بدأت طلائع الحجيج تتوافد من أقاصي بلدان المعمورة قاصدة بيت الله الحرام مهبط الدعوة تائبين متجردين من كل ثيابهم إلا ما يستر عورتهم؛ ليطهروا أنفسهم من الذنوب التي ارتكبوها. وما الحج إلا ينبوع السلامة، تبرد عليه الأكباد الصادية، وتأنس فيه الروح إلى موضع الوحي ومنشأ العقيدة الإسلامية. والحج صورة مصغرة عن اللقاء الأكبر الرهيب يوم الحشر. وموعد المسلمين في أقطار الأرض على (عرفات) يتصافحون يتحابون ويتألفون حاسري الرؤوس خاشعي النفوس. وفي هذا الموقف العظيم يتساوى الغني والفقير، والعظيم والبسيط، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، رافعين إلى الله دعوة واحدة وكلمة واحدة (لبيك اللهم لبيك)، فتصعد بها النفوس المؤمنة إلى السماء كصعود العطور من نوافح الروض، يذكرون في هذه البقعة المقدسة وفي هذه الساعة الموعودة كيف اتصلت هنا السماء بالأرض ونزل الدين على الدنيا. ويحس المسلم بضعفه وعجزه فيرفع يديه إلى الله طالباً العفو والمغفرة والمثوبة الحسنة، وما هو إلا مؤتمر إسلامي عام يؤلف بين القلوب في وحدانية الله ويقويها بالإحسان ويوثقها بالتضامن والإخاء والمحبة، وفي كل بقعة من بقاع الحج أثر للتضحية ورمز للبطولة وإيحاء بالعزة وحفز على السمو وحث على التحرير.. فحجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً.