحرف كبيرها وصغيرها، ثم الضمائر، فالأفعال في صيغها الثلاث: الماضي، والحاضر، والمستقبل، فالقواعد، فالإملاء، فالتعبير وأخيرا قصة Around The World In Eighty Days للأديب الانجليزي المعروف تشارلز ديكنز، وكل هذه أعباء ومسؤوليات تتطلب تفرغا كاملاً، وهذا ما لم أملكه وقتذاك، فقد كنت موظفا في مؤسسة إعلامية، مطلوب منه أن يحضر في دوام معلوم، لكنه من الصعب عليه أن يخرج في موعد محدد، وتلك طبيعة العمل الإعلامي الذي لايرحم، كما أن على هذا الموظف التزامات أسرية واجتماعية، يحرص قدر الإمكان على ا لوفاء بها، حتى لا تتعرض الأسرة للوهن، وحتى تظل علاقاته الاجتماعية مع الآخرين متماسكة، وإن كنت أعترف أنني لم أتمكن من الوفاء لا بهذه ولا بتلك، على النحو المرضي. وعندما أيقنتُ أن هذه المواد الثلاث توشك أن تهزمني في هذه المعركة!! قلتُ مخاطبا نفسي: يا أيها الإنسان، عليك بالدروس الخصوصية فإنها وجاء، ومدرس خصوصي لكل مادة يتقاضى ثلاثين ريالا مقابل ساعة واحدة، أفضل ألف مرة من مواجهة معركة خاسرة، ومعذرة لوزارة التربية والتعليم، التي قررت منع الدروس الخصوصية - لكنها ما زالت تشكل سوقا سوداء معلنة في كل بقالة - فقد أجزت لنفسي الدروس الخصوصية، وخالفت قرار الوزارة مضطرا، والمثل العربي يقول: (ومن يمش يرض بما ركب) وهو مثل يضرب للذي يضطر إلى ما كان يرغب منه، ومثل آخر يقول: (ومن ينكح الحسناء يعط مهرها) أي أن من طلب الحاجة اهتم بها، وبذل ماله فيها، ويضرب هذا المثل في المصانعة بالمال. وباءت كل محاولاتي بالفشل الذريع، فاستسلمت، ورفعت الراية البيضاء، لقد هزمتني تلك المواد الثلاث، ولكن أنقذتني من الورطة، رحلة للملك فيصل رحمه الله، كلفت برئاسة وفدها الإعلامي. عدت من الرحلة، ورأيت أنّ من المناسب استئناف علاقتي الودية، مع هذه المواد الثلاث، فالهجر والصد يمكن أن يخلفا الوبال علي!! وحينما اقترح عبدالله بوقس - كما أسلفت يوم أن كان مديرا للتعليم في جدة - إعداد برنامج (طلابنا في الميدان) وعهد إلي بتقديمه، وجدت ضالتي المنشودة في هذا البرنامج. من مشاركة الكاتب في اللقاء الثاني لمشروع الشراكة التربوية الإعلامية (التربية والتلفاز) الذي نظمته يوم الثلاثاء الماضي الإدارة العامة للتربية والتعليم بالعاصمة المقدسة (بنين).