كنت في مجلس صديق احترمه وأقدره ضمن مجموعة من الاصدقاء فتذاكر بعضهم احوال الدنيا حتى جاء احدهم على ذكر اقتراح احدى اللجان اليهودية بالكونجرس الامريكي الضغط على حكومة المملكة لالغاء هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما يقول المثل (سيرة وانفتحت) فما ان اتم ذلك الصديق قوله حتى اخذ كل واحد يسرد ما بلغه من الممارسات الخاطئة لرجال الهيئة وما لحقه هو شخصيا من بعض تصرفاتهم حتى تحول الحديث الى ندوة عن مثالب رجال هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وانا بينهم ارد على هذا وافند حجة الاخر لانه يحز في نفسي ان يساء الى رمز من رموز الاسلام يؤدي شعيرة من شعائر الدين امر الله بها في قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون) الآية 104 سورة آل عمران. وقد عجبت عجبا شديدا ان يذهب بنا الاعجاب بكل ما يأتي من الغرب الى درجة تأييد ماتدعو اليه ثلة من الصهاينة الذين لا يتناهون عن منكر فعلوه كما وصفهم القرآن الكريم مع ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل النبيين والمرسلين.. وطريق المرشدين الصادقين فكان امرا واجبا وشريعة ضرورية للمجتمع الانساني. والامر بالمعروف كما يقول الدكتور شوكت محمد عليان: (هو الامر بكل ما فرضه الشارع الاسلامي والنهي عن المنكر هو النهي عن كل مايخالف احكام ذلك الشارع فهو هنا اعم من المعصية.. اذ هو لايصدر الا عن مكلف في حين قد يصدر المنكر عن غير المكلف). ومما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال مامعناه: ان جماعة ركبوا في سفينة فقام احدهم الى فأس واخذ يضرب في مكان جلوسه ليخرق السفينة فلما قالوا له في ذلك قال: انما هو مكاني واني افعل فيه ما اشاء فان اخذوا على يده نجا ونجوا وان تركوه يفعل مايشاء هلك وهلكوا. فالأمر بالمعروف واجب الجماعة والافراد وجوبا. والامر بالمعروف او الحسبة نوعان: حسبة عامة تثبت لآحاد الناس ولا يحتاج ذلك الى امر من رئيس الدولة (او الحاكم) وهذا ماجرى به العمل في صدر الدولة الاسلامية. قال السيد محمود الالوسي: امر سبحانه وتعالى بتكميل الخير اثر امرهم بتكميل النفس ليكونوا هادين مهدين على جند اعدائهم الضالين المضلين ثم ثنى سبحانه بالامر بالمعروف واتبعه بالنهي عن المنكر من باب عطف الخاص على العام ايذانا بمزيد فضلهما على سائر الخيرات وبذلك يكون الخير هو الاسلام والمعروف طاعة الله والمنكر معصيته واتفق العلماء على ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات. وحسبة خاصة: وظيفة تلزم القائم بها دون غيره ومنشأ هذا اللزوم اذن امام الدولة وامره وتفويضه القيام بهذا الامر (ولولي الامر في هذه الحالة) ان يحدد صلاحيات المحتسب ومهامه وما يستحقه من زجر وعلى المحتسب ان يجتهد برأيه فيما يتعلق بأحكام العرف السائد دون الاحكام المتعلقة بالآراء الخلابة في الفقه فيقرر وينكر ما اداه اليه اجتهاده وعليه ان يكافح المنكرات الظاهرة وينكرها ويعمل على ازالتها الى جانب امره بالمعروف في هذا الجانب او ذاك وقد جاءت مهام المحتسب المندوب من الحاكم مفصلة في كتاب (الاحكام السلطانية لعلي بن حبيب الماوردي ص240 والاحكام السلطانية لابي يعلي بن الحسن الفراء ص284. فمن واجبات المحتسب المعين من قبل الدولة القيام بهذا الامر لانه اصبح في حقه فرض عليه يتعين عليه ان يؤديه.. وان يلتزم المنهج السمح الذي يتطلبه الترغيب في عمل الخير والترهيب من مزاولة الشر. وان يكون اسلوبه اسلوب الداعية الذي يهمه تأليف قلوب اخوانه المسلمين الى التعاون على البر والتقوى وان يتعامل مع الاخرين من حوله مبشرا بكل خير حاثا على المعروف ناهيا عن اقتراف كل منكر لحيازة ذلك الخير الموعود به المؤمنون وان يتبع الاسلوب اللين الذي يجتذب من وجه اليه الخطاب فيبادر بالاستجابة. وفي الجانب الآخر على الرئاسة العامة لهيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ان تختار لهذا العمل من يؤثق بقوة شخصيته واتساع معلوماته ومداركه وحسن منطقه بحيث يستطيع ايصال مايريده الى المتلقي بطريقة محببة تاركا اسلوب التعنت والاستعلاء والسلطوية التي تحوله الى نموذج استبدادي لايقبل التفاهم ولا المناقشة ولا يحسن الاقناع بل ليست لديه ملكة حسن المحاورة التي توصل في الغالب الى الفهم الصحيح لمقاصد الشريعة وان يكون اختيار اعضاء هيئات الامر بالمعروف في كل مدينة من ابنائنا المشهود لهم بحسن السير والسلوك ولهم المام ببعض الاحكام الشرعية وان يكونوا من ابناء البلد به أو الحي ممن لهم في نفوس من حولهم الاحترام والتقدير والا يقل سن العضو عن اربعين عاما ليكتمل له النضوج العقلي والانفتاح الفكري الذي يجب الا يكون قاصرا على تنفيذ الاوامل والتعليمات الادارية. ان انتقاص.. هيئة الامر بالمعروف وتعداد مثالب المنتسبين اليها سواء في المجالس الخاصة او العامة او على صفحات الجرائد والمجلات هو انتقاص لشعيرة من شعائر الاسلام وعلى الداعين الى الغائها ان يتذكروا ان تلك الدعوة هي احدى صفات اليهود الذين (لا يتناهون عن منكر فعلوه) كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز.