سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
على هامش انعقاد مؤتمر (الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص في البحث والتطوير) بجامعة الملك سعود شراكة رأس المال والعقل البشري: الخطوة الأولى لتوطين التقنية
يعتبر مؤتمر (الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص في البحث والتطوير)- جامعة الملك سعود (1-3) ربيع الأول 1426ه؛ (10-12) أبريل 2005م من المؤتمرات العلمية المهمة التي عقدت في المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة، وهو يعد بحق خطوة جيدة ورائدة في سبيل تفعيل مسيرة البحث العلمي في الجامعات والمؤسسات البحثية الأخرى داخل المملكة. وبذلك تكون جامعة الملك سعود قد قامت بخطوة طيبة تستحق عليها المزيد من الشكر والثناء نظراً لأهمية الموضوع. ويأتي هذا المؤتمر تتويجاً للعديد من الدراسات والمقالات التي نشرت -في السنوات السابقة- حول سُبل تعزيز دور البحث العلمي في المجتمع لمواجهة الظروف العالمية الجيدة التي تتسم بالمنافسة الشديدة واقتناص الفرص. وهذه الفرص لا تتحصل إلا بالعمل المبدع والمبتكر المرتكز على البحث والتطوير العلميين. ومن الجدير بالذكر أن هناك الكثير من المقترحات التي تم طرحها سابقاً لتشجيع وتفعيل دور القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي في المملكة، ونخصّ بالذكر المؤتمر الهندسي السعودي الرابع المنعقد سنة 1996م (1416ه) إذ أجمعت الكثير من أوراق العمل على ضرورة وأهمية مساهمة القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي وخصوصاً التطبيقي منه، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى توطين التقنية بدلاً من نقلها أو استيرادها. في هذه المقالة سوف نحاول إلقاء الضوء على بعض الأفكار المرتبطة بمحاور هذا المؤتمر المهم. وهنا لابد لي من الإشارة إلى أنني أعتمد في بحثي هذا على ما نشر من أوراق عمل وأبحاث حول البحث العلمي ومتابعتي لهذا الموضوع في الصحافة السعودية إضافة لوسائل الإعلام المختلفة فيها. البحث العلمي أساس التنمية: يعتبر البحث العلمي عامة والتطبيقي خاصة المحرك الأساس للتنمية الاجتماعية، وهو من أساليب وطرق التطوير الاقتصادي للمجتعات البشرية. وهو بذلك وسيلة لزيادة مساهمة الموارد البشرية في زيادة القيمة المضافة للمجتمع. وفي الوقت الحاضر تكتسب الموارد البشرية أهمية كبرى في ظل تنامي أهمية العقل البشري في تحقيق التقدم العلمي والكنولوجي في ظل زيادة مساهمة اقتصاد المعرفة في الناتج القومي الكلي. ويعتبر البحث العلمي إحدى وظائف الجامعة الرئيسة وله دور مهم وحيوي في تطوير الجامعة ومجتمعها على حد سواء. وغني عن القول أن البحث العلمي يساهم بشكل مؤكد في تطوير الإنتاج القومي وتنميته كماً ونوعاً من خلال خلق واستنباط أساليب إنتاج جديدة أو تطوير ما هو قائم بهدف الحد من هدر الموارد أو الثروات بشكل عام وتحقيق الاستثمار الأمثل لها. وهو لذلك يخلق فرصاً كبيرة لدخول الأسواق الاقتصادية العالمية والتمكن منها، التي تشهد منافسة شديدة محمومة في ظل عولمة لا ترحم. فالبحث العلمي هو الوسيلة لأي مجتمع، أو شركة، أو مؤسسة تطمح لأن يكون لها موطئ قدم في السوق العالمية الجديدة. ويشكل البحث العلمي التطبيقي الجزء الأساس والمهم للبحث العلمي عامة، وهو مهم وحيوي خاصة بالنسبة للدول النامية نظراً لحاجتها إلى تقنيات علمية وتكنولوجية مبتكرة في عملية التطوير لمجتمعها. وهو مهم أيضاً في جهودها المتواصلة لتوطين التكنولوجيا وليس نقلها فقط. ومن شأن ذلك إحداث نقلة نوعية في مجمل الدخل القومي لهذه الدول. فالبحث العلمي التطبيقي مرتبط وإلى حد كبير بالصناعة والزراعة وهما من الروافد الأساسية للدخل القومي. عدا عن ذلك فإن البحث العلمي هو سبيل الدول الفقيرة بمواردها الطبيعية لتطوير مواردها البشرية وتنميتها لخلق مكانة لها في السوق العالمية التي تشتد فيه حمى المنافسة على الفرص المتاحة، إذ يشكل الإبداع والابتكار السبيلين الوحيدين لاقتناص هذه الفرص. البحث العلمي استثمار ناجح.. ولكن يحتاج إلى تمويل: معلوم أن البحث العلمي هو استثمار ناجح ومريح، ولكنه يحتاج إلى خطط متوسطة وطويلة الأجل كما يحتاج إلى هيكليات إدارية واضحة وتمويل جيد خاصة في البدايات. وتخصص مختلف دول العالم المتقدم (من ضمنها إسرائيل) ما مقداره 2.5-3% من دخلها القومي لميزانية البحث العلمي، على سبيل المثال لا الحصر تنفق السويد 3% اليابان: 2.9%، وأمريكا الشمالية: 2.5%، في حين لا يصل تمويل هذا البحث إلى أكثر من 0.002-0.5% من الدخل القومي في معظم الدول العربية!!.. وهذا سبب كافٍ لتخلف المجتمعات العربية علمياً وتكنولوجياً وبالتالي اقتصادياً عن سائر الأمم، مما يضطرها لاستيراد التقنيات والتكنولوجيا الحديثة بكلف مضاعفة، تدفعها الشعوب العربية من قوتها اليومي. فأمريكا مثلا رصدت في العام قبل الماضي 30 مليار دولار للبحث العلمي وهو يساوي مجموع ما ترصده الدول الأوروبية مجتمعة. وهذا ما دفع بالرئيس الفرنسي جاك شيراك للتعبير عن مخاوفه أمام البرلمان الأوروبي بشأن هذه الميزانية الكبيرة، والتي سوف تساهم في تعزيز وترسيخ مؤكد لموقع الولاياتالمتحدة في قيادة العالم اليوم اقتصاديا وعسكريا وعلميا والتي من الممكن أيضا أن تستميل (هذه الميزانية) معظم العلماء في القارة العجوز!. ويشير تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي إلى (أن البحث العلمي يعاني من شح الإنتاج، وضعف في مجالات أساسية، وشبه غياب في حقول متقدمة مثل المعلوماتية والبيولوجيا الجزئية. ويعاني البحث العلمي أيضا من انخفاض الإنفاق عليه وغياب الدعم المؤسس وعدم توافر البيئة العلمية المواتية لتنمية العلم وتشجيعه وانخفاض عدد المؤهلين للعمل في مجاله). وهذا الكلام ينطبق على جميع الدول العربية دون استثماء مع وجود بعض الفروقات البسيطة. وتدل مختلف الدراسات والتقارير المنشورة على أن حجم ما يُنفق على البحث العلمي في السعودية هو نحو واحد بالألف من حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وهذا الإنفاق يعتبر قليلاً جداً مقارنة بالمقاييس والمعايير العالمية ومقارنة مع ما تنفقه الدول المتقدمة كما ذكرنا أعلاه، وهو لا يتناسب مطلقا مع الإمكانيات البشرية للمملكة ولا يتناسب مع دور المملكة عربياً وإسلامياً التي من الممكن جداً أن تكون - بعون الله- مصدراً مهماً للتقنية. وهذا الأمر لم يكن أبدا غائباً عن بال حكومة المملكة الرشيدة. فمن هذا المنطلق أكدت السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة في أساسها الاستراتيجي الثالث أهمية وضرورة تهيئة الظروف لضمان قدرات البحث العلمي والتطوير التقني بحيث تلبي متطلبات وحاجات المجتمع من خلال وضع برنامج زمني لزيادة موارد البحث العلمي في مختلف المصادر (حكومي، خاص، هبات، منظمات ومؤسسات دولية، أو شركات أجنبية.... الخ) ليصل تدريجيا بحلول عام 1441 (2020) إلى قيمة 1.6% من الناتج المحلي للمملكة. لماذا توطين التقنية لا نقلها؟: من خلال دراسة تجربة البلدان المتقدمة والدول التي حققت أداء اقتصاديا باهراً في العقدين الأخيرين وخاصة دول (النمور الآسيوية) والصين والهند نجد أنها قد ركزت في مسيرتها على تكريس ما يُسمى بتوطين التقنية Technogogy adaptation (diffusion disseminaiton) بمعنى تكيفها للشروط المحلية ومن ثم الانتقال إلى مرحلة تطويرها وبالتالي إعادة تصديرها للخارج، وذلك بدلاً من نقلها فقط أو استعمالها. وإن كان قد اعتمدت في البداية على نقل التقنية أو التكنولوجيا Technogogy transfer، ومن الجدير بالذكر أن هذه البلدان قد حققت الكثير من الإنجازات العلمية والتكنولوجية خلال فترة قصيرة نسبياً، وهي تعد بحق قفزة نوعية كبيرة استندت إلى مساهمة أساسية من قبل شركات القطاع الخاص وباحتضان ورعاية الحكومات التي وضعت المنهجيات العامة والأطر القانونية والتنظيمية الكافية لخلق شروط مواتية أو تربة مناسبة لنمو غرسة البحث العلمي. وعليه فإنه من الواجب تشجيع القطاع الخاص لدينا على تفعيل مفهوم أو مصطلح (توطين التقنية) ليكون شعارا دائما لهذه المؤسسات لما لذلك من خير ومنفعة -بإذن الله- لهم وللوطن. إن العمل على توطين التقنية في البيئة المحلية يحافظ على ثروات الأمة ويحفظها في ظل الحديث عن امكانية نضوب الثروات الطبيعية، لا بل يزيد من رصيدها من خلال زيادة القيمة المضافة للمنتجات ومن خلال خلق الظروف المناسبة لسيطرة أبناء الأمة على مقدراتها والتعامل معها بأمانة. أما الاكتفاء فقط بنقل التقنية دون تطويرها فهذا يؤدي الى استمرار الاعتماد على الغير وبالتالي صرف المزيد من الأموال على استقدام هذه التقنية مما يحرمها من امكانية المنافسة ليس في الأسواق العالمية وإنما حتى المحلية نظراً لارتفاع تكلفة الإنتاج الناجم عن تكلفة التقنية المستوردة العالية. وللحديث صلة. * معهد الإدارة العامة بالرياض E-mail:[email protected]