مرّت حوالي سنة على نهاية صدام حسين رسميا بإلقاء القبض عليه.اعتقدت الإدارة الأمريكية وقتها أنها انتهت من العراق إلى الأبد وأن (فتوحات) الشرق الأوسط الكبير قد انطلقت فعليا وعمليا. ربما لأن عبارة الرئيس الأمريكي يومها كانت تتلخص في: (انتصرنا)، تماما كما أعلن رامسفيلد قائلا: (لنفكر في الحرب التالية) وكان إصبعه وقتها موجها إلى خارطة الشرق الأوسط ، وبالضبط إلى سورية وإيران للحرب عليهما وفق (النهاية العراقية) التي اعتقدوا أنهم أدركوها آنذاك. لم يعتذر أحد للعراقيين على كل الخسائر الناجمة عن تلك الحرب التي كانت تستهدف بقايا الأمل العراقي، في الخبز والأمن والحياة، فكل صاروخ كان وقتها يسقط عشوائيا ليقتل المزيد من القناعات العراقية بأن الحرب لم تكن تحريرية وأن الديمقراطية تحولت من (أيديولوجية كلام) إلى استراتيجية حرب. صدام حسين الذي عُثر عليه في حفرة صغيرة كان قد انتهى فعلا قبل ذلك التاريخ، انتهى منذ سنوات، وحماقة احتلاله للكويت كانت الرصاصة الأخيرة في مسدسه الصدئ. وها هي مرت السنة بطولها.اليوم لا أحد يتكلم عن صدام حسين، إلا ليحكي عن سنوات الرعب العراقي الماضي، وحتى ذلك الرعب لم يعد واضحا أمام كل ما يجري اليوم في العراق من تقتيل ومن اختطاف ومن انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان من الدول المحتلة ومن العراقيين أنفسهم الذين وجد بعضهم الفرصة سانحة لمزيد من الترويع. الولاياتالأمريكية التي غرقت في العراق لم تعد تتكلم عن النصر، وأن الشرق الأوسط الكبير يبدو انه قد اصبح مشروعا مع وقف التنفيذ، باعتبار أن النظرة الأمريكية للمشهد الحربي في المنطقة صارت كنظرة إسرائيل تماما. والحال أن العراقيين عطلوا تمادي الأمريكيين في الشرق الأوسط أيضا. ما نريد الوصول إليه هو أن القناعة التي يهدف إليها الكبار لأجل فرض التغيير على الدول الأخرى لم تعد ناجعة، لأن العالم تغير حقا، لأن الشعوب بالذات تعي جيدا أنه مهما كان حنقها على أنظمتها فهي لن تقف في الخندق الآخر عندما يتعلق الأمر بالاحتلال، وبالتالي فلم نسمع عن شعب (هلل ابتهاجا) بالاحتلال حتى لو كان مقهورا، لأن القناعة البسيطة تقول ان النار البسيطة أفضل من الحريق، وهو المثل الذي نؤمن أن الشعب الأوروبي نفسه يتعامل مع الأوضاع الدولية على أساسه بدليل الاستفتاء الأخير الذي أجرته أكثر من 12 دولة أوروبية جاءت نتيجتها أن 79% من الأوروبيين يرفضون تدخل الولاياتالمتحدة في شؤونهم الخاصة، بمن فيهم الدول الأوروبية التي توضع اليوم في خانة الدول الفقيرة. كيف نستكثر على الدول العربية أن ترفض التدخل في شؤونها إذن؟ أليس التغيير الذي حصل كان على الرغم من مرارته تجربة أسقطت الأقنعة كلها؟ حتى المنظمات الإنسانية سقطت أقنعتها ولم تكن في النهاية أقل فظاعة من الديكتاتوريين أنفسهم، والحال أن كل من يلوح اليوم بورقة حقوق الإنسان في العالم مارس قهرا ضد الإنسان بصمته وتواطئه مع الجلاد في كل الكرة الأرضية، باعتبار أن ما يجري في العراق لا يحدث في كوكب آخر، وأن الدول التي تنتظر دورها كثيرة، لهذا حان الوقت لنقول ان العالم تغير..تغير فعلا.