يقول الله سبحانه وتعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (110) سورة آل عمران، وقد جعل الله سبحانه وتعالى هذا التشريع العظيم من خصائص هذه الأمة المحمدية، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لصلاح المجتمع ودرء كثير من المنكرات واستنهاض النفوس إلى الخيرات. وحول هذا المحور العظيم في الدين -الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- ومدى ارتباطه بالمجتمع المسلم وكيفية تعاون الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع نسلط الضوء في تحقيقنا لهذا العدد من خلال جولة بين أصحاب الفضيلة لنتطرق للحكم الشرعي والنشأة وكذا مرجعية العمل الميداني في هذا الجهاز والكيفية التي تتواصى بها الرئاسة بمنسوبيها من حيث التعاهد والرقي المعرفي العلمي الشرعي والدور المؤمل من وراء الخطط التطويرية في الرئاسة، والآن إلى التحقيق. كلمات من الواقع في بداية التحقيق ذهبنا لاستطلاع آراء مجموعة من المهتمين بقيام هذه الشعيرة وتطوير أدائها في المجتمع لمعرفة مدى استشعارهم لهذه الأهمية فهذا محافظ محافظة النماص الأستاذ أحمد بن حسين الشريف قال: لا أدل على أهمية هذه الشعيرة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) والمؤسسة الدينية التي تمثلها (الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من حث القرآن الكريم والسنّة النبوية على إقامتها وتفعيل مضمونها من قبل كل مسلم ومسلمة. كما بين عميد كلية المجتمع في الباحة الأستاذ الدكتور حامد متولي أن هذه الشعيرة بالغة الأهمية ومن شروط الله سبحانه في تحقيق خيرية هذه الأمة. كما أكد عميد كلية الباحة الأهلية للعلوم الدكتور سعيد بن عطية أبو عالي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من منظومة حياتنا الدينية والدنيوية وهي جزء لا يتجزأ منها (نظاما وأسلوباً ونتيجة). كما بين وكيل المعهد العلمي بالباحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغامدي أن قيام شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع من الأهمية بمكان كيف لا وهي إحدى شعائر الإسلام الظاهرة وهي صمام الأمان للمجتمعات وبقاء الخيرية لهذه البلاد ودفع البلاء واللعنة وسخط الله بها كما جاء بذلك النصوص الشرعية فلذا بقاؤها من الضرورة بمكان كضرورة الماء والهواء. أما الأستاذ سلطان العنزي من مندوبية رفحاء فعبر عن أهمية قيام هذه الشعيرة بقوله: لا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهم جداً فهو الحياة ومجتمع لا تقوم فيه هذه الشعيرة يسوده الفوضى ويعمه الجهل ويكفي في هذا قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (110)سورة آل عمران. كما التقينا عدة أساتذة في المعهد العلمي في جازان حيث التقينا الأستاذ عثمان الحكمي الذي قال: إن القيام بهذه الشعيرة دعامة قوية لإصلاح المجتمع وتوجيهه الوجهة الصحيحة كما يجب التعاون للقيام بهذا الأمر ودعوة الناس للمعروف بالحسنى واللين، أما الأستاذ مهدي حكمي فبين أن رسالة الأمر والنهي مهمة جداً فهي رسالة الأمم جميعاً ولا غنى للمجتمع عنها. وقال الأستاذ أديب فقيه: من المعلوم أن المجتمع يوجد فيه الخير والشر والصالح وغير ذلك وهذا في كل المجتمعات، ومن هنا تتضح أهمية القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتكون سبباً في اصلاح المجتمع ولا شك في كثرة الآيات والأحاديث التي تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. في حين أبدى الاستاذ عبده عقيلي تعجبه ممن يجهل مكانة هذه الشعيرة وقال: لا شك في أن الأمة لا تكون في عافية إلا إذا قامت على أساس متين من شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمجتمع السليم المعافى هو ذلك المجتمع الذي يجعل من هذه الشعيرة قاعدة ومنهجاً يسير عليها. أما فضيلة الشيخ محمد المدخلي من صامطة فقال: لا غنى لأمة ولا لمجتمع ولا لفرد ينشدون السعادة عن هذه الشعيرة العظيمة كيف لا والله تبارك وتعالى قد جعلها من مميزات وخصائص الأمة المرحومة ونحمد الله أنها من أسس هذه البلاد المباركة ومؤسساتها الثابتة ويحرص على قيامها ودعمها ولاة أمرنا وهذا كله مما يدل على أهمية هذه الشعيرة ووجوب العناية بها حكاماً ومحكومين وأفراد وجماعات. من جانبه أكد الأستاذ إبراهيم بن يحيى أحمد من كلية العلوم الصحية في الباحة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأهمية بمكان وذلك لكونه امتثالاً لأمر الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم، وفيه حفظ الأمن، كما أن في قيامه حماية المجتمع من الأخطار والبلايا والفتن، ولكونه صمام الأمان للمجتمع كما في حديث السفينة المشهور. الحكم الشرعي وقبل الدخول في هذا الموضوع يتسنى لنا الوقوف على الحكم الشرعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخير معين لذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حيث بينت أن حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طبقاً لكتاب الله وسنة رسوله، والأحاديث والأثر المذكور، ومنهج السلف الصالح المتعلق بهما، وموقف الراعي والرعية منهما بقولها: إنه يجب على المسلمين أن يكون منهم جماعة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، قال الله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( (104) سورة آل عمران، وفي تحقيق ذلك صلاح الناس واستقامة أحوالهم، وتكون هذه الأمة كما أثنى الله عليها بقوله: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (110) سورة آل عمران. وعلى القائم بذلك أن يعظ قساة القلوب بما تلين به أفئدتهم، وتطمئن به أنفسهم، وتقبل على طاعة الله وعبادته، وأن يجادلوا من لديه شبهة بالتي هي أحسن، حتى يتبصر ويتبين له الحق، فيهتدي إلى الصراط المستقيم، قال الله تعالى: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) .سورة النحل. والمسلمون في ذلك درجات: منهم من يدعو إلى المعروف ويتعاهد التنفيذ بيده كولاة الأمور، العام منهم كالحاكم ونائبه، والخاص كالأب ومن يقوم مقامه، ومنهم من يدعو إلى الخير وينهى عن المنكر بلسانه، كالعلماء ومن في حكمهم، ومنهم من لا نفوذ له ولا سلطان ولا قوة بيان، فعليه أن ينكر المنكر بقلبه، وقد ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطلع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).فمن فرط فيما وجب عليه من ذلك أثم وكان فيه شبه بمن قال الله فيهم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80). تشريف شرعي وفي إطلالة هذا الموضوع يتحتم علينا أن نضع النشأة والتطور وعناية الدولة بهذا الجهاز موضع البحث حيث اتجهنا لسعادة مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأستاذ أحمد بن محمد الجردان الذي قال: إن هذه الشعيرة حظيت برعاية الدولة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله وأبنائه الغر الميامين من بعده، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل رسمي قائم على نظام وضوابط وقد حظي برعاية الدولة - أيدها الله - لهذه الشعيرة رعاية عظيمة جداً منذ عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي يرجع إليه الفضل بعد الله في نقل الحسبة من التطوع إلى التكليف من ولي الأمر فقد كان هذا من أولى الأولويات لديه - رحمه الله - في كل مدينة وقرية تدخل تحت حكمه. وأضاف: وقد واصل ابناؤه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد - تغمدهم الله برحمته - والملك فهد - أيده الله - دعم ومؤازرة هذه الشعيرة من بعده وقد صدر النظام الحالي للهيئة في عهد الملك خالد - رحمه الله - وعاش الفترة الذهبية في التطبيق في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله - وقد جاء في هذا النظام أن الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاز مستقل، يرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، كما نص النظام على أنه ينشأ في كل منطقة من مناطق المملكة هيئة فرعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يصدر تشكيلها بقرار من الرئيس العام يتضمن تعيين مدير عام ومساعد ويفتح بها العدد الكافي من المراكز في كل مدينة وقرية. وأوضح النظام أن اختيار الأعضاء والرؤساء وغيرهم يتم من ذوي المؤهلات العلمية المناسبة والمشهود لهم بحسن السمعة ونقاء السيرة، وألا يكون قد حكم عليه في جريمة تفقده السمعة والاعتبار وألا تكون حوله شبهات قوية تمس السمعة والاعتبار وأن تنهي الخدمة فيها بحدوث شيء من ذلك. كما أكد على أن أهم واجب الهيئات إرشاد الناس ونصحهم لاتباع الواجبات الدينية المقررة في الشريعة الإسلامية، وحمل الناس على أدائها، وكذلك النهي عن المنكر بما يحول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات شرعاً, أو اتباع العادات والتقاليد السيئة أو البدع المنكرة، وان لها في سبيل ذلك كله اتخاذ الإجراءات اللازمة، ونوه إلى أن لها حق المشاركة في مراقبة الممنوعات مما له تأثير على العقائد أو السلوك أو الآداب العامة. دون إفراط ويلقي البعض باللائمة على الجانب الميداني في تشكيل صورة هذا الجهاز ولبيان حقيقة هذه الجهود اتجهنا إلى أحد أهل الميدان فضيلة رئيس هيئة الرياض الشيخ صلاح بن ناصر السعيد الذي بيّن أن العمل الميداني هو وجه الرئاسة المشرق وصورتها الحقيقة التي تعبر عن عملها وأهدافها المستمدة من الشرع القويم لذا فإن رجل الهيئة العامل في الميدان ينطلق في أمره ونهيه من القواعد الشرعية وأصول فقهية تحكم تصرفاته وتضبطها بالضابط الشرعي دون إفراط ولا تفريط، فالمحتسب يقيم شرع الله آمراً بمعروف إذا ظهر تركه أو ناهياً عن منكر إذا ظهر فعله مستصحباً التعاليم الشرعية والأنظمة المرعية التي تمكنه من أداء واجبه فهدف المحتسب الأول هو إقلاع المخالف عن المعصية وامتثاله للطاعة، فالمحتسب يبذل الأسلوب الأمثل لتحصيل هذه النتيجة، ثم يأتي بعد ذلك الإجراء المناسب تجاه ما ارتكب المخالف من منكر أو ما ترك من معروف، مع اهتمام كبير وتغليب لجانب الستر دون تشهير أو فضيحة كما يظن بعض من لا يعرف عمل الحسبة، وتشهد بذلك احصاءات الرئاسة التي تجمع من كافة مناطق المملكة أن تسعين بالمائة منها أنهيت بالستر وأما ما يتعلق بالحدود كشرب الخمر والقذف فإنه يحال لجهات الاختصاص لإقامة الحدود فيها وأن غالب المخالفين سواء كبرت مخالفاتهم أو صغرت يعاملون وفق أوامر الشرع الحكيم رفقاً وليناً إلا من أبي فمن المعلوم أن هناك من أهل المعاصي من يعمل المعصية ويصر عليها، بل وينكر على من ينكر عليه دون خوف من الله أو حياء من خلقه ويذود عن معصيته بكل ما أوتي من قوة فلا شك أن مثل هذا لا منازع في أن استخدام القوة معه هو عين الحكمة ردعاً له عن منكره وإظهار لقوة الشرع وسلطانه على العباد. وقال فضيلته: وأود أن أشير هنا إلى أن مراكز الهيئة يرد إليها أعداد كبيرة من التائبين كانت الهيئة قد ألقت القبض عليهم أثناء ارتكابهم لبعض المنكرات أو تركهم لبعض الطاعات وكان القبض عليهم أو مناصحتهم أو استدعاؤهم بل حتى محاكمتهم أحياناً سبباً في هدايتهم ويقظتهم من غفلتهم وهذا من الشواهد المستمرة على عظم هذه الشريعة وأثرها في قلوب العباد. كما أود أن أوضح أن انتقاد البعض لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنها لا تستر كل شيء أمر مخالف للشرع والعقل فكيف بقضايا الحدود التي لعن فيها الشافع والمشفع وكيف يكون الحال مع أناس تمرسوا في المنكر واحاطوا بحيله الشيطانية في الايقاع بمحارم المسلمين وهتك اعراضهم وتدنيس سمعتهم وآخرون يوغلون في المنكرات حتى يتعدى شرهم غيرهم، هل يشملهم الستر الذي يستحقه من تاب وأناب وأظهر الندم والعزم على عدم العودة لما اقترف؟!! لا شك أن هذا التميز بين الناس جاء به الشرع المطهر الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ونتابع طرح هذا الموضوع في الجزء الثاني من التحقيق في الأسبوع القادم لنستكمل جوانبه. * إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر