على طريق التواصل الحميم بين الوطنين الكبيرين المملكة واليمن، رجال دولة وأعمال، ومستثمرون وأطباء، وأساتذة جامعات، وصحفيون، ومواطنون، أثمرت الرحلات المكوكية التي يوجِّهها المهندس الشيخ عبد الله أحمد بقشان على متن طائراته الخاصة إلى مختلف مناطق اليمن، وإلى حضرموت على وجه الخصوص، عدة أهداف وطنية واقتصادية وثقافية. وصبت كل هذه الأهداف في خدمة الهدف الإستراتيجي في سياسة البلدين تجاه الآخر، وهو الهدف الذي يكرِّس أواصر الروابط والتلاحم بين الوطنين الكبيرين في الجزيرة العربية - أرضاً وشعباً وحكومات -، لتعميق الجذور التاريخية التي تربط بينهما، فإذا كان الاختلاط والتمازج بين هذين الشعبين قد تمَّ على أرض المملكة خلال العقود الماضية، فإن عبد الله أحمد بقشان يُساهم في إتاحته الآن على أرض اليمن، ويُحقق به انفتاحاً حضارياً على ذلك الجزء الغالي من جزيرة العرب، فكل الذين شدّوا الرِحال مع عبد الله أحمد بقشان بمختلف تخصصاتهم ومناصبهم في كل ما كتبوه من مقالات، أو أدلوا به من أحاديث وتصريحات، كانوا في منتهى الإعجاب بما شهدوه في ذلك الوطن، وفي منتهى العجب من أنهم قد طافوا بلاد العالم شرقاً وغرباً، ولم يفكروا من قبل في زيارة الأقربين، والأكثر عجباً أن بعض رواد هذه (الرحلات الاستكشافية) من الذين ينحدرون من أصول حضرمية ما كانوا ليفكروا في زيارة موطن الأجداد، لو لم يتح عبد الله أحمد بقشان هذه الزيارات التاريخية لهم ولغيرهم. والحقيقة أن الذين لم يفكروا في زيارة أوطان أجدادهم، وربما آبائهم لم يكونوا قاصدين ذلك، بقدر ما حالت بينهم وبين تلك الأمنية ظروف وقوع ذلك الجزء العزيز من جزيرة العرب تحت جبروت حكم شيوعي تسلَّط على تلك البلاد قرابة الثلاثين عاماً وأغلقها دون العالم. هذا بالنسبة لأبناء الجيل الجديد، أما بالنسبة للآباء، وخصوصاً الذين ولدوا في حضرموت، وقدموا إلى المملكة صغاراً، ومعظمهم اليوم من رجال الأعمال السعوديين المشهود لهم بالعصامية والنبوغ، وبعضهم لم يزر مسقط رأسه منذ خرج منه لأول مرة، فقد حمدوا للمهندس عبد الله أحمد بقشان التخطيط لهذه الرحلات على هذا المستوى المتعدد المنافع للوطنين، وإتاحته الفرصة لهم لزيارة أوطانهم الأولى، والمشاركة في الدفع بعجلة الدعم السعودي الخيري والاستثماري فيها، وفق ما نصَّت عليه الاتفاقات المتعددة المُبرمة بين الوطنين في مختلف مجالات التجارة والاستثمار والاقتصاد. فلا عجب إذن أن تكون هذه الرحلات بالنسبة لجميع أفرادها (مكوكية)، فقد كان السفر إلى حضرموت بالنسبة لهم بكل ما فيه من عجب وإعجاب، مثل السفر إلى الفضاء، ولهذا كان لا بد أن نطلق عليها رحلات بقشان (المكوكية) (الاستكشافية)، ولا بد أن نطلق على المسافرين فيها (رواداً)، لأنهم بالفعل مثل (رواد الفضاء)، لهذا لم أعجب عندما قال لي أحد رواد الرحلة التي سافرت فيها عندما حطّت بنا الطائرة على أرض مطار الريان بحضرموت، وهو من أبناء نجد قال: رغم أن المسافة من الرياض إلى حضرموت لا يعترضها بحر، أو نهر، أو جبل إلا أنني أشعر وكأنني وصلت القمر!.. لا أكاد أصدق أنني سأكون يوماً على أرض هذا الامتداد الطبيعي لوطني! وهكذا فلم تعد رحلات عبد الله أحمد بقشان مجرد رحلات استكشاف أبناء وطن واحد لجزء آخر من وطنهم، بل أصبحت هذه الرحلات رحلات صلة أرحام ولقاء إخوة بإخوانهم، ومعرفة أُسر بأكملها لمواطن جذورها وصلة أهلها، والإحسان إليهم بما أوجبه الله عليهم من حق ذوي القربى، فمن لم يكن من ذوي القربى فحق الجوار.. فما أكثر الذين اصطحبهم عبد الله أحمد بقشان إلى زيارة قراهم الفقيرة التي خرج أهاليهم منها مهاجرين إلى المملكة، فوجدوا فيها لهم أرحاماً وأقرباء وأنساباً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي الرحلة التي حملت طائرة بقشان في عيد الفطر المبارك سنة 1425ه كوكبة من الأكاديميين السعوديين من ذوي الأصول الحضرمية لزيارة أرض الآباء والأجداد، كان من بين رواد هذه الرحلة خمسة من أُسرة بلخيور، التي هاجرت من بلدة الهجرين في حضرموت إلى المملكة قبل قرنين من الزمان، وهم الدكتور عدنان أحمد بلخيور رئيس قسم الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، والدكتور منصور أحمد بخليور، طبيب صحة البيئة بجامعة الملك عبدالعزيز، والمهندس خالد أحمد بلخيور، الرئيس التنفيذي للمؤسسة العربية للاتصالات الفضائية (عربسات)، والاستاذ صفوان أحمد بلخيور، الموظف بشركة الاتصالات السعودية، والأستاذ طارق أحمد بلخيور، مدير التسويق بعربسات، وقد نشرت مجلة الأمل التي تصدر في المكلأ بإشراف الصديق الدكتور عمر عبد الله بامحسون في عدد مارس 2005م انطباعات أبناء هذه الأُسرة الذين يزورون موطن جذورهم لأول مرة، ولقاءهم الحار والمؤثر بمن بقي من أقربائهم وأرحامهم.. أما بلدة الهجرين التاريخية التي خرجت منها هذه الأُسرة وبعض الأُسر الثرية في المملكة، مثل أُسرة بن محفوظ فلها حديث يطول عندما نصل للكتابة عن زيارتنا لها. ومن الناحية الاقتصادية كان للمهندس عبد الله أحمد بقشان مشاركة حقيقية وفعَّالة أعطت دفعة قوية للرأسمال الوطني السعودي لفتح مجال الاستثمار في اليمن الشقيق، وفق اتفاقات التبادل التجاري والتعاون الاستثماري الموقَّعة بين الوطنين على كافة المستويات الاقتصادية، وقد كان لهذه الدفعة دورها الكبير في ظهور أثر الاستثمار السعودي على تحديث البنية التحتية لمدينة المكلأ عاصمة محافظة حضرموت، ومن أهم مظاهره ما قام به رجل الأعمال السعودي الكبير الشيخ محمد حسين العمودي بردم مساحات واسعة من شاطئ المكلأ إلى داخل البحر، فبعدما كانت مدينة المكلأ محصورة في شريط ساحلي بين البحر والجبل، وكانت أمواج البحر تتكسَّر على واجهات منازلها، أصبح لها الآن (كورنيش) كبير يتسع لطريقين، وأُعطي العمودي مقابل ذلك العمل الكبير المساحات التي ردمت لاستثمارها تجارياً، فتغيَّرت بذلك ملامح مدينة المكلأ، التي أصبح طريق الكورنيش بها أشبه بكورنيش جدة، والإسكندرية مع فوارق الحجم والمساحة. وبرأسمال سعودي أسس المهندس عبد الله أحمد بقشان، ورجل البنك الأهلي الهمام الشيخ عبد الله سالم باحمدان الشركة العربية اليمنية للأسمنت المحدودة التي تهدف إلى إنتاج الكلنكر لتصنيع الأسمنت العادي والأسمنت المقاوم للأملاح للبناء في المناطق الساحلية، وقد ساهم في هذه الشركة عدد آخر من رجال الأعمال السعوديين، ومساهمة أكبر كانت من شركة أسمنت المنطقة الشرقية بالمملكة تقدر بمائتي مليون دولار، ويُقام المصنع حالياً بمنطقة عبد الله غريب الجبلية الواقعة على الطريق إلى خيلة على أرض مساحتها 22 كيلومتراً مربعاً وبطاقة إنتاجية قدرها (1.200.000) طن سنوياً، وقد تمَّ في جدة في فبراير 2005م توقيع عقد مع شركة هولتك كونسلتنج الخاصة المحدودة الهندية لعمل التصاميم الأولية التي يستغرق تنفيذها سبعة أشهر من ذلك التاريخ. وبرأسمال سعودي أسس المهندس عبد الله أحمد بقشان (شركة أسماك اليمن المحدودة)، فقد وجد أنه بناء على دراسات جدوى عالمية أثبتت أن شواطئ حضرموت الواقعة على المحيط الهندي من أغنى بحار العالم بأجود أنواع الأسماك، وأن دولة مثل المملكة المغربية التي لا توجد بشواطئها أسماك بهذه النوعية أو الكمية، يُقدر دخلها من الثروة السمكية بحوالي خمسة أو ستة مليارات دولار، ولما كان لا يوجد باليمن الرأسمال الكافي للاستثمار في هذه الثروة السمكية الهائلة، كان لا بد للمستثمر السعودي (الجار والشقيق) أن يكون في مقدمة من يمد يده للاستثمار في هذه الثروة، التي لا تزال تتسع للكثير بما يعود بالنفع للوطنين بما يحققه من تشغيل رأسمال أحدهما، وتشغيل عمالة الآخر. وتقديراً للجهود التي يُقدِّمها المهندس الشيخ عبد الله أحمد بقشان داخل وطنه، أو لوطن آبائه وأجداده اليمن (الجار والشقيق) بما فيها من تنشيط لحركة الرأسمال الوطني السعودي في المجالين العربي والإسلامي خيرياً واستثمارياً، وأكرمه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني بالمملكة في 27 - 12 - 2004م بدرع تذكاري بمناسبة دعمه لتأسيس أول كرسي علمي بالمملكة للدراسات على مستوى الجامعات السعودية حيث خصص ذلك الكرسي لمجال الكهرباء. وللطريق إلى خيلة بقية