حذر فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من الغلو الذي هو أول سبب لوقوع البشرية في البدع والشرك , وأول سبب في افتراق الأمم , وأول طريق سلكه أهل الأهواء والبدع والشقاق والشرك والنفاق بالخروج على منهج الأنبياء . وأوضح فضيلته – في محاضرة ألقاها يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر رجب 1433ه بعنوان : ( الغلو وأثره في العقيدة وأمن المجتمع ) ، وذلك بجامع الملك فهد بالباحة ، في إطار الجهود الدعوية والإرشادية لمعرض (كن داعياً) والمقام حالياً بمنطقة الباحة أن الغلو في اللغة هو تجاوز الحد عن الخروج عن حد الاعتدال والغلو في اللغة التشدد والتنطع , كذلك في مفهوم الغلو العام هو الطيش ، يقال : غلى القدر إذا طاش وكذلك الزيادة الفاحشة في كل أمر. وأضاف الدكتور العقل أن الغلو شرعاً هو التشدد في الدين والخروج عن الاعتدال في الاعتقاد والقول والعمل أو هي معاً وهو الغالب ، ولذلك جاء في الكتاب والسنة بالنهي عن الغلو بأنواعه ، مشيراً إلى بعض الأنواع المفصلة للغلو ، فالغلو في الاعتقاد يشمل الغلو في العبادات ، والغلو في العقيدة بمعنى الأمور الإيمانية ولعله يتضح الغلو في العبادات أكثر ، فمثلاً التزام الصيام ابد الدهر وتعبده هذا غلو ، وترك المباحات تعبداً هذا غلو ، وكذلك قيام الليل كله تعبداً بالدوام دائماً هذا غلو ، فالغلو في العبادات ناشئ عن الغلو في الاعتقاد . وقال فضيلته: إن الغلو في الاعتقاد يتفرع عنه النوع الأول وهو الغلو في الأشخاص ، وهو أشد وأضر أنواع الغلو عن الأمم على مدى تاريخ البشرية ، وهو البذرة للغلو في تاريخ الأمم فالغلو في قوم نوح في الصالحين منهم حتى عبدوهم من دون الله فجعلوهم أوثاناً ، وهم الذين بعث فيهم نوح عليه السلام فهو أول شرك بعد آدم ، فآدم عليه السلام كان على التوحيد والاعتدال ، وكذلك ذريته الأولى ، وسارت على هذا التوحيد والفطرة أجيال ، ثم تدرجت الأهواء ومكائد الشيطان بالناس حتى غلو بالأشخاص . وأضاف الدكتور العقل أن من الغلو وهو فرع عن الأول وهو الغلو بالأحكام ، لأن من غلا بالاعتقاد غلا بالأحكام ، وأن الغلو في الأشخاص بذوره في الباطنية الذين سموا أنفسهم الشيعة من قبل من أسسوا هذه المذاهب الضالة هذا من الكيد ؛ ليخف النظر إليهم كأنهم شيعة شايعوا لصاحب حق بزعمهم وهو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - , نعم هو صاحب حق لكنهم أرادوا الباطل فغلوا في علي - رضي الله عنه - وغلوا في أهل البيت . وأشار فضيلته إلى أن من عبر التاريخ وجد أول غلو هو الغلو في الأشخاص ، والغلو في الآراء والأحكام , والغلو في الأشخاص ، ابن سبأ في المؤجرين من أبناء الفرس والمجوس ,لأنهم ورثوا ديانة تقوم على تدنيس الأشخاص ، والفتك بالمخالف ، ولذلك كل الفرق المجوسية إذا هيمنت فرقه منها تضطر الفرقة الأخرى إلى أن تنافق وتشتغل بالتقية , لأن الفرقة الأخرى تصفي الخصم . وقال الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية : إن الاعتقاد في الأحكام بدرة ابن سبأ وأجندته في أبناء الأعراب الذين لم يتفقهوا بالدين , ومن هنا يقع النوع الثاني وهو الغلو بالأحكام وينتج عن الأمرين الغلو بالمواقف ينتج عن الغلو بالأشخاص والغلو بالأحكام (التكفير) ينتج أمور عجب أخطرها الغلو بالمواقف ، وضرب مثلاً على ذلك الشاب الوديع الحبيب الطيب بمجرد مايسمع شريط ساعة أو ساعتين أو يرى مشهد من مشاهد الغلو ينقلب إلى عدواني ، وهذا الغلو في المواقف ، فالغلو في المواقف هو الأشد، وهو الذي يجب أن يركز عليه الدعاة والمصلحون في الذين ابتلوا بمواجهة مثل هذه الأمور. وذكر الشيخ الدكتور ناصر العقل أن الله تعالى يقول عن أهل الكتاب : { لا تغلو في دينكم غير الحق } فالتزام الحق ليس بغلو ، بل هو الاعتدال بمنهاج النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهاج الصحابة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر الخوارج ونكايتهم بالأمة ، لما ذكر الخوارج المعاصرين المتأخرين في حديث البخاري : (يخرج في آخر الزمان أناس حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية ، قال في آخر الحديث : فإن لقيتموهم فاقتلوهم) ، فالمؤمن لا يغبطهم على المواقف ، بل يغبطهم على العبادة ، وإن كانوا تشددوا في العبادة لكن بعضهم قد يكون معتدل في العبادة ، مبيناً أن الرجوع للدين هو إنشاء الأجيال ، أجيال المسلمين على الاستقامة والاعتدال لا بالعنف. وأكد فضيلته أن القاعدة فيما يتعلق بالتعامل مع مشكلات الأمة وما يحدث من الأعداء أو من داخل الأمة من مفاسد هو الرفق , النبي صلى الله عليه وسلم قال( ما كان الرفق في شئ الازانه ولا نزع من شي الإشانة ). وقال فضيلته أن أعظم فتنة هي التي تستهدف الأمن ، لأنه يضيع فيها الدين والدنيا يتسلط الفسقة والفجار وأعداء الأمة في الداخل يتسلطون على الأمة بسبب وجود العنف ، مبيناً أن أبرز سمات وخصائص الغلو والذي هو العنف أنهم حدثاء الإسلام يعني صغار من الخوارج الأولين , وثانياً سفهاء الأحلام سريع الانفعال استغل عواطفه للانحراف إلى العنف ويقولون من خير قول البرية يعني كل أصحاب الغلو عندهم نزعة تدين وهذا معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم يكونون من خير البرية , وزاد من صفاتهم أنهم يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم . وأكد الدكتور ناصر العقل أن الضرورات الخمس لا تقوم إلا بالأمن ، وهي حفظ النفوس والأرواح ، وحفظ العقول ، وحفظ الأموال ، وحفظ الأنساب ، ومن السمات أيضا قلة العلم ، وعدم الرجوع للعلماء ، وإسقاط المرجعية ، وقلة التجربة ، والخوض في مسائل الكبار ، مبيناً أن علاج الغلو هو التبصر وننظر في شأننا ولا ندخل من ليس من أهل الاختصاص في هذه القضايا الكبرى , فنحن أمة ذات رسالة وخاصة هذه البلد . وشدد فضيلته على أنه يجب على المثقفين وأصحاب الفكر والدعاة وأصحاب الرشد أن يرشدوا الناس يعلموهم أننا نحن أمة لنا دين وكيان يجب أن نربي أجيالنا على منهج التعامل مع الدولة ، ورعاية البيعة ، ورعاية السمع ، والطاعة بالمعروف ، ورعاية الأمن موجود هذا في مناهج التعليم ، والتعامل مع العلماء والوالدين والأسرة ، وهو من الثوابت التي من أعظم نعم الله علينا والتي يجب أن نحافظ عليها والتي تقلق الأعداء بالداخل والخارج. وذكر فضيلته بعض الوصايا التي يجب إن نتواصى بها كتحقيق المرجعية بالمعنى الشرعي الدقيق ، وهي نوعان ، نوع : ما يتعلق بأمور الدين ومصالح الأمة الرجوع للعلماء وقضايا الأمن والنظام ، والحفظ على كيان البلد سياسياً واقتصاديا وأمنياً ، ويجب أن تكون الدولة والجهات المسؤولة هي المرجع ، وهذا معنى السمع والطاعة بالمعروف ثم معاقد العز نتائج ذلك كله البيعة لولي الأمر ، والحفاظ على ثوابت المجتمع والتي يكون بها عقد النظام وأولها الأمن فيجب أن يكون كل واحد منا رجل أمن , نحققه فيما بيننا وأن نجتمع مع ولاتنا وعلمائنا على معاقد العز الكبرى الثوابت الكبرى والدعاة للعلماء والحكام بالخير والصلاح . وفي ختام محاضرته ، سأل الله فضيلته للجميع التوفيق والسداد ، وفي نهاية المحاضرة أجاب فضيلته على أسئلة الحضور ، وبعد ذلك تسلم درعاً تذكاريا من فضيلة الوكيل المساعد لشؤون الدعوة ونائب رئيس اللجنة المنظمة للمعرض الشيخ عبدالرحمن بن غنام الغنام .