بالأمس ودعنا شيخان ليس بين الأول والآخر سوى يوم واحد فقط!! هما شيخان بلغا الثمانين من العمر.. الشيخ محمد بن ابراهيم الدايل مؤذن مسجد الحزم بمرات، كان ورعاً وقوراً رحمه الله، وخلف أولاداً كما هو في الطيبة وحسن الخلق وهذا عزاؤنا فيه.. كذلك شقيقه (أبو عبدالرحمن) الشيخ عبدالعزيز بن ابراهيم الدايل، هذا الشيخ الجليل الذي لازم المسجد سنوات عمره - رحمه الله - فقد قبل سنوات ابنه الثاني وأضناه الإعلام.. وعاش بآلامه وإيمانه صابراً محتسباً يرحمه الله.. كان مكتبة شعبية من قصص الماضي الذي عاشه وعاصره زمن شظف العيش وقلة الأمن قبل الموحد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كان أبو عبدالرحمن عندما يروي تلكم القصص للعبرة وإكثار الشكر لله سبحانه وتعالى وهكذا كان يأمرنا رحمه الله. وبعدهما بأيام قلائل رحل الاثنان وهما الشيخان عبدالرحمن بن حمد الدايل والشيخ عمدة مرات سابقاً سعد بن عبدالرحمن الدايل وكان بين هذا وذاك يوم واحد فقط أيضاً. بفقد أولئك الرجال في هذا الزمن الصعب.. زمن القطيعة والاكتئاب.. زمن الماديات.. نكون قد خسرنا أولئك الطيبين الذين خلفوا ولله الحمد أولادهم من الطيبة وحسن الخلق ما هو ظاهر للعيان ولله الحمد.. الشيخ عبدالرحمن بن حمد الدايل كان ملازماً للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ما ينيف على الخمسين عاماً مرت كحلم ليل مرّ على قارعة النسيان.. وكان شاعراً فحلاً رحمه الله.. رجل اعتزل الدنيا وطلب الانقطاع إلى الأعمال الصالحة فليرحمه الله ويسكنه فسيح جناته.. كذلك عمدة مرات سابقاً.. وجارنا الغالي (أبو عبدالرحمن) سعد بن عبدالرحمن الدايل.. كان جزءا منا ومن ذكرياتنا.. بدكانه الطيني العتيق الذي ما زال يقاوم التعرية والنسيان شامخاً كما هو جبل كميت.. كان وشماً في ذاكرتي منذ طفولتي وصباي وشبابي حتى انتقل إلى دكانه الأسمنتي الذي ليس ببعيد منا أيضاً.. ومنزله القريب أيضاً من منزلنا.. كيف لا أحزن على فراق رجل مثل هذا الشيخ التقي الورع الذي لازم مصحفه في الهزيع الأخير من العمر.. حتى أنك لو تجلس الى جانبه أمام دكانه وتتحدث معه يجيبك ويسألك عن الحال ومن ثم يتجه لمصحفه الذي في يده ويواصل القراءة حتى بلغ المائة عام رحمه الله. كان (دكان سعد) لدي بل لدينا أبناء الحي.. ومن ثم (دكان العمدة) وهكذا تمر السنون وتتبدل الأسماء وتبقى الطيبة ملازمة للرجال الأوفياء حقيقة.. لقد أثر في حياتي كثيراً من خلال اعتزاله الدنيا والنظر إلى تلكم الدنيا الفانية على أنها حقيقة دار فناء (وأنها لا تسوي زعل أو حقد أو ضغينة) نعم إذا لمحت هذا الرجل هذا الشيخ الوقور يتكئ على جدار دكانه في (مشراق) الصباح أو العصر ممسكاً بمصحفه.. صغرت في عيني الدنيا والفيت أن مشوار الحياة قصير ولا يستاهل منا هذا الركض. أتذكره - رحمه الله - أيام كان عمدة قبل تقاعده إذا جئنا نلهث بوريقاتنا (ليختم) ويوقع عليها.. نسلم عليه مقبلين رأسه ويسألنا عن أحوال الوالدين والأخوان ونحن بهذا نستمتع بهذا السؤال.. فينجز العمل وهو يتحدث معك بكل طيبة. وبعد تقاعد هذا الشيخ (شغرت) هذه الوظيفة ولم ترق إلا له - رحمه الله - فبقيت شاغرة حتى اللحظة!! هكذا هم الرجال الأفذاذ يرحلون ويتركون فراغاً ليس بهين، يرحلون ويتركون فراغاً في قلوبنا وأنظارنا ولكننا نستزيد القلوب حباً ودعاءً لهم.. أربعة من الشيوخ الأفاضل الذين أثروا في حياتنا طويلاً يرحلون بصمت ويتركون لنا الدمعة والطيبة والشهامة.. رحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته إنه سميع مجيب وإنا لله وإنا إليه راجعون.. والله المستعان.. يقول (نديم كميت): لا والله إلا راح ربع وفيين أهل الشهامة والكرامة والإحسان أهل الوفا والطيب وأيضاً هل الدين ذكر الولي دايم على لسانهم زان يا شين فرقا اللي من الناس غاليين قروم الرجال اللي بهم طيب وإيمان راحوا وخلونا حسايف خليين في جنة الفردوس منزل ومسكان في جنة الفردوس روح ورياحين يا رب تجمعنا بهم والعمر فان