قرأت الحلقة الثالثة من (لغة البادية) التي يكتبها الأستاذ الشيخ عبد الله بن خميس وقد لاحظت العبارتين التاليتين: فمثلاً قبيلة شمر، نشير إلى شيء من لهجتها: هي تقلب الهمزة (شيء) إلى نون فتقول شينا، وما وجد شين وما حظيت بشين. وهم يقلبون الهمزة من (ماء) نونا فيقولون: مان، وباء الجر المتصلة بالضمير يضمونها.. فيقولون ما به ماء. وملاحظتي على هاتين العبارتين من عدة وجوه.. الأول ورود كلمة (هي) في العبارة الاولى دون ضرورة إذا اعتبرنا جملة (نشير إلى شيء من لهجتها) جملة معترضة.. أما إذا اعتبرناها خبراً لمبتدأ هو (قبيلة شمر) فإن انسياب العبارة يتطلَّب وصل العبارة المبدوءة بكلمة هي بالعبارة التي قبلها بحرف الفاء. الثاني كلمة (شيء) بين قوسين وكان الاولى أن يسبقها حرف الجر (في).. وأن توصف الهمزة التي تقلب إلى نون بما يدل على وقوعها في آخر الاسم الثلاثي، أو بأي وصف يرى الأستاذ الفاضل تقييدها به، ويمكن أن توضع كلمة (شيء) بين قوسين كمثل على ذلك. الثالث - ضرب الأستاذ مثلاً بجملة (ما رأيت شينا)، ومع ثقتي في دقة الأستاذ وحسن استقرائه إلا أني أعتقد أن هذا المثل ليس سماعياً وإنما كان قياسياً.. والمعمول في اللغة وبخاصة فيما يتعلَّق باستقراء اللهجات على السماع وليس على القياس. ووضح أن عبارة ما رأيت شيئا، لا يمكن أن يكون معناها ما رأيت شيئا إلا إذا كان ذلك من باب إطلاق البعض واردة الكل كما يقول البلاغيون. الرابع: ضرب الأستاذ مثلاً على قلب قبيلة شمر الهمزة من (ماء) نونا بأنهم يقولون: مان بدلاً من ماء، وفي رأيي أن المثل غير دقيق إذ لو كانت في (مان) بدلا من الهمزة في ماء، لوجب أن تستصحب حكمها بأن تنون مثلاً عند اقتضاء التنوين فيُقال مان بكسرتين تحت النون بحيث تنطق الكلمة (مانن) وهلم جرا، ولا أظن ذلك وارداً في لهجة قبيلة شمر. الخامس: أورد كلمة مان بدلاً عن كلمة ماء على أساس أن الهمزة تقلب نوناً في لهجة شمر، ولا أظن أن اللهجة تقتضي مد حرف الميم وإنما تتطلَّب الغاء المد بحيث تصبح الكلمة (من). السادس - أورد الأستاذ مثلاً على ضم باء الجر في لهجة شمر عبارة (ما به مان) وإيراد العبارة مكتوبة بهذه الصفة دون ضبطها بالشكل، لا يوضح للقارىء الطريقة الصحيحة حسب لهجة شمر، هذا مع تكرار الملاحظة التي نوَّهت عنها في الفقرة السابقة عن مد حرف الميم من (مان). خلاصة القول إني أرجح أن قبيلة شمر وغيرها من القبائل التي تشترك معها في طريقة نطق بعض الكلمات لا تقلب الهمزة نونا وإنما تنقل حركة التنوين إلى الحرف السابق لحرف العلة في الكلمة نفسها، فهي بدلاً من أن تقول ماء (بفتحتين على الهمزة) مثلاً تنقل التنوين لحرف الميم فتقول ما بفتحتين على حرف الميم أو من بميم مفتوحة ونون ساكنة ولا تقول مان بعد الميم المفتوحة وكذلك بدلاً من أن تقول شيء (بكسرتين تحت الهمزة) تنقل التنوين إلى حرف الشين فتقول (ش) بكسرتين تحت الشين أو (شن) بشين مكسورة ونون ساكنة ولا تقول (شين) بفتح الشين وتسكين الياء أو بكسر الشين ومدها. وبعد: فإني أعترف أني لست من فرسان هذا الميدان، وإنما هي ملاحظات عابرة، ولكن كاتب الكلمة الأستاذ عبد الله بن خميس ممن نعتز بأدبه، ونستفيد بعلمه، ونطرب لشعره، ونحرص على أن يكون ما يصدر عنه على أصح وجه، لأنه من الثقات الذين يحتج بأقوالهم ويستند على آرائهم وترجيحاتهم.. فدفعني ذلك إلى تحرير هذه الملاحظات راجياً منه مزيداً من الإيضاح.. شاكراً له ذلك مع تقديري لأدبه وعلمه، اعترافي بفضله والله الموفق.