برزت الخيمة أو بيت الشَّعر عنواناً وشعاراً للبلاد في السنوات الأخيرة، سواء كان داخل المملكة أو خارجها, ولم يكن ذلك معروفاً قبل زيادة أسعار النفط، أي قبل ثلاثين سنة، وإنما عُرف بيت الشعر كجزء من المنزل الحديث بعد زيادة الدخول، واتساع العمران، وقد أصبح حضور بيت الشعر متلازماً مع الإنشاءات الحديثة، بل إنه أصبح حاضراً في الفن التشكيلي، وفي المعارض التي تقام في داخل المملكة، وفي خارجها، وكأن لم يكن لنا من تراث الماضي إلا بيت الشعر, ولنا أن نتساءل: كيف احتل بيت الشعر هذه المنزلة؟ وهل هو ممثل لجميع سكان المملكة؟ أما التساؤل الأول فإنني لا أجد له جواباً حاضراً، يكون شافياً, وأما التساؤل الثاني فجوابه سهل وميسور، فبيت الشعر لا يمثل جميع السكان لا في الماضي ولا في الحاضر، فهو في الماضي مسكن البدوي في الصحراء، وقد انتقلت البادية في الحاضر إلى القرى والمدن، منذ إنشاء البنك العقاري،ومنح القروض لجميع السعوديين بعد أن تمنحهم الدولة أعزها الله أرضاً تقام عليها المباني بقروض البنك العقاري، وهناك عوامل جذب أخرى من أهمها تعليم أبناء سكان البادية الذي يتوافر في المدن والقرى، ولا يوجد في البادية مما دفع بسكان الصحراء إلى الانتقال الى الأرياف والمدن، وقد تضاءل سكان الصحراء، فقلت أهمية بيت الشعر. ولو التفتنا إلى أنماط بناء المساكن في المملكة قبل نصف قرن، لوجدنا أنماطاً مختلفة، يأتي في ذيل قائمتها بيت الشعر، فهناك البيت المكي، والمدني، المبني بالحجارة والجص، والمكون من عدة طوابق، ذوات رواشن، ومشربات، وهناك بيت الطين في المنطقة الوسطى والشرقية، وله أشكال مختلفة توارثها البناءون جيلاً بعد جيل، منذ العصر الجاهلي إلى زمننا الحاضر، ويبرز البيت الحجري في الطائف والباحة، وفي أبها نجد بيت الطين برفوفه الحجرية الجميلة، وفي نجران عرف بيت الطين المتعدد الطوابق، ثم يأتي بيت الشعر وحدة سكنية لأبناء البادية, والعشة الجيزانية تتقدم على بيت الشعر، ومع ذلك لا نجد لها حضوراً. لما أقيمت في الجنادرية البيوت الممثلة للسكن في جميع مناطق المملكة لم نجد من بينها بيت الشعر، فأين أبناء البادية الذين يعتزون ببيوتهم القديمة من نصب بيت شعر مكتمل المرافق؟ لقد شاهدنا البيت المدني والعسيري، وغيرهما ولم نشاهد بيت الشعر، أما الخيمة التي يغني فيها صاحب الربابة فلا تمثل مسكن البدوي بكل مرافقه, إن الاحتفاء ببيت الشعر وحده على أنه الممثل للسكن القديم في المملكة فيه مخالفة للواقع، وابتعاد عن تاريخنا الاجتماعي، الذي يقول إن بيت الشعر ما هو إلا جزء من هذا التاريخ، وليس كل التاريخ, لقد قامت مؤسسات تتوافر على صناعة بيت الشعر، وتوزيعه، وتركيبه، وهذه المؤسسات موجودة في شوارع المدن، وقد صنعت نماذج مختلفة لبيت الشعر، فبيت الشعر اليوم مجال تجارة، تستثمر فيه أموال، ويعمل فيه الكثير من العمال الوافدين، كما هي العادة في أي حرفة قديمة تتحول الى الوافدين فيشتغلون فيها ويتقنونها, والسؤال الذي نطرحه على أصحاب مؤسسات بيت الشعر هو: لماذا لا تتجه هذه المؤسسات إلى استحضار الماضي في صوره المختلفة في البناء، فتضع لديها نماذج مختلفة للبيوت القديمة في أنحاء المملكة، فإذا رغب الزبون في إحداها بحسب البيئة التي عاش فيها، أو التي ينتسب إليها ركّبت له في حديقة منزله أو في استراحته، ومن المعروف أن بيوت الشعر التي تركب للزينة أو تتخذ مجالس في مداخل البيوت، أو في الحدائق والاستراحات ما هي إلا مظهر خارجي، أما الهيكل الأساس فهو مادة أخرى من الحديد أو الخشب، وما دام الأمر كذلك فإنه من السهل صناعة أي هيكل في هيئة البيت النجراني، أو العسيري، أو الأحسائي أو المدني، أو غيرها، فإذا اتجهت مؤسسات بيت الشعر إلى ذلك توسعت الدائرة، واستحضرنا ماضينا في أشكاله المختلفة، ولم نقتصر على نمط واحد هو بيت الشعر، فنكون بذلك قد استحضرنا تراثنا الفعلي المرتبط بالواقع التاريخي. د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل