لقد كرَّم الله بني آدم واستخلفهم في الأرض، فأخذوا يعمرونها ويتمتعون بما وهبهم الله فيها من النعم، وهذا ديدنهم إلى يوم القيامة، في مقابلة لطيفة بين مد وجزر، قوة وضعف، صعود ونزول، اتساع واضمحلال، غنى وفقر. وهذه الدنيا لا تدوم على حال، فالعاقل فيها من يعمل الخير ويردّ على الجميل بجميل مثله لتبقى النفوس صافية ويكون التآلف والتعاضد وتستمر المحبة بين الناس ليكون للحياة معنى في جميع وجوهها. ونحن أبناء المملكة الحبيبة أصبحنا كأسرة واحدة بعد أن جمع شملها ولم شعثها ووحد صفوفها، ونشر الأمن في ربوعها بعد الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه، وبعد أن فتح الله لنا كنوز الأرض من نفط وغاز وماء ومعادن أخرى مختلفة والكل منا يعمل على رفعة هذه البلاد وتقدمها لتواكب ركب الحضارة، فجميعنا ولله الحمد كخلية نحل نكِدُّ ونشتغل بدأب واستمرار، وهذا في الحقيقة شيء يبهج النفس ويثلج الصدر، وأبناء المملكة يتجولون فيها يبيعون ويشترون ويستثمرون ويعملون المشاريع في جنباتها وأخاديدها بل وفي أي موقع كان، وهذا شيء جميل لأن عقيدتنا السمحة وولاة أمور هذه البلاد يشجعون على العمل ويحثون على البناء فلا تقاعس ولا كسل، كما نستأصل كل فاسد ومخرب وخبيث يشتت لحمتنا وشملنا ومناطق المملكة عزيزة على أهلها، ومنطقتنا الجوف واحدة منها ذات الخضرة والنضرة والمياه العذبة عامة وبسيطاء خاصة وهي أرض سهلية منبسطة زراعية تربتها خصبة جاثمة على بحر من الماء تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة سكاكا بحوالي 200كم على طريق الجوف - تبوك. وقد انتبه لها المستثمرون في المملكة فقدموا إليها زرافات ووحدانا لاستغلالها في الزراعة (فكانت كما أرادوا) وأصبح فيها الآن ما ينوف على 2300 مشروع معظمها في القمح والشعير والفواكه، وقد فاقت غيرها من المناطق في كثرة الإنتاج حتى أن إنتاج القمح للدونم الواحد بلغ 550 كغم والشعير 750 كغم للدونم الواحد أيضا. هذان صنفان فقط ناهيك عن المنتجات الأخرى عدا الفواكه والزيتون والخضراوات والأغنام والإبل ومصانع الألبان والأجبان والعسل والبندورة.. وكل ما ذكرته على سبيل المثال لا الحصر، وهي تصاريح رسمية برخص رسمية من وزارة الزراعة. وبعض المشاريع عمالتها على 1500 عامل عدا كبار الفنيين والمهندسين والمشرفين عليهم. ولا حسد في ذلك إلا أننا نرى عدم تسويق المستثمرين منتوجاتهم في المنطقة إلا ما كان منها موشكا على التلف ويخشون أن تسمه يد الخراب في الطريق إلى البلاد المصدرة إليها فيفدون به إلينا، أما خيرة منتوجاتهم فتصدر إلى خارج المنطقة في أنحاء مملكتنا أو إلى دول الخليج المجاورة أو إلى سائر الدول العربية، مع العلم بأنه لا يدون على إنتاجهم اسم المنطقة إلا ما ندر ولو نظرنا بعين فاحصة لوجدنا أن نشاطهم في أعمال الخير عامة في المنطقة شبه معدوم، فلم نر أحداً منهم قد عرض نصف منتج أو أدنى من ذلك أو أكثر بأنه وقف لأحد المشاريع الخيرية بالجوف أو ساهم بمشروع خيري باستثناء الشيخ عبد الرحمن الخريف الذي حفظ معروف مسؤولي المنطقة وقد تم شكره على ما قدم وكنت من ضمن الشاكرين وأشرت له في مقالي الذي كان بعنوان (ها هم أبناء الوطن) والعجيب انهم يستثمرون أرضنا ويفعلون مشاريعهم الخيرية كبناء جوامع أو غيرها خارج المنطقة وذلك حسب ما تنقله لنا وسائل الإعلام بقنواتها الثلاث المرئية والمسموعة والمقروءة، ولا