إن المتأمل للواقع يلحظ أن هناك تنامياً خلال السنوات العشر الأخيرة لفكر التطرف والإرهاب ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى الدولي أيضاً. وهذا ناشئ عن أسباب مختلفة ومتعددة تتغاير هذه الأسباب وتتباين بحسب كل بيئة أو منطقة ينشأ فيها هذا الفكر الهدام. إن الممارسة الإرهابية -الظالم أهلها- لا شك أنها تعد بمثابة بادرة احتجاجية على قضاء الله وأقداره. والله -عز وجل- يبتلي عباده بحلول الفتن ووقوع المصائب والأزمات ليتبين الصادقين من الذين نافقوا وليمحص الله الذين آمنوا المستقيمين على شرع الله والمحافظين على حدوده وأوامره. والرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أنه في آخر الزمان تكثر الفتن وتتنوع، وأعظم الفتن هي أن تكون في الدين. والفتن لها إرهاصاتها المعروفة والشرارة التي تنطلق منها. والاختلاف في الرأي والاجتهاد لا يمكن أن يؤدي إلى الفتن أو يكون مورثاً للفرقة إلا إذا صاحبه هوئي او بغي. وما ابتليت الأمة بشر أقبح ولا أعظم من تفريق الكلمة وشق عصا الطاعة على ولاة الأمر من الحكام والعلماء. ويبرر أولئك أعمالهم الإجرامية بكفر ولاة الأمر من الحكام والعلماء ويطلقون ألسنتهم بذلك من غير فقه أو فهم صحيح للنصوص الشرعية والتي جاءت كلها محذرة من هذا الفكر الأعمى والفهم الخذول والمرذول غير المقبول، كما حذرت النصوص الشرعية من الاختلاف على الولاة أو نزع الطاعة من أيديهم لقوله -صلى الله عليه وسلم- (من نزع يده من طاعة لم يكن له يوم القيامة حجة)، وقال -صلى الله عليه وسلم- (من أتاكم وأمركم جميعاً على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه). ولا شك أن مما يسبب الفتن ويذكي نارها ويؤجج شررها الإفراط في الدين والغلو فيه بل هو أعظم من المعاصي الشهوانية كما قال عليه الصلاة والسلام (إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم). ان العلاج الناجع في ظني من هذا الفهم السقيم والفكر الذميم لدى الشرذمة الساقطة إنما يكون بالتوعية الإسلامية الرشيدة، وهذه لا يتقنها إلا العلماء السلفيون الربانيون والذين يجعلون منطلقهم في أمر إرشادهم للخطة ووعظهم من منطلق الرسل الكرام والأنبياء العظام الذين أرسلهم إليه دعاة للخلق ومعلمين للأنام. فذلكم المنطلق الأمين هو الوحي الرباني الذي تسربه القلوب وتشفى بأمر ربها من أمراض الفتن والشبهات وتخلد النفوس للطمأنينة والاستقرار وتحفظ القلوب من الحيرة والتخبط في مهاوي الردى والهلاك. ومتى لم تجد الوسائل الشرعية والأساليب الوعظية في هداية الذين يبغون بغير الحق وينشرون في الأرض الفساد فإن الله -عز وجل- سوف يضع النفع كله بسيف الحق والذي وضعه من صلاحيات الحاكم المسلم والسلطان العادل الذي يحكم بشرع الله. وقد جاء تبيان ذلك الأمر في حديث طويل والذي منه (ولتأخذن على يد المسيئ ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض أو ليلعنكم كما لعنهم..) الحديث. أسأل المولى -عز وجل- أن يحفظ لنا ديننا وأمننا وحكام بلادنا وعلماءها الأجلاء وأناسها الأخيار.