تطوّر العمران وتحوّلت طرق بناء المساكن في المنطقة الشرقية من النمط التقليدي إلى الحديث بشكل سريع، عندما ظهر فكر معماري جديد في منتصف القرن الماضي، أدّى إلى تسلّل نمط عمراني حديث عجّل بشكل سريع باختفاء أنماط المساكن التقليدية مثل العشش والبرستيات والأكواخ والبيوت الطينية والحجرية، وسرعان ما انتشرت نماذج حديثة من العمارات والوحدات السكنية المشيَّدة من مواد بناء مستحدثة كالخرسانة والأسمنت. جدير بالذكر أن شركة أرامكو قامت بالدور الكبير، بتوجيهات من حكومتنا الرشيدة، من خلال إنشاء مناطق سكنية جديدة والمساعدة في توسيع المناطق السكنية القائمة، وجعلها تقوم على أسس حديثة. النمط الحضري يتصف النمط الحضري في المنطقة الشرقية قديمًا بتوزيع المدن والقرى إلى أحياء كبيرة، وكل حي يشتمل على عدد من الحارات يُسمى (الفريج)، ويرتبط كثير من سكان الفريج بروابط القرابة أو المصاهرة، ويكون في الفريج ساحة عامة تُسمّى (البراحة)، التي تعد متنفسًا للسكان؛ فهي مكان لتجمّع الجيران وملعب للأطفال، ومكان للتجمع عند الطوارئ، ومكان لإقامة المناسبات الاجتماعية مثل احتفالات الأعياد والزواج. العمران التقليدي والبيئة تأثر بناء المساكن في المنطقة الشرقية قديمًا بنمط العمارة الإسلامية، ويتضح ذلك جليًا في الطراز المعماري، وعمل الأقواس والأعمدة، والتفنن في النقوش والزخرفة في بعض مباني المنطقة، وقد اعتمدت مواد البناء على البيئة المحلية؛ فعلى سبيل المثال، اعتمد بناء المنازل على الطين في الأحساء لتوافر التربة الطينية فيها، واعتمد بناء المنازل في المدن الساحلية على الحجر البحري المستخرج من البحر، كما أنّ النخيل الذي تشتهر به المنطقة، استفيد من جذوعه وجريده في سقوف المنازل وبناء الجسور وغيرها. للمناخ تأثير كبير في النسيج العمراني التقليدي في المنطقة الشرقية، فهو مناخ حار شديد الرطوبة، لذلك نجد المباني متلاصقة، للتقليل من الجدران التي تتعرض لأشعة الشمس، والاحتماء من الرياح والعواصف الموسمية المحملة بالرمال، والفتحات الخارجية قليلة. تجهيز المواد الأولية كانت المواد المستخدمة في البناء مثل الطين والأحجار الرسوبية وأحجار الفروش البحرية وجذوع النخيل وجريده من البيئة المحلية، باستثناء أخشاب الجندل (الشندل) أو الدنجل (الدنشل) التي تستورد من الخارج. ابتكر الإنسان طرقًا للاستفادة القصوى من تلك المواد، ومن ذلك شق جذوع النخيل إلى نصفين أو أربعة أجزاء، وصنع الحصر (جمع حصير) من خوص سعف النخيل، كذلك صنع الحبال من ليف النخيل. أما الجص فطريقة تجهيزه فريدة، حيث يجفف الطين ثم توضع قطعه على شكل أكوام هرمية توضع تحتها وبين طبقاتها جذوع النخيل ومخلفات الأشجار الجافة التي يتم إشعالها، وعن طريق الحرارة المرتفعة يحرق الطين ويصبح كتلًا جافة يتم سحقها بواسطة الضرب بمدارس من جريد النخيل، فينتج مسحوق ناعم كالأسمنت يستخدم في أعمال البناء كمادة لياسة أو تكسية للأسقف أو للربط بين الحجارة المستخدمة في بناء الجدران، وبنفس الطريقة تصنع النورة من حجر الكلس، وتستعمل كطلاء للجدران. البيوت الطينية والحجرية استمر بناء البيوت الحجرية والطينية منذ القدم لمن يستطيع تحمل تكاليفها، لأنها كانت توفر المسكن الدائم والآمن، وتتلاءم مع البيئة المحيطة وموادها المتوافرة، فكانت جدران تلك البيوت تشيّد من الحجر أو الفروش (الحصى) التي تُجلب من أماكن معروفة في مياه البحر الضحلة، ويستعمل الجص والطين في ربط الحجر، ومن ثمّ في لياستها. أما الأسقف فيتم استعمال جذوع النخيل أو أخشاب الجندل، فعند استخدام الجذوع، تصف جنب بعضها بحيث لا تترك مسافة بينها، ومن ثمّ تملأ الفراغات بالحشو وتغطى بالطين، أما في حالة استخدام الجندل، فتصفّ بحيث تبعد كل جندلة عن الأخرى مسافة 25 سم تقريبا، ومن ثم توضع فوقها شرائح من خشب الخيزران تسمى (باسجيل)، ثم تفرش عليها الحجارة وتغطّى بالطين. البَرستي يُشيّد البرستي من سعف وجريد النخيل المتوافرة في البيئة المحلية، إضافة إلى استخدام الأعمدة من أخشاب الجندل (الدنجل)، ويأخذ السقف شكل (الجملون) أي يكون مائلًا لتسهيل نزول مياه الأمطار، أما الجدران فتغطى من الداخل بنوع خاص من الحصر المصنوع من سعف النخيل يثبّت بالحبال ليمنع تسرب الهواء البارد إلى الداخل في فصل الشتاء. تنشئ البرستيات بجانب بعضها البعض، وتكون لكل عائلة مجموعة منها، بحيث تفصل بين العائلات حواجز مصنوعة من سعف وجريد النخيل، واستخدمت البرستيات بصورة واسعة لسهولة تشييدها ورخص تكلفة إنشائها مقارنة بطرق البناء الأخرى. الكوخ (الكَبَر) تطوّرت طرق البناء إلى تشييد مساكن أكثر تماسكًا وتحملًا لظروف الجو القاسية من رياح وأمطار وغيرها، فظهرت الأكواخ (الكبر) والتي جمعت بين نمط البيوت الطينية أو الحجرية مع أسقف شبيهة بالبرستي، فجدران الكبر مبنية من الحصى المستخرج من البحر (الفروش)، والتي تليس بالجص أو الطين، أما السقف فيصنع من عوارض من خشب الجندل أو جذوع النخيل، ويغطّى بالحصر وسعف النخيل، أو تتم تكسيته بالجص. الخيام ليس بمستغرب استخدام الخيام وبيوت الشعر في بادية المنطقة الشرقية، لكن قد يستغرب البعض أن الخيام قد استعملت في رأس تنورة وبقيق مثلا لموظفي أرامكو الأوائل حتى بداية الخمسينيات الميلادية، فهي كانت إحدى الحلول السكنية المؤقتة المتوافرة في ذلك الزمان، ريثما يتم توفير مساكن دائمة. اللاينات مع زيادة عدد موظفي أرامكو السعوديين، ومطالباتهم بتوفير سكن جيد تتوافر فيه الكهرباء والماء، استجابت شركة أرامكو وقامت ببناء اللاينات في مناطقها الرئيسية في الظهران ورأس تنورة وبقيق لموظفيها العموميين العزاب من الدرجات (1 -5). الأسمنت والطابوق أنشئت مصانع الطابوق في المنطقة الشرقية لتلبي الطلبات المتزايدة من مواد البناء الحديث منذ بداية الخمسينيات الميلادية، وأحد هذه المصانع هو المصنع الشهير (طابوق الزواوي) في الدمام، والذي كان موقعه بالقرب من سكن سكة الحديد بالدمام، وظلت مستودعاته صامدة لما يقارب خمسة وستين عاما، وقد بنيت معظم مباني شركة أرامكو السكنية والمكتبية من طابوق ذلك المصنع، أما المصنع الآخر فهو الذي أسسه محمد نجادي في الدمام، فبعد أن كان يعمل سائقًا في أرامكو، قرر أن يبدأ نشاطه التجاري بإنشاء مصنع للطابوق عام 1951م. بالنسبة للأسمنت، فإن أول مصنع أسمنت في المنطقة الشرقية كان لشركة الأسمنت السعودية التي تأسست في الدمام عام 1955م. بيوت جاهزة قامت شركة أرامكو بإنشاء سكن لموظفي الدرجة العليا السنير ستاف في مناطقها الرئيسية (الظهران، رأس تنورة، بقيق) منذ الأربعينيات الميلادية، فاستوردت البيوت الجاهزة من خارج المملكة. برنامج تملك البيوت لا يمكن الحديث عن التطور العمراني في المنطقة الشرقية بدون التطرق إلى برنامج تملك البيوت في أرامكو، والذي ساهم بشكل كبير في إنشاء أحياء جديدة كمدينة العمال في الدمام ومدينة العمال في الخبر، وكذلك تطوير أحياء أخرى، وقد كان للبيوت التي تم بناؤها بموجب هذا النظام، أثر كبير في دفع حركة العمران والنشاط التجاري والزراعي في هذه المنطقة دفعا حثيثا إلى الأمام. انطلاق البرنامج في 17 يوليه 1951م، انطلق برنامج تملك البيوت عندما وقّع عقيل العقيل أول اتفاقية مع قسم تملك البيوت تمثل 15500 ريال لشراء بيت في الخبر الجنوبية، وعندما وقع الاختيار على الخبر الشمالية لبناء بيوت الموظفين فيها، باع السيد عقيل بيته ووقع اتفاقية بمبلغ 45000 ريال لبناء أول بيت في القسم الشمالي من مدينة الخبر. هدف البرنامج يهدف البرنامج إلى تشجيع موظفي الشركة من السعوديين على تملّك منازل قريبة من أماكن عملهم في مختلف مناطق الشركة عن طريق الشراء أو البناء، بمنحهم قروضًا بدون فائدة يسددون 80 في المائة فقط منها على دفعات شهرية. شروط البرنامج يستطيع أي موظف سعودي الحصول على قرض شريطة أن يكون قد بلغ من العمر 20 عامًا، وأن يكون المعيل الرئيسي لعائلته، وأن يكون قد أمضى 3 سنوات في خدمة الشركة، مع حصوله على سجل حسن من العمل وتمتعه بصحة جيدة. يتوقف المبلغ الذي يجوز للموظف استدانته على دخله، حيث تقوم الشركة بإعطائه النقود المقدرة لبيته في أربعة أقساط، تصرف الأقساط الأربعة بعد إنجاز مرحلة من البناء، أما الدفعة الأخيرة فتصرف عند انتهاء بناء البيت كاملا وحسب المواصفات المقررة، أما في حالة الشراء فإن القرض يدفع للموظف بكامله بمجرد توقيع عقد البيع وتسجيله رسميا. مناطق البناء لقد دعمت حكومة المملكة العربية السعودية برنامج تملك البيوت بأن خصصت عددًا من قطع الأراضي في كل من الدماموالخبر ورحيمة وبقيق لكي يتملكها الموظفون ممن يشتركون في هذا البرنامج مجانا، كذلك قام عدد من الموظفين ببناء بيوتهم في مناطق سكنية يسهل التنقل بينها وبين مناطق عملهم مثل الجبيل والقطيف ودارين وتاروت، وفي نهاية عام 1962م بلغ عدد الاتفاقيات التي وقعتها الشركة ضمن برنامج تملك البيوت 4416 اتفاقية مع موظفيها في المناطق الرئيسية الظهران ورأس تنورة وبقيق. استشارات فنية يقوم مستشارو مكاتب أقسام تملك البيوت بإرشاد الموظف إلى أنواع المواد التي يحسن استعمالها في البناء، كما يعرفونه على تقسيم البيوت والمواصفات والتمديدات الصحية والكهربائية، ويفرضون عليه أن يجري البناء بموجب خرائط يرسمها مهندسون معماريون مصرح لهم، وتقرها أقسام تملك البيوت، وبهذا يقرر الموظف طراز البيت وتصميمه وموقعه ويختار المقاول الذي يريده. بيوت نموذجية في عام 1958م شرع تملك البيوت في تشييد بيوت نموذجية في مناطق البناء الرئيسية في الدمام، وحي رحيمة، ومدينة بقيق، لتوجيه الموظفين وإرشادهم إلى بناء بيوت ذات تصميم حديث. تطوير المناطق السكنية القائمة ونظرًا لازدياد عدد مساكن مشروع تملك البيوت في المناطق السكنية القائمة، فقد واجه المسؤولون في المجالس البلدية مشاكل ناجمة عن توسع المدن، وهنا وجدت أرامكو نفسها ملزمة بتقديم المشورة الفنية إلى بلديات الدماموالخبر والقطيف وغيرها، ولذلك وضعت خرائط مدن متكاملة لكل من هذه المناطق التي لم يسبق أن اعدت لها من قبل. وفي عام 1961، تمت الخطوة الأولى في برنامج مساعدة الشركة المالية لتنمية المناطق السكنية عن طريق القروض، حيث وافقت على إقراض بلديتي الدماموالخبر مبلغ 38 مليون ريال للتخطيط والتطوير ولإنشاء شبكات حديثة للماء والمجاري. تأثير إيجابي على المجتمع كان لتزويد بيوت برنامج تملك البيوت التابع لأرامكو بوسائل المنافع العامة وتزايد إقبال موظفي أرامكو على استعمال الكهرباء والغاز أيضا تأثير واضح على باقي أفراد المجتمع، ولم تهمل أرامكو الناحية التعليمية فقد بنت بالتعاون مع الحكومة مدارس لأبناء موظفيها وبناتهم. المراجع قافلة الزيت، وكتاب التراث العمراني السعودي من إعداد هيئة السياحة والتراث. عثمان المبارك مسؤول تملك البيوت عام 1967 (أرشيف أرامكو) مدينة العمال بالدمام عام 1961م (أرشيف أرامكو) استشاري برنامج تملك البيوت يشرح لأحد الموظفين حول تصميم المنزل عام 1961م (أرشيف أرامكو) طلاب في مدرسة سعودي كامب يقفون أمام مدرستهم المصنوعة من البرستي - الظهران 1940م (أرشيف أرامكو)