ندري ما السبب! مع العلم أن المنطقة بأمس الحاجة إلى ذلك. أخي القارئ: توقف معي قليلا فسأسرد عليكم بعض المشاريع الخيرية التي تحتاج إلى دعم في المنطقة وهي: لجنة أصدقاء المرضى وغيرها الكثير فإنها تفتقر لإنشاء وقف لها، ونواقصها كثيرة والمقام لا يسمح بعدّها، والمبرة الخيرية ممثلة بسكاكا وصوير، ومكاتب الجاليات التي يتردد عليها الكثير من عمالات المشاريع، ولا ضير في ذلك ولا اعتراض بل هذا يثلج صدر أهل المنطقة عامة والمسؤولين خاصة، ولنتفق أن المنطقة بحكم قلة عدد سكانها إذا ما قورنت بغيرها لا تستوعب كثرة بضائعهم ومنتوجاتهم. لكن أما يستحق مسؤولو المنطقة مشروعا خيريا أو إنشائيا لحفظ الجميل؟ ومسؤولو المنطقة هم الذين يسهرون الليالي الطوال ويواصلون الليل بالنهار ليقضوا حاجاتهم وأوراقهم، وقد دفع أهالي المنطقة ضريبة وجود المشاريع بأقل قياس، وذلك بأن أحدهم إذا أراد السفر إلى مدينته لا يجد حجزاً بل يتعثر وجود مكان له في الطيران لكثرة المستثمرين وعمالتهم، ناهيك عن زحمة رجال المرور في استصدار رخص لهم وغير ذلك. فكم من أرواح أزهقت بسبب زحام سياراتهم مع الأهالي والمسافرين من سكاكا إلى دومة الجندل إلى طبرجل فالقريات ثم إلى دول الشام، بالإضافة إلى الجوازات والمستشفيات الحكومية والخاصة كذلك والبنوك والدوائر الأخرى. أعود فأقول كلمتي بصراحة، من ينصف الجوف من هؤلاء؟ فلو سألت مسجد عمر أو حصن مارد أو قصر الصعيدي أو قلعة زعبل لأفصحت وتكلمت بأشد ما تكلمت به. وها أنذا من على هذا المنبر أناشد المسؤولين وشعراء الجوف وأدباءهم إشعار ولاة أمورنا - أدام الله عِزهم - بأن إخواننا رجال الأعمال ما أعطوا الجوف حقها ولم ينصفوا أهلها، كما نناشد أصحاب الأيادي البيض والهمم العالية لخدمة ديننا ووطننا لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمين عام الهيئة العليا للسياحة ووزير الشؤون الاجتماعية د. علي النملة الذين لهم بصماتهم لإنشاء المشاريع الخيرية الظاهرة للعيان، ليفعّلوا دور رجال الأعمال عامة والمستثمرين في منطقة الجوف خاصة، فمن ينصفنا من هؤلاء المستثمرين؟ فو الله وبالله نحن أبناء الجوف ما نشاهد إلا مواكب سياراتهم ذهابا وإيابا من بسيطاء إلى المطار وبالعكس، وهؤلاء المستثمرون ما عرفنا عنهم وما سمعنا إلا مبادراتهم في أعمال الخير وخدمة الدين والوطن وهذا هو الدافع الذي جعلني أمسك بيراعي وأسطر هذه الكلمات. ونحن على اتفاق بأن مملكتنا بأبنائها أسرة واحدة في سفينة واحدة كالجسد الواحد، ولا ننسى فضل ولاة أمورنا علينا أدام الله عزهم، بأن أوجدوا لنا بعد الله نعما كثيرة أهمها نعمة الأمن التي ليس لها نظير والأمثلة كثيرة منها شقيقتنا العراق التي تربطنا بها أواصر كثيرة فأين رجال الأعمال فيها؟ أين ذهبت رؤوس أموالهم؟ أين استثماراتهم؟ أين أين أين...؟؟ لقد ذهبت كلها بعد فقدان الأمن، وأصبحت أثرا بعد عين، أما لبلادنا وولاتنا أيدهم الله، حق علينا وقد وفروا لنا سبل الراحة والطمأنينة؟ فنحن ننام وهم يسهرون، ونحن نستثمر وهم يرهقون أنفسهم. وأخيراً وليس آخراً.. نحن أبناء منطقة الجوف بدورنا نشكر ونقدر سمو أميرنا المحبوب على ما يبذله من جهود متواصلة بتعقل وحكمة وروية لإلحاق المنطقة بنظيراتها المناطق الأخرى في مملكتنا الغالية المعطاءة تحت ظل القيادة الحكيمة.. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.