يقول الله سبحانه: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}. ويقول سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}. لقد شاعت مؤخراً بعض الدعوات الخبيثة التي تهدف إلى فرقة المسلمين ولبس الحق بالباطل عليهم وخلق إشكالٍ فكري لهم في ثوابت دينهم والعياذ بالله..! وساقت هذه الدعوات المغرضة في ركبها بعض إخواننا بين مؤيد ومعارض لفكرها ومنهجها وأساليبها، فهناك من انقاد لهم من بعض جهلاء المسلمين وضعاف النفوس فتبعهم على غير هدى، والكثير ولله الحمد من أصحاب الوعي والبصيرة النيرة الذين منّ الله عليهم بحفظ دينهم عليهم، فوقفوا أمام فتنتهم المضلة وتصدوا لفكرهم المنحرف. وأصحاب هذه الدعوات وبكل أسف قوم اتخذوا من بعض أخطائنا البشرية من جهة ورغبتنا في تطوير أنفسنا من جهة أخرى سبيلاً لنقدنا ونعتنا بأقسى الأوصاف، وظلموا أنفسهم فلقبوا أنفسهم الإصلاحيين وظلمونا فلقبونا بالمفسدين، وقد يكون لهم الحق في ذلك لأننا أفسدنا عليهم مخططاتهم التي تهدف إلى هدم مجتمعنا المسلم. ولأن ديني يحتم علي نصرة أخي ظالماً برده عن ظلمه ونصحه، ومظلوماً بالسعي لإرجاع مظلمته ومساعدته، لذا وانطلاقاً من ذلك رأيت من واجبي بذل النصيحة لإخوتنا في الدين ممن غالوا في ظلمهم لأنفسهم ولأمتهم ولدينهم دونما طائل إلا خدمتهم - بإدراكهم أو بدون أن يشعروا - لأعداء الإسلام، الذين يتربصون بهم وبنا الدوائر، ولأن أعداء الإسلام كلّوا في حربهم ضد دين الله بجيوشهم وعدهم وعتادهم، لذا اتجهوا لحرب الإسلام بأبنائه بكل أسف، فضموهم إليهم وأمنوهم وهيأوا لهم المسكن والملبس والمأكل والمركب والمال وجميع سبل الترفيه والحياة المنعمة وصنعوا لهم فوق ذلك منابر لسانها عربي تتكلم باسم الإسلام وألبسوهم ثياب الفضيلة ودعوهم ودعوا أنفسهم المخلصين المصلحين! حتى شاء الله أن يفضحهم فجعلهم يلقبون أنفسهم خلفاء المسلمين وأمراء المؤمنين..! فانكشف زيف دعواهم للإصلاح إلى أطماع سياسية صرفة بعيدة عن الدين والأهداف النبيلة، وحين انكشفت أهدافهم اتجهوا إلى أساليب المنافقين في الكذب والافتراء والبهتان والغيبة وقذف المسلمين والمسلمات ولا حول ولا قوة إلا بالله. وما دعواهم هذه إلا بغرض الفتنة وتفريق وحدة المسلمين لا جمعها امتثالاً للصهيونية وأعوانها، ألا يعلم هؤلاء أن الله سبحانه حذر من الفتنة فقال سبحانه: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}، ويقول سبحانه أيضاً {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}. وما اختيارهم لهذه الظروف التي تمر بنا، في زمن كثرت فيه القلاقل والفتن والشيع والمذاهب والتحالفات السياسية والعسكرية ضد الإسلام والمسلمين إلا دليل على نواياهم التي لم تعد خافية على أحد. ولقد توعدهم الله سبحانه بقوله في محكم تنزيله فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}. إن المتبصر في واقع الحال يدرك تماماً وبشكل جلي من يقف وراء أصحاب هذه المنابر والمعلومات الملفقة التي ترد إليهم والتي لا يمكن أن تكون إلا برسم استخباراتي مدروس تحالفت فيه الدول الغربية وأذنابهم من المعدودين على الإسلام لضرب العمق الإسلامي في دولة أعزها الله سبحانه بأن جمع فيها الحرمين الشريفين وأعزها الله بولاة أمر يحكمون بشرع الله سبحانه ويرفعون لنا راية التوحيد على بيرقنا، وتفردوا بذلك على دول العالم العربي والإسلامي. لذا كان لا بد من حيلة يغزون به مجتمعنا البريء المحافظ المسلم المتماسك فاختاروا جماعة خبروها جيداً تنتمي لحزب يسمى حزب التحرير، وهذا حزب معروف يبدأ بالمناداة بإنشاء خلافة إسلامية ولكن بخطة ومفهوم غربي لغرض السيطرة على مقدرات بلاد المسلمين وثرواتهم وزعزعة أمنهم وثقتهم بولاتهم، فيبلبلون أفكار المسلمين ويشككونهم ببعضهم ويتهمونهم بالخيانة والعمالة للغرب ويكفرونهم ويلحدونهم، وغايتهم القصوى هي الوصول إلى الحكم. ولقد وجدت الصهيونية ضالتهم في جماعة لندن، ففقيههم وأعوانه ينتمون إلى الحزب المذكور. وسوف أعرض بشكل مختصر عنه تبياناً لحقيقته وحقيقتهم. فهذا الحزب أسسه تقي الدين النبهاني عام 1952م ثم خلفه عبدالقديم زلوم وهما من فلسطين، بعد ذلك تأسس فرع للحزب في لبنان عام 1378ه بطلب من طلال البساط، مصطفى صالح، مصطفى النحاس، ومنصور حيدر، وتولى فرعه في الأردن أحمد الداعور، وفي بغداد عبدالعزيز البدري وعبدالرحمن المالكي في دمشق. وقد صدرت اجتهادات كثيرة شرعية لهذا الحزب ولكنها كانت محل انتقاد جمهور علماء المسلمين. ويفلسف الحزب طريقة وصوله إلى تحقيق أهدافه بما يراه من أن أي مجتمع إنما يعيش الناس فيه داخل جدارين سميكين هما جدار العقيدة والفكر وجدار الأنظمة التي تعالج علاقات الناس وطريقتهم في العيش. فإذا أريد قلب مجتمع ما عن طريق أهله يجب ضرب جداره الخارجي وهي الأفكار حتى يؤدي ذلك إلى صراع فكري يتبعه انقلاب فكري ثم انقلاب سياسي فتسلم زمام الحكم. والحزب يحرم على أعضائه الاعتقاد بعذاب القبر وبظهور المسيح الدجال، ومن يعتقد هذا هو في نظرهم يعتبر آثماً. ومن المآخذ التي وجدها عليهم طلبة العلم والدارسون ما يلي: 1- القضايا الدعوية: هذا الحزب الذي ينتمي له الفقيه والمسعري وزملاؤهما يركز اهتمام أعضائه بالنواحي الفكرية والسياسية وتهميش النواحي التربوية والروحية. وهم يركزون على الجدل وليس النقاش (الجدل) مع كافة الاتجاهات الإسلامية الأخرى. كذلك فهم يهتمون بالعقل في الجوانب العقدية مثلهم في ذلك كمثل (المعتزلة). وهم يعتمدون على النصرة من أطراف خارجية للوصول إلى الحكم. وهم يقتصرون غايات الإسلام دون بعضها فيأخذون منه ما يريدون ويهملون ما لا يوافق هواهم. ولأنهم يركزون وبشدة على الوصول إلى الحكم وهو منتهى غاياتهم فهم يعادون من أجل ذلك جميع الأنظمة التي يستهدفونها. 2- أما من النواحي الفقهية: فحزبهم يتبنى بعض الأحكام ويلزم أتباعه على العمل بها ونشرها ومن ذلك: إباحتهم تقبيل المرأة الأجنبية بشهوة وبغير شهوة، وهم يبيحون النظر للصور العارية، ولأنهم يستمدون قوتهم من الدعم الأجنبي فهم يجيزون عضوية غير المسلم والمرأة في مجلس الشورى، ولأنهم يكفرون المسلمين ويتهمونهم بالكفر والإلحاد، فضلاً عن الدعم الأجنبي الذي يتلقونه فهم يجيزون القتال تحت راية شخص عميل تنفيذاً لخطة الداعمين لهم على هذا، فهم لا يرون بأساً في أن يكون القائد في الدولة المسلمة كافراً، كذلك فهم يسقطون الصلاة عن رجل الفضاء وسقوطها هي والصوم عن سكان القطبين. كذلك فهم يحكمون على من تزوج بإحدى محارمه بالسجن فقط عشر سنوات. كذلك فهم يحرمون الركوب في وسائل المواصلات التي يملكها مسلمون ويجيزونها للشركات الأجنبية، وهم في ذلك مسيرون برضاهم خدمة لمن يدعمونهم. ويركز الحزب نشاطه في الأردن وسوريا ولبنان مع علاقة خاصة بأوروبا عموماً وبخاصة بريطانيا والنمسا وألمانيا. (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - مجلد 1 - الطبعة الثالثة - 1418ه). وبعد استعراضي المختصر لماهية حزبهم وأهدافه وطرقه وأفكاره، فلا عجب أن يتجهوا إلى ولاة الأمر في بلادنا وإلى علمائنا يحرضون عليهم السفهاء ويبهتونهم بما ليس فيهم من أفعال وأقوال لم نرها فيهم..! وهم على علمٍ أنهم لن يستطيعوا بإذن الله أن ينالوا من أمننا وأمن بلادنا مهما بلغ سلاحهم، وهم في دعواهم الباطلة يسوقون بضاعتهم النخسة وهي الديمقراطية (مع تحفظي الشديد تجاه هذه الكلمة التي سوف أعود بإذن الله تعالى إلى الحديث عنها في مقال آخر)، ولو تسمع لهم لما وجدت للديمقراطية مكاناً في مواقعهم في الإنترنت أو القناة الفضائية الزرقاء التي لا يوجد بها إلا أصوات جماعات لا يتعدون بضع أصابع من الدجالين والدجالات وبعض المغرر بهم الذين ينسبون أنفسهم إلى عائلات أو قبائل معروفة، وإني والله أحسب تلك العائلات والقبائل - والله حسيبهم - بريئين من هذه التفاهات. إننا نشعر بغصة حين نرى بعض شبابنا ممن غرتهم الحياة الدنيا ودعاة الباطل فصدحوا بدعواهم تحت ظلال الصليب، وبمباركة ودعم من الصليبيين والصهيونية في تلك البلاد، فضلُّوا وأضَلّوا، وفي حديث عن رسول الله عليه أتم الصلاة والتسليم حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن أب وائل قال: قال عبدالله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إليَّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني فأقول أي رب أصحابي يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك)، رواه البخاري. فهم يوالون الكفار ولاية متبادلة المصالح ولاية تذهب بهم إلى تكفير المسلمين واتهام الأنظمة الإسلامية بالإلحاد وبث سمومهم الفكرية بين أبناء المجتمع المسلم وذلك بتصوير الواقع لهم بأنه واقع أسود ولا صلاح فيه فلذلك ينبغي تغييره وذلك بتغيير أنظمته وفرض أنظمتهم، وهم يجدون لهم جماعات جاهلة بدينها قليلة التبصر بدعواهم وغاياتهم البعيدة فيستمعون لهم ويعتنقون مذهبهم لشعورهم بالنقص الذي يخلقه هؤلاء الزمرة من واقعهم فيعبثون بهم بأماني غير واقعية لتغير شامل يلبي جميع رغباتهم وغرائزهم فينقاد لهم الجهلاء وضعاف النفوس فيبجلونهم ويبجلون أنفسهم بهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا}، وتكفيرهم لإخوانهم المسلمين يأتي من إيمانهم بمن يدعمونهم من الكفار، يقول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً}، يقول ابن كثير: أي من بخلهم لا يأتون الناس مقدار النقطة في النواة. ولكن الله سبحانه قد برأنا من هؤلاء الفئة فقال عز وجل: {وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ}، أنسي أم تناسى دعاة الإصلاح هؤلاء - كما يسمون أنفسهم - قول الله تعالى في أشياعهم: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}. ويقول سبحانه {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. أيريدون أن يقنعونا أنهم يعملون في بلاد الصليبيين ضد الصليبيين، وأنهم يعملون لأجل الإسلام؟! أيوجد في التاريخ دولة صليبية قدمت لأبناء الإسلام أو للإسلام أي منفعة؟! بالتأكيد لا.. فلماذا تضم أمثال جماعة لندن وتزودهم بالمال وتعد لهم الخطط ضد أبناء دينهم لو لم يكونوا مرتبطين معهم بأهداف خفية حقيرة! إننا نرفض كل مفهوم غربي يخالف ديننا ويشق عصا الطاعة فينا لولي أمرنا ويضعفنا ويشتت شملنا. ولن نقبل أن يفرض علينا ما سموه مبدأ حرية الرأي، ما دام أنه بوجه وبمنهج غربي. فهذه هي بداية السقوط حين نضطر أن نسمع من ليس صاحب رأي نزولاً عند هذا المبدأ، حتى يوصلنا برأيه الأحمق إلى شتات الرأي والضعف، ومحاكاة الغرب وشيئاً فشيئاً تمحى هويتنا ونزداد تدهوراً فتتحول الحرية إلى تحرر من ديننا الذي هو عصمة أمرنا ثم عاداتنا ومعاييرنا الاجتماعية وقيمنا السامية، وكل ذلك بدعاوى الإصلاح، وقد وصف الله تعالى هؤلاء الناس في كتابه العزيز فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}. وشرعوا في مواقعهم الهدامة وقناتهم المضلة في سب وشتم ولاة الأمر وغيرهم وكل مