كتب إليَّ منذ (اثنتين وعشرين سنة) وكنت يومها في السادسة والخمسين في وظيفة حساسة جداً.. كتب إلي: (أنت قريبي ووالدك والدي ونحن إخوة ولوالدك علي فضل حال الطفولة، وقد وردكم معاملة برقم (....) في: (...) كم آمل منك متابعتها وإخباري.. الخ) لكنني لم أرد بل لم أشأ أن أرد لا أدري هل هو حسد له؟ فقد كان بارعاً واصلاً متمكناً من العلم والشعر.. هل هو الكبر وغرور المركز الدوار؟ هل هو عدم المبالاة..؟ لكن لعلها كلها مجتمعة فيَّ ولدي في مراكز مرموقة وحالتي.. المادية فوق المتوسط بكثير.. عمائر وبيت فخم واستراحة ومال لكن ثم ماذا..؟ جلوس في البيت وتسلية نفس وأيضاً ضحك مني على نفسي كيف لم أجب على خطابه ورجائه لي، وهناك آخرون أهملتهم وأنا في ذلك الوقت شبه منقطع عن كل زيارة بحجة شيطانية العمل العمل العمل. لكن ما ضر بي أن ذلك القريب علا بعلمه عالياً وشعراً وتأليفاً، ليتني فعلت ما طلب فكيف أتخلص من هذا الشعور على كبر سني..؟ س. ع. ع. ص. الرياض - جميل منك هذا أن تدرك خطورة عمى المركز عن حقيقة وفقه الواقع والحياة معاً ويبدو لي أنك لم تقرأ التاريخ أو لعلك ضعيف الثقافة بحكم طغيان الوظيفة وحساسيتها كما تقول، وأنت ذو نزعة مركزية فقيرة في ذاتها غنية في الجور ظاهراً ولهذا لو طلب منك أحد ترجوه أو تخافه وأنت أنت في ذلك المركز للبّيت طلبه بأوسع الحيل، وهذا من حيث التحليل النفسي أعماك عن فقه المستقبل فضربت صفحاً عن: الشهامة والنخوة فكان من حق مثلك الآلام النفسية كيف لم أفعل؟ ليتني فعلت. ماذا جرى..؟ هل أنا أعمى.. هل.. وهل.. ومع أنك ذو ولد ومال وعقار لكنك في حال تأنيب ضمير عريض. يا أخ س. ع. ع. ص أنت تبالغ جداً في الحساسية والتفكير بمردود عدم الإجابة على خطاب قريبك ولعله قد نسي ما جرى منك من عقوق وتكبر وغرور.. لعله قد نسي فلماذا تشغل بالك به؟ ولماذا هذه الحساسية المفرطة..؟ هل تستطيع اللقاء بذلك القريب..؟ هل يمكن أن تراه..؟ افعل ذلك وتذاكرا معاً بعض الأخبار عن الأدب ولو بشكل عادي والشعر ولو كان عامياً ولا بد على الأقل أنك تحفظ بيتاً أو بيتين أو ثلاثة ثم ادخل معه مباشرة بقضية عملك السابق المرموق وكم جلست فيه وكم عانيت فيه، ثم تذكر أنه قد بعث إليك خطاباً لكنك كنت مسافراً مثلاً في إجازة طويلة مع لجان مهمة وإلا فخطابك تقول له هو خطابي لكن ما صرفني عنه إلا ما جرى ولولا محبتي لك وودي والأخوة بيننا ما ذكرت لك هذا بعد هذا العمر، وما دام كما تقول عنه عالماً شاعراً فلا بد أنه ذو نزعة أريحية ممتازة وسوف يتبدل شعورك تجاه نفسك أنك كنت ذا حساسية مفرطة وأنه ذو خلق وأدب لا جرم فلعلك تفيد ولدك ومن حولك بضرورة ضربات الله بسبب الكبر على الخلق فانظر كيف نزلت أنت؟ وهو لم يزل في العلو وسعة الحياة علماً وأدباً. لكن لعلك في ذلك الحين أقول لعلك: قد استغلك غيرك لتكون في (المواجهة) فيستغلك (آخر) لتكون ورقته ففتش عن هذا..؟ فقد تكون أنت ضحية بنفسك بنفسك من خلال ذلك (العمل) الذي جعلك واجهة لمن صنعك حتى إذا سارت الحياة لتلك ففتش عن هذه الحالة لتستفيد وكن فطناً. انقطع إلى العبادة ودوام الذكر وقراءة مثل: 1- (سير أعلام النبلاء). 2- (زاد المعاد). 3 - (بدائع الفوائد).