بعد ظهر الاثنين الفارط 29-11-1425ه جاءني صوت الصديق العزيز محمد عبد الله الحسون (أبو فهد) عبر الهاتف ينعي بأسى وتأثر وحسرة وفاة فقيد الجميع وبقية الرجال الكبار ممن عاصروا البدايات في تأسيس الجمارك والماليات انه العم الشيخ إبراهيم بن محمد الحسون الذي غادر الدنيا الفانية بعد حياة طويلة شريفة كلها كفاح وكدح وإخفاق ونجاح. إن غياب الكبار وإن امتدت بهم الأعمار يعد خسارة فالناس تحتاج في هذا الزمن إلى القدوة والمثل، عرفت الفقيد الراحل منذ كنت يافعا بالطائف وقد ذكرت ذلك وأشرت إليه مفصلا في كلمة نشرتها بعد أن أصدر كتابه السفر الجامع (خواطر وذكريات) في ثلاثة مجلدات. عاش الفقيد الراحل خمسة وتسعين عاماً قضى أكثرها في مواجهة صعاب الحياة وقسوة الظروف وشح المال وقلة الأعمال، وقد عبر عن كل ذلك وفصله تفصيلاً في كتابه الذي احتفلنا بصدوره قبل عام من رحيله وهكذا شاء الله تعالى ألا يغادر العم إبراهيم الحياة الدنيا إلا بعد أن اطمأن إلى تحقيق واحد من أحلامه الكبار، ليس في مقدوري الآن أن أختصر حياة الفقيد الطويلة والمليئة بالتجارب والمفاجآت المفرحات المبكيات. نعم ليس باستطاعتي ذلك فحياة الرجل غنية بالتجارب كبيرة بالتضحيات فراجعوا خواطره وذكرياته. لقد شق عليّ نعيه وأحسست بفراغ لفقده وإن كان في أواخر حياته قد احتجب لظروف صحية يمر بها أمثاله. لقد استدارت بي الأيام واستدعيت الذاكرة واسترجعت الذكريات ورأيت كيف تمر الشهور والسنوات، يا الله أهكذا ونحن وهكذا سنصير ونمضي فرحمتك نرجو ونأمل. شعرت بالغصة وسالت من العين دمعة على الكبير الراحل لأن رحيل هذا النمط من الرجال هو غياب للمثل والقدوة والنموذج والأسوة: إن فقد الكبار رزء عظيم ليس فقد الرعاع والأرذال لقد مضى إلى رحمة الله وغاب عن مسرح الحياة رجلٌ عرفت فيه الاهتمام بالأقارب والأصدقاء والسؤال بحفاوة عن الأمور والأحوال ليطمئن ويرتاح لا ليتدخل ويتطفل، رحم الله العم إبراهيم فقد كان يسألني كلما تشرفت بزيارته في منزله بجدة أو صادفته في محل أو محفل (هيا قل لنا أيش أخبار الكتب والأدب يا وجيه؟) هكذا بلهجة شعبية أبوية محببة للاذن النفس والقلب والحسن، كان يحب العلم والثقافة ويهوى المطالعة والقراءة وقد جمع مجلدات من المطبوعات ونوادر من الكتب والمخطوطات وقصته معها ترونها في خواطره وذكرياته، ألم أقل لكم من قبل إن هذا الكتاب سيرة حياة ومسيرة جيل وترجمة لعمر طويل. كان رحمه الله لطيف المعشر طويل القامة حسن المظهر طيب السيرة مأمون السريرة يحفظ الكثير من القصص والأشعار والحكم والشواهد انه أديب في ثياب تاجر وروائي في أهاب إداري، لقد تقلبت به الحياة عبر قرن وعركه الزمان وعارك الحوادث مثل أبناء جيله الذين عاصروه ومن هنا يكبر حزننا ويعظم مصابنا في هذا النوع من الرجال لا تقولوا تشاؤم كاتب بل واقع حال مشاهد. وقد رأيت البعض من الكتاب يعتقد ان فقد كبير بعد عمر طويل لا يثير الحزن لانه استوفى نصيبه في الحياة وأدرك حظه من الدنيا وما علموا أن الحاجة إلى الكبار في زمننا هذا لها شأن ومعنى ومن هنا التفت إلى ذلك الشاعر الحكيم حين قال: يجل الخطب في رجل جليل وتكبر في الكبير النائبات نعم لقد ذهب منا بالأمس شيخ جليل وغاب عنا إلى الأبد كبير محبوب فلتظلل قبره سماء الرحمة وتمطره سحائب الغفران.