هو الشيخ الأديب والشاعر والباحث والفقيه فهد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السعيد, ولد في مدينة بريدة في عام 1337ه وهذا العام يسمى بعام الرحمة، وبدأ دراسته في كتاتيب بريدة وتلقى فيها علوم القراءة والكتابة ومبادئ العلوم الشرعية والقواعد والحساب وقراءة القرآن الكريم حتى حفظه وجوّده, ومن العلماء الذين تلقى العلم الشرعي عنهم: علماء آل سليم, الشيخ محمد بن صالح المطوع, والشيخ سليمان المشعلي, والشيخ عبدالعزيز العبادي. ثم ارتحل للرياض للاستزادة من العلم فدرس عند الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في حينه, والشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ صالح الخريصي رئيس محاكم القصيم فيما بعد (رحمهم الله جميعاً). ورحل بعدها إلى مكةالمكرمة واستزاد من العلم حتى تعمق في العلوم الشرعية وغيرها وعرض عليه بعد ذلك القضاء واستعفى منه لرغبته في التعليم. وعين معلماً في إحدى مدارس بريدة 1366ه وبعد انتقاله إلى رياض الخبراء درس على الشيخ محمد الناصر الوهيبي رحمه الله. المدرسة الابتدائية في رياض الخبراء: في عام 1368ه أرسل سلطان بن محمد السلطان المكلف في ذلك الوقت بإمارة رياض الخبراء والخبراء ابنه حسن السلطان محافظ رياض الخبراء السابق -أمد الله في عمره- إلى الشيخ محمد بن مانع في مكةالمكرمة مبيناً له رغبة الأهالي بافتتاح مدرسة في بلدتهم أسوة بباقي البلدان وقد وافق على ذلك حيث وجه الشيخ محمد بن مانع بافتتاح المدرسة وكلف الشيخ فهد بن عبدالعزيز السعيد وهي من الخمس الأوائل في منطقة القصيم وتم افتتاحها في عام 1368ه وبدأت بثلاثة فصول وكان عدد طلابها تسعين طالباً. وتم اختيار مبنى في جنوب السوق وبعدها بسنوات نقلت إلى مبنى آخر شمال غربي الجامع عائد لمحمد السلطان -رحمه الله- الذي كان مكلفاً بإمارة الخبراء ورياض الخبراء في بدايات القرن الهجري الرابع عشر. وفي العام الدراسي 1379ه/ 1380ه تم نقل المدرسة إلى مبنى مسلح شمالي البلدة من طابقين مكونة من ثمانية فصول مع مرافقها ثم زيدت أربعة فصول عام 1384 ه. وإضافة إلى إدارته للمدرسة الابتدائية فقد كلف بافتتاح المدرسة المتوسطة 1375ه وكذلك معهد للمعلمين الابتدائي وكلف بإدارتهما. وبعد افتتاح المدرسة الابتدائية لحق به أستاذان جليلان هما سليمان العبدالعزيز السالم وعبدالرحمن الصالح الغماس (وهو حافظ للقرآن ومدرس متميز) وبعدهم الشيخ ناصر المحمد الخزيم مدير مدرسة السحابين فيما بعد وهو والد معالي الشيخ الدكتور محمد بن ناصر الخزيم نائب الرئيس العام لشؤون الحرمين وكذلك التحق بالتدريس في المدرسة الشيخ إبراهيم العلي الدغيري والأستاذ علي الجريفاني وسليمان المحمد الغفيلي وعبدالرحمن المحمد الوهيبي ومحمد العبيد الشمري. ولقد ذكر لي الشيخ ناصر المحمد الخزيم -رحمه الله- أنه كان من أذكى وأنجب الطلاب في ذلك الوقت معالي الدكتور مطلب بن عبدالله النفيسة وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء, والأستاذ محمد الحجاج العريني مدير عام (الأسبق) الشؤون المالية والإدارية في الإدارة العامة للجوازات, وكذلك كان من طلابها معالي الفريق الركن حسين بن عبدالله القبيّل رئيس الأركان العامة في وزارة الدفاع. وعندما زار الملك سعود رحمه الله القصيم عامي 1374 ه, 1380ه زار رياض الخبراء، وأقيم حفل يليق به وشارك منسوبو المدرسة في الاحتفال مشاركة فعالة نالت استحسان الملك سعود وشكرهم. إقامته في رياض الخبراء: لما كلف الشيخ فهد السعيد بافتتاح المدرسة أقام في رياض الخبراء وأنشأ مزرعة سماها «السعيدية» في شمال البلدة ومجاورة لمبنى المدرسة الجديدة واستأجر مزرعة قديمة بجانبها تسمى «زبيدة» معروفة بعذوبة الماء وأحضر أشكالاً فريدة من الأشجار والزهور لم تكن معروفة في ذلك الوقت إلى مزرعته. وكانت مزرعته بستاناً آية في الروعة والجمال. وناسب الشيخ فهد أسرة كريمة من أسر رياض الخبراء هي أسرة الجبالي. وكان الشيخ فهد السعيد بشوشاً طلق المحيا كريماً مضيافاً ساعياً للخير بين الأهالي يصلح بينهم ويكتب بينهم وناصحاً لهم ومشجعاً لإلحاق أبنائهم في المدرسة وذلك كسب حب واحترام وتقدير الأهالي وكانوا يسمونه «المدير» وكان معروفاً بسعة اطلاعه على العالم من حوله محباً للمعرفة ولكل جديد في العلوم ملماً بالقراءات للقرآن الكريم حيث كان ذا صوت شجي وجميل. أما في الإدارة فكان سابقاً لزمنه عرف عنه اللين من غير ضعف والحزم من غير شدة مراعياً للأساليب التربوية الراقية ولم يكن يسمح باستعمال «الفلكة» في مدرسته والتي كان شائعاً ستخدامها في ذلك الحين ولم يُعرف عنه أنه كان يضرب الطلاب أو يستخدم العصا, ويحل مشاكل الطلاب والمعلمين بحكمة وكياسة ويراعي الفروق الفردية والظروف الخاصة لطلابه. مكتبة السعيدية: والشيخ فهد السعيد واسع الاطلاع ومحباً للعلوم وعاشقاً للمعرفة ويقرض الشعر هذا مما جعله محباً للكتب فأنشأ مكتبة في مزرعته عام 1382ه وسماها مكتبة «السعيدية» تحتوي على الكثير من الكتب من العلوم الشرعية والأدبية والسير وغيرها وزودها بأمهات الكتب وكان يقوم عليها ويعتني بها ويفتحها للضيوف من صلاة العصر حتى المغرب ويستقبل فيها الزوار من رياض الخبراء والخبراء والرس والبدائع والبكيرية وغيرها, ويلتقي بطلبة العلم من روّاد المكتبة ويفتح مجالاً للنقاش والتباحث في الأمور الشرعية والأدبية وغيرها. منسوبو المدرسة: خلال فترة دراستي للمرحلة الابتدائية في «الثمانينات الهجرية» من القرن الهجري المنصرم كان مدير المدرسة هو الشيخ فهد العبدالعزيز السعيد وكان فيها عدد من المدرسين من أهالي رياض الخبراء وبعض البلدان المجاورة وكذلك ثلة من المدرسين العرب وخاصة من بلاد الشام. وهم لهم حق علينا بذكرهم وشكرهم والدعاء لهم, أتذكر منهم الأساتذة الكرام: الشيخ حمد الناصر المقبل أمام المسجد الجامع, سليمان الصالح الدواس, عبدالعزيز العلي الوهيبي, عبدالله إبراهيم العرف, صالح العلي الجبالي, عبدالرحمن المحمد الوهيبي, عمر المحمد الوهيبي (الذي انتقل إلى مجلس الوزراء فيما بعد), وعبدالله الصالح الشايع (مدير عام لفرع جامعة الملك سعود في القصيم فيما بعد), عبدالرحمن السليمان السلطان (أكمل دراسته العليا فيما بعد وعمل في وزارة التربية), إبراهيم علي العرف, سليمان الجبالي, علي الرشيد, صالح الحجاج الثنيان, عبدالله الصالح الوهيبي, عثمان الخزيم (البكيرية), صالح العبدالكريم المسلم, عبدالله الخليفي (البكيرية), صالح المحمد الشنيف (الرس). ومن منسوبي المدرسة كذلك سليمان العبدالله الحماد, عبدالرحيم الناصر الشايع, محمد العلي الوهيبي, عبدالرحمن المحمد الثنيان, سليمان المحمد الوهيبي عبدالعزيز المحمد الفاضل, وأعتذر لمن لم تسعفني الذاكرة في ذكر اسمه. تقاعده ووفاته: أحيل الشيخ فهد السعيد إلى التقاعد عام 1393ه وبعدها افتتح مؤسسة خاصة لطباعة الكتب العلمية والشرعية المفيدة وكان يقوم بتوزيع بعضها بلا مقابل, وفي آخر عمره توالت عليه بعض الأمراض حتى توفي في شهر شعبان 1409ه رحمه الله رحمة واسعة وتجاوز عنه وحزن عليه أهل المحافظة وطلابه ومحبوه. وله ذرية مباركة في محافظة رياض الخبراء.