حرص الفقهاء والدارسون والأدباء على الاهتمام بظاهرة الجنس وعمدوا إلى تحليلها ودراستها من النواحي التي تحيط بها جميعا دراسة علمية تستند إلى شروط وقواعد معينة لها أساليبها وأجواؤها الخاصة تعبر في نهاية الأمر عن رؤى وتصورات ونشاطات تشكل حقيقة الإنسان. وأبرز الكتب التراثية التي تحدثت عن الجنس بصورة مباشرة أو غير مباشرة (طوق الحمامة) لابن حزم، (القيان) للجاحظ، و(نزهة الجلساء في أشعار النساء) للسيوطي، و(أشعار النساء) للمرزباني. ذكرت ذلك دراسة حول التربية الجنسية في الأسرة بين المفهوم والممارسة. وأشارت إلى أن الجنس حاضر فينا شئنا أم أبينا سواء اعترفنا بذلك أم لم نعترف به. ابتدأ تاريخ الانسان على هذه الأرض مع قصة آدم وحواء وبه تستمر الحياة، ولو تفحصنا أعماق أنفسنا لاكتشفنا من حيث ندري أو لا ندري أن الجنس يملأ حياتنا الجسدية والعقلية والنفسية إلا أننا نراوغ ونستخدم مجازات واستعارات متعددة المعاني والأغراض لنهرب من حقيقتنا الحاضرة الغائبة هذه الحقيقة التي بها نكون أو لا نكون ومن خلالها نستطيع أن نعثر على النسخة الأصلية للإنسان الأول فينا. تلك العلاقة الثابتة التي لا تقبل الشك أو المناقشة العلاقة الدالة على وجودها منذ أن وجد الإنسان على هذا الكوكب حتى أنها أصبحت تشكل عنصراً رئيسياً من عناصر الثقافة السائدة في أي مجتمع، إذ لا يمكن لأي ثقافة أن تهمل أو تتجاهل الأشكال الاجتماعية للرغبة الجنسية ولا سيما عند تنظيم الجوانب القيمية لهذه الرغبة أو بواعثها. ويذكر الباحث أنه حاول بما توفر لديه من مراجع ومصادر عن الموضوع وبما نتج عن تحليل معطيات الدراسة الميدانية أن تكون الكتابة في هذا الموضوع موضوعية ومفهومة لتعطي صورة واضحة وإلى حد بعيد عن الجنس والتربية الجنسية بما يسهم في تحسين الثقافة الجنسية القائمة وكيفية توظيفها توظيفا تربويا سليماً ولا سيما من قبل الآباء والأمهات باعتبارهم المعنيين الرئيسيين بوضع الأسس الأولى للتربية. وليس سراً إذا اعترفنا بأن غالبيتنا نريد أن نتحدث عن الجنس ونتعرف إليه ونعرف عنه الشيء الكثير لكننا نتهيب ذلك بل نخاف من طرح هذا الموضوع لكي لا نتهم بأننا منحرفون جنسياً أو مخالفون للقيم الاجتماعية الأخلاقية الخاصة بالجنس والتي تربينا عليها منذ الصغر وهذا يعود إلى جهلنا بحقيقة الجنس أو إلى شعورنا بعدم تقبل الآخرين لهذا الحديث وفي كلتا الحالتين نخادع أنفسنا ونخفي حقيقة مهمة تعيش معنا وهي أصل وجودنا. تشير بعض الثقافات إلى الجوانب الآلية للجنس بصورة خاصة وتعده وسيلة لاستمرار النوع بشكل أساسي أو لإشباع حاجات أخرى. ومن الثقافات ما ترى في الجنس منبعا عاطفيا وقيمة بحد ذاتها وإظهارا للأحاسيس والعواطف. ومعنى هذا أن الغرض من علاقتنا الجنسية هو إحداث عملية النمو والارتقاء ودفعها إلى الأمام، هو خلق مزيد من الأصالة والحرية والمسؤولية للإنسان وقد خلقت الطبيعة الرغبة الجنسية لتكون أداة لهذا الغرض العظيم وهذا هو سبب تأثيرها القوي في الإنسان وكم يكون هذا التأثير مدمراً للانسان إذا انحرفت هذه الرغبة عن مسارها الطبيعي بسبب ضغوط المجتمع. وبحسب الدراسة فإن النمو الجنسي وما يتبعه من نضج وجداني وعاطفي لا يتم بالصدفة أو تلقائياً وإن الممارسات والسلوكيات الجنسية السليمة لا تتم بفعل الضغوطات الاجتماعية والكبت المتلاحق للأحاسيس والمشاعر وإنما يتم ذلك من خلال التدريب الواعي لهذه الأحاسيس والمشاعر في إطارها الواسع وعبر مراحل الطفولة والمراهقة والتعامل الإيجابي مع المواقف الخاصة بالمسائل الجنسية بما يكفل إكساب الأبناء والبنات الثقة بالنفس والنظرة العقلانية الموضوعية إلى الجنس. والأسرة هي الأساس في هذه التربية إذ تتداخل فيها عناصر الحياة المختلفة وتتفاعل في إطار منظومة تربوية متكاملة وهادفة. فعندما يصبح الطفل كائنا اجتماعيا ويرتبط برفاق فإن الثقافة الجنسية سوف تتواصل عن طريق الوالدين والمربين والأطفال الآخرين، ولا يجد الآباء والأمهات وسيلة لاجتناب الثقافة الجنسية بسبب فضول الأطفال حول المسائل الجنسية وبصورة طبيعية ومن الأعمار المختلفة. وعلى الوالدين أن يقررا فيما إذا كانا يرغبان في التخلي عن مسؤولياتهما ويتركا التعليم الجنسي للغرباء أو أن يتعلما كيف يواجهان حاجات أطفالهما في هذه المسألة. وتفيد الدراسة أنه لو تفحصنا واقع العلاقة بين الوالدين والأبناء فيما يتعلق بالأمور الجنسية فإننا لا نجد على الأغلب أن ثمة علاقة إيجابية كما هي الحال في الأمور الصحية والاجتماعية والثقافية. بل نجد بدلا منها تجاهلاً وانعداما للمظاهر الجنسية والمعلومات الخاصة بها سواء أكانت عن قصد أم من غير قصد، بل إن غالبية الوالِدِين يتخذون مواقف التذمر والمواربة أو التهرب من مناقشة المسائل الجنسية مع الأبناء والأمر بلا شك في غاية الأهمية والخطورة ويستحق البحث والتدقيق والدراسة المستفيضة، وعلى رب العالمين الاتكال.