خاضت بلادنا تجربة الانتخابات للمجالس البلدية، هذه التجربة التي تطبق لأول مرة، وبشكل مرحلي حسب المناطق، التي أثبتت جاهزية الجهات الرسمية، وأفراد المجتمع السعودي لاستيعاب وخوض هذه التجربة الجديدة، كما أثبتت للجميع أن المجتمع السعودي مطلع وملم في ثقافة الانتخاب. ولأن هذه التجربة لا تزال في بداياتها، وتعتبر انتخابات المجالس البلدية هي التطبيق الأول وبهذا الشكل الواسع والمعلن الذي يهدف إلى إشراك كافة شرائح المجتمع لتدارس هموم ومستقبل ومشاكل الخدمات البلدية في المنطقة أو الدائرة التي ينتمي لها المرشح، فقد تبدو بعض جوانب القصور التي لا بد منها في بدايات التطبيق لأي برنامج جديد أو أي تجربة جديدة. ولعل المتابع للحملات الدعائية للمرشحين في الصحف المحلية وكذلك ما يقدمه البعض منهم في برامجهم الانتخابية، يظهر له مدى جهل الغالبية منهم بالدور المطلوب من المجلس البلدي، لا زالت الحملات الدعائية في الصحف والمخيمات تحمل وعوداً بعيدة المنال وتتعارض مع ما هو مطلوب من عضو المجلس البلدي، فترى المبالغات والخداع في وعودهم غير المنطقية التي تدل على غياب ثقافة ووعي المرشح لمهام ومسؤوليات وصلاحيات المجلس البلدي كما حددها نظام ولائحة المجلس، والملاحظ أن القاسم المشترك لهذه الحملات الانتخابية هو تركيزها على وعود وهمية بعيدة كل البعد عن الهدف من إنشاء هذه المجالس البلدية، وكأن المرشح يملك سلطة توظيف الشباب وإنشاء المطارات وسكك القطارات وتوفير وإقرار الحوافز والمكافأة المادية للعاملين في البلديات وغيرها.. إلخ!! وكل ذلك من أجل كسب أصوات الناخبين!! كما يلاحظ أن الهدف الرئيسي لغالبية المرشحين وضع مخيم انتخابي بشكل لافت للنظر والتفنن في تقديم وجبات العشاء ونشر سيرهم الذاتية والدعائية والمبالغة في ذلك، وقد أصبحت تلك المخيمات يجتمع فيها الناخبون وغيرهم من الفضوليين لتناول وجبة العشاء، بل إن معظمهم لا تتوفر لديه القناعة بمنح صوته للمرشح، وحتى إن وعد بأنه يفعل كذا ويحقق كذا، لأنه كلام مستهلك وغير عملي ولا يوجد بينه وبين قائلة نسبة وتناسب!! ربما تطغى القبلية والتعصب الأعمى في بعض مناطق المملكة وبالتالي يترشح أشخاص يفتقرون إلى التأهيل والخبرة العلمية والعملية وإلى ثقافة الحوار من أجل المشاركة في معالجة الكثير من القضايا الخدمية. الجميع يعرف أن المرحلة الأولى من الانتخابات التي جرت في بعض مناطق المملكة وتحديداً في منطقة الرياض، خرجت نتائجها وأظهرت مدى وعي المواطن ونبذه للتعصب الأعمى وحرصه على ترشيح من تنطبق عليه شروط المصلحة العامة والقادر على خدمة العملية التنموية والإصلاحية التي تشهدها بلادنا، وتم انتخاب مرشحين على مستوى عالٍ من التأهيل العلمي والعملي، والقادرين على المشاركة الفاعلة في قرارات التنمية والبناء، والمدركين لقيمة العمل الجماعي الذي أساسه الرغبة الجادة والإخلاص والأمانة لتعزيز ثقافة الحوار والانتماء لهذا الوطن الغالي، تلك الوعود التي يطلقها بعض المرشحين هي من اختصاص جهات معنية ومقتدرة وتعمل على دراستها وبحثها ورصد نتائجها ورفعها لأصحاب القرار لتفعيلها على أرض الواقع بما يحقق المصلحة العامة. والمأمول إن شاء الله من عضو لمجلس البلدي المساهمة الفاعلة مع زملائه في البلديات والمجمعات القروية في رفع بعض ما يعانيه المواطن من البيروقراطية والمركزية المفرطة ورتابة وتعقيد الإجراءات للكثير من الخدمات البلدية التي يقصدها المواطن يومياً، ويصطدم بكثرة العراقيل التي يصفها الموظف أمامه للحصول على رخصة محل تجاري أو للبناء أو عند التجديد أو غير ذلك من النشاطات والخدمات البلدية الأخرى التي يحتاجها المواطن من نظافة وأرصفة وإنارة وحدائق وسفلتة.. إلخ، مع ما يلاحظ من البطء الشديد في إنجاز المعاملات وتكدسها، وخير شاهد على ذلك تلك الأعداد الكبيرة من المواطنين الذين تعج بهم الدوائر الحكومية بشكل يومي ودائم. ولاة الأمر - يحفظهم الله - دائماً في أكثر من مناسبة يؤكدون على تسهيل وتيسير أمور المواطنين وسرعة إنجاز معاملاتهم وتلمس احتياجاتهم، وكما هو معلوم فإن ولي الأمر يفوض المسؤولين في مختلف المناطق برعاية وتوفير كافة الخدمات للمواطنين والمقيمين والتأكد من فعالياتها وجودتها، وهم بدورهم يفوضون الجهات المختصة بالمنطقة برعاية هذه الأمانة والحرص على مصلحة المواطن، إلا أن هناك بعض التقصير من بعض الموظفين التنفيذيين الذين يتعاملون مباشرة مع المواطن في تحمل هذه الأمانة وجعل الجميع أمام ميزان العدل والحق سواسية. الكل يتفق على أن المجالس البلدية خطوة في الاتجاه الصحيح لتوسيع نطاق مشاركة المواطن في إدارة شؤونه وتجسيد روح الإدارة الوطنية في صنع قرارات التنمية والبناء، والانتخاب هو وسيلة لتحقيق ذلك وليس هدفاً بحد ذاته، إلا أنه مطلوب خلال المرحلة القادمة التركيز على رفع مستوى الوعي بأهداف وصلاحيات المجالس البلدية وتوضيح الدور المطلوب من عضو المجلس البلدي ومدى قدرته على القيام بما هو مطلوب منه، وفي المقابل يقع على عاتق البلديات والمجتمعات القروية مسؤولية توفير المعلومات والبيانات والتقارير التي يحتاج له عضو المجلس البلدي لمساعدته على أداء مهمته، بالإضافة إلى إقامة الندوات واللقاءات وورش العمل التي ترفع من مستوى ثقافة ووعي المرشح بالدور المطلوب أن يقوم به، وكذلك توضيح علاقة هذه المجالس بغيرها، وحدود صلاحياتها ومسؤولياتها حسب ما نصت عليه أنظمة ولوائح وتعليمات المجالس البلدية. وكما يعلم البعض أن هناك سلبيات أخرى صاحبت هذه الحملات من قبل بعض المرشحين أو الداعمين لهم، ربما لحداثة التجربة أو لنقص الثقافة التوعوية بدور هذه المجالس، إلا أن هذا لا يفسد أو يعكر الهدف من هذه الانتخابات كونها تجربة فريدة في مجتمعنا وتحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت حتى تنضج.