* حلقات يكتبها: - عبدالعزيز بن محمد السحيباني : نستعرض اليوم أبرز أسماء العلماء الذين نبغوا في عدد من العلوم ، كما نستعرض جانباً من تاريخ نشأة التعليم. التعليم كان التعليم في السابق في الخبراء والسحابين يعتمد على الكتاتيب ، وهو التعليم الذي كانت تعقد حلقاته في المساجد ويقوم به عدد من طلبة العلم المحتسبين ، كما كان يتم في بعض المواقع أو المنازل التي تعارف الناس عليها ، وهي عبارة عن تعليم حروف الهجاء وقراءة القرآن ومبادئ اللغة وبعض دروس الحساب والحديث والتفسير .. وقد كان الأهالي يلحقون أولادهم بهذه الدروس حرصا منهم على تعلم أمور دينهم ودنياهم ، على الرغم من شظف العيش والكدّ والكدح الذي يتطلبه توفير لقمة العيش لهؤلاء ، كان جميع هؤلاء الطلاب تقريباً يعملون في الزراعة ، وكانوا يلتحقون ببساطة بدروس الكتاتيب بدون أي أوراق أو تسجيل ، ومن يختم جزء عمّ منهم يحتفل به وسط الزغاريد والأهازيج .. حياة كانت كلها بساطة في هذه القرية الهادئة الحالمة التي يحتضنها وادي الرمّة وكثبان (قطع الثغب) ، وهو منقطع الرمل في وادي الرمّة .. ونظراً لأن هذه المدينة كانت قرية مشهورة في السابق فقد برز منها في القرن الماضي والذي قبله (القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجري والرابع عشر الهجري) عدد من العلماء وطلاب العلم من علماء وقضاة ، شاركوا في تعليم أبناء الخبراء وتدريسهم قبل بداية التعليم النظامي بعشرات السنين ومنهم: 1 - محمد بن عُريْكان : ويعتبر هذا العالِم من أكثر علماء المملكة شهرة خلال أواسط القرن الثاني عشر الهجري ، نظراً لنبوغه في عدد من العلوم. ويقول عن هذا الدكتور محمد السلمان في كتابه (الأحوال السياسية في القصيم في عهد الدولة السعودية الثانية) : بعض علماء القصيم نبغوا في علوم أخرى غير العلوم الشرعية كالحساب والفلك بأنواعه من الهيئة والاسطرلاب ، وذلك مثل الشيخ (محمد بن إبراهيم بن عريكان) من الخبراء. كما ترجم له مؤلف (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة) الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد فقال : (محمد بن إبراهيم بن عريكان ولد قبل الثلاثين والمائتين في بلد الخبراء ، من بلدان القصيم ، وتربى عند خاله الشيخ عبد الله بن فايز ، وقرأ عليه القرآن والفقه والتفسير ويسيراً من العربية ثم سافر إلى سوق الشيوخ ، فقرأ على علامة زمانه الشيخ محمد بن سلوم وولديه الفاضلين عبد اللطيف وعبد الرزاق ، وهو قد بلغ أو لم ، وكان يتوقد ذكاء وله همة عالية ، في تحليل أنواع العلوم ، ثم رجع إلى عنيزة ولم يقنع من التعلم ، فسافر إلى مكة المشرفة ، وتتلمذ لمشهورها ذلك الزمن الشيخ عبد الله سراج الحنفي في الفنون ، فوجد الشيخ قد استروح وأخلد إلى الرئاسة ، فضاق صدره لعدم مطلوبه ، وهمّ بالتوجه إلى مصر أو الشام أو المغرب ، فسمع شخصاً يمدح السيد محمد السنوسي بالعلم الواسع ، قال فاستشرت أعلم تلامذة شيخنا في ذلك وسألته عن المذكور وهل تعرف حقيقته ؟ قال : نعم ، قلت خبرني قال : أجمل لك أم أفصل. قلت : بل أجملْ ، قال : حضرته يقرئ في المطوّل للسعد بحاشية السيد ، وهو ثالثهما فوقعت في قلبي موقعاً عظيماً فذهبت إليه والتمست منه القراءة فأقراني في فنون عديدة. قلت : ولازمه المذكور سنين حضراً وسفراً حتى مهر في الحساب والفلك بأنواعه من هيئة وربع واسطرلاب وغير ذلك ، ونظم في ذلك عدة مناظيم ، ونظم (دليل الطالب) في ثلاثة آلاف بيت نظماً لا بأس به ، إلا أن نظمه بعده حسن ، وفاق حتى تراسل هو وأدباء اليمن بالقصائد الطنّانة ، منها قصيدة للبليغ الكامل السيد أحمد صائم الدهر أولها : هو الجود حتى لا تُخيَّبُ آمالُ وأخرى مطلعها : بدت فأقرت كل قلبٍ وناظرٍ فان تحكها يا بدْر وجهاً فناظِرِ وكان عجيب الذكاء مع ما فيه من الخفة والاسترواح ، وانفرد بتدقيق علم الجبر والمقابلة والخطائين والهندسة والهيئة ، حتى كان كبار تلامذة شيخه الشيخ عبد الله سراح يقرأون عليه ، ورأيته لا يرتضيهم تلامذة ، وأرسله شيخه السيد السنوسي إلى السودان في شغل ، فلما رجع وجد شيخه قد سافر إلى المغرب ، فلم تطبْ له الإقامة بعده ، وأراد اللحاق به فأرسله والي جدة عثمان باشا إلى الحبشة ، فطاب له المقام هناك وسكن من سنة 1257ه وجاء منه مكاتبة سنة 1271ه ان مراده المجيء ، ولكن له ولدٌ لا يطيق الركوب على الدابة فلعله يكبر قليلاً وسحبه معه ، لأنه وإن تركه لا يجتمع به إلا في المحشر ، ثم انقطع خبره بعده. 2 - عبد الله بن فائز بن منصور الوائلي : وهذا العالم يعتبر من العلماء القدماء في الخبراء والذين مارسوا التعليم والتدريس فيها مع والده منصور بن محمد ، وقد ترجم له مؤلف كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة محمد بن عبد الله بن حميد فقال : (ولد في الخبراء من قرى القصيم في حدود المائتين والألف وكان أبوه أميرها ، ثم تحول مع أبيه إلى عنيزة فقرأ فيها القرآن ، ثم انبعثت همته لطلب العلم بعد بلوغه ثلاثين سنة ، فلم يجد من يشفي أوامه ، فجاور في مكة سنين يتعيش من النساخة ، وقليل من بيع وشراء على غاية التحري ، وتصحيح العقود ، وكان تعلم الخط في كبره ، ولا زال خطه يحسن إلى ان فاق وطرز الأوراق ، نكتب شيئاً كثيراً لنفسه وللناس). ويقول الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد عن جده انه منصور بن محمد من العلماء - ت 1196ه - كان قاضي قرية الخبراء وأميرها من قرى القصيم مشهورة. 3 - الشيخ ناصر الحمد المقبل (1277 - 1352ه) وقد ترجم له الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام في كتابه (علماء نجد خلال ستة قرون) فقال : (قال الأستاذ صالح العمري : هو إمام وخطيب جامع الخبراء ومفتي الخبراء في زمنه .. وهو والد الشيخ حمد الناصر المقبل إمام وخطيب جامع رياض الخبراء في الوقت الحاضر ، ولد المترجم (بفتح الجيم) عام 1277ه وتعلم القراءة والكتابة ، ثم التحق بالعلماء ، فقرأ على العلامة الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم ، والعلامة الشيخ محمد بن عمر بن سليم والشيخ رميح السليمان ، والشيخ عمر العمري قاضي الخبراء وغيرهم ، وقد جلس للطلبة فأخذ عنه عدد منهم. 4 - الشيخ محمد بن ناصر الوهيبي (1300 - 1388ه) وهذا العالم هو الشيخ محمد بن ناصر الوهيبي أحد أشهر علماء الخبراء ورياض الخبراء ، كما ان ابنه الشيخ ناصر الوهيبي أيضا هو أحد أشهر هؤلاء .. فهم من أسرة علم ودين ، وقد ترجم له الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسّام في مؤلفه القيم (علماء نجد خلال ثمانية قرون) فقال : (قال الأستاذ صالح العمري : ولد المترجم في الخبراء عام 1300ه وقرأ القرآن وتعلم الكتابة ، ثم قرأ على علماء بلده وقضاة الخبراء ، ثم نزح إلى بريدة وقرأ على الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم ، ولما عين الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم على قضاء البكيرية قرأ عليه هناك ، كما قرأ على الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد في البكيرية ، وقرأ على الشيخ عمر بن محمد بن سليم في بريدة ، وعلى الشيخ عبد الله بن دخيل في المذنب ، أخذ عن هؤلاء جميعاً في فنون مختلفة ، فكان - رحمه الله - من العلماء الفضلاء. وقد عرض عليه القضاء فرفضه تعفّفاً ، وكان زاهداً في الدنيا ، عيّن إماماً وخطيباً في جامع رياض الخبراء ، وقام بالإمامة والخطابة قرابة سنتين ، وخلال هذه الفترة كان يجلس للطلبة في المسجد ، وقد التف حوله عدد غير قليل أخذوا عنه العلم خلال خمسين سنة أو تزيد. 5 - الشيخ ناصر بن محمد الوهيبي (1324-1382ه) وهو ابن المترجم له سابقاً الشيخ محمد بن ناصر الوهيبي وقد تتلمذ على يديه في جامع رياض الخبراء ، وقد ترجم له الشيخ الأديب محمد بن عثمان القاضي في مؤلفه القيم (روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين) فقال : أما المترجم له فقد ولد في الخبراء عام 1324ه في بيت علم وشرف ودين ، فأبوه عالم جليل تقدمت ترجمته إمام الجامع برياض الخبراء نصف قرن فتربي الابن على يد أبيه اقبل على العلوم في الأصول والفروع والحديث والعربية والفرائض ، وكان قارئ أبيه في الجامع ونائبه متى غاب أو مرض ، وكان يرحل مع أبيه للقراءة على علماء القصيم ، وممن لازمه ملازمة تامة العلامة الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد ، فكان يرحل معه حيثما رحل في مدن القصيم للاستفادة من علومه. ويضيف (وأما أعماله فتعين إماماً لفرقة من جنود الهجانة ليجمع بين وسائل المعيشة المحتاج إليها وبين طلبه للعلم ، فلم تصده الوظيفة عن طلب العلم بل كان في الليل وبعد صلاة الفجر يلازم علماء المسجد النبوي في حلقاتهم ، وسافر إلى مكة حيث انتقلت وظيفته إليها فلازم علماء المسجد الحرام ، ثم نقل إلى شمال الحجاز إماما للهجانة في ضبا ، ثم عين قاضيا في ضبا وتبوك وعدد من المناطق ، حتى نقل رئيساً لمحكمة الطائف عام 1366ه وظل في الرئاسة سنتين ففي عام 1368ه نقل عضواً في رئاسة القضاء في مكةالمكرمة. وظل في منصبه إلى عام 1374ه وفيها أنشئ ديوان المظالم فعين مستشاراً فيه ، وفي عام 1380ه عين نائباً لرئيس ديوان المظالم عبد الرحمن ووافاه أجله المحتوم وهو على رأس العمل في مدينة الرياض في 16 من شهر جمادى الثانية من عام 1382ه. المدرسة العسكرية بالخبراء في السبعينات الهجرية أسست عدد من المدارس العسكرية في عدد من مدن وقرى المملكة ، من بينها (المدرسة العسكرية بالخبراء) وذلك لتأهيل أبناء هذه المدن وتعليمهم فنون الفروسية والعسكرية وتدريبهم تدريباً عسكرياً لخدمة بلادهم ، وكانت هذه المدرسة من أكثر المدارس استقطاباً للطلاب المميزين بل وتفوقوا فيها نظراً لما عرف عنهم من التفوق في مختلف المجالات ، وذلك بدليل وصول عدد كبير من طلاب هذه المدرسة إلى مناصب عالية في الأجهزة العسكرية بالدولة ، ونذكر منهم على سبيل المثال الفريق الركن حسين بن عبد الله القبيّل (قائد الثوات البرية) ، اللواء الركن عبد العزيز بن عبد الرحمن السحيباني ، العميد الركن ناصر بن عبد الرحمن السحيباني. التعليم النظامي في الخبراء والسحابين بعد مرحلة التعليم عن طريق (الكتاتيب) جاءت مرحلة التعليم النظامي الحكومي ، حيث ان التعليم عن طريق الكتاتيب كان عن طريق أناس محتسبين يدرسون الطلاب بطوع اختيارهم والمواد التي تناسبهم ، وبدون أي راتب أو مكافأة سوى تقدير الأهالي لهم ، وبهذا بقيت هيبة المعلم وتقديره وامتد تأثيرها حتى بعد بداية التعليم النظامي ، حيث ان للمعلم في القرية هيبته ومكانته .. فلا يراه في الشارع أي طالب إلا واختبأ عنه ، هيبة منه مخافة ان يتهمه باللهو واللعب وإضاعة وقته فيما لا فائدة منه ، وبعد بداية التعليم النظامي فتحت المدارس الحكومية في مبان مستأجرة حتى قيام وزارة المعارف ، التي أخذت على عاتقها بناء مدارس لمراحل ثلاث هي الابتدائية والمتوسطة والثانوية ، وعينت عليها مدرسين مختصين في مختلف أنواع العلوم منها العلوم الإسلامية وعلوم اللغة وعلم الحساب والجغرافيا والتاريخ والرياضة والتربية الفنية .. وصرفت رواتب لهؤلاء المعلمين وصرفت الكتب مجاناً على الطلاب .. وبهذا انتظم الطلاب في المدراس بمناهج محددة وبأزمان محددة .. وقد بدأت مرحلة التعليم النظامي في الخبراء والسحابين في العام 1369ه ، بافتتاح مدرسة الخبراء وعن هذا يقول الشيخ صالح بن سليمان العمري (كما ورد في كتاب صالح بن سليمان العمري حياته وآثاره للدكتور عمر بن صالح العمري) : (عندما وافقت مديرية المعارف على فتح مدرسة بالخبراء لم نجد في بادئ الأمر من يرغب العمل بهذه المدرسة ، ولكن رغبة في سرعة فتح المدرسة وانتظامها ألزمت الأخ الشيخ ناصر السليمان العمري مدير المدرسة الفيصلية آنذاك بفتح المدرسة والعمل مؤقتاً حتى نحصل على المدير والأستاذ اللازمين للمدرسة وقد وافق ، فبعثت معه الشيخ محمد السليمان السليم مدير المدرسة المنصورية ببريدة فيما بعد ، فسافرنا معا وفتحنا المدرسة وبقيت معهما يوماً أو بعض يوم ، واستمرا حتى حصلنا على مدير وأساتذة يقومون بالعمل). ويواصل الشيخ صالح العمري حديثه عن هذه المدرسة ، فيتذكر انه بعد ان سارت فيها الدراسة أحضر الأستاذ ناصر الصويان من متخرجي مدرسة الرس ليتولى أعمال الإدارة ، بينما عين للتدرس فيها كل من الأستاذ حمد البراهيم الرشودي من متخرجي مدرسة الفيصلية ببريدة ، والأستاذ محمد العبيد الشمري من متخرجي مدرسة البكيرية والأستاذ صالح السعود العريمة ، والأستاذ عبد الرحمن العثيم ، والأستاذ عبد الرحمن المحمد الثنيّان. مدرسة السحابين وأول مدير لهذه المدرسة كما يقول الدكتور عمر العمري في الكتاب الآنف الذكر هو الأستاذ ناصر المحمد الخزيّم ويضيف (وهو رجل نشيط ومخلص وله جهود مشكورة في سبيل تقدم المدرسة ومن المدرسين في هذه المدرسة ، كما يقول الدكتور العمري عند سؤال الشيخ ناصر الخزيم عن أسماء المدرسين في المدرسة في تلك المرحلة ، ذكر منهم الشيخ محمد العبد الله الطّاسان إمام جامع السحابين آنذاك والشيخ إبراهيم بن محمد الخزيّم والشيخ عبد الرحمن محمد الخزيّم والشيخ صالح العبد الله النويصر والشيخ صالح الفهد السويّح). أما في وقتنا الحالي فقد انتشرت في الخبراء والسحابين المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية للبنين والبنات ، واشتهر طلابها بالتفوق والنبوغ والذكاء وحصلوا على مراتب عليا على مستوى طلاب المملكة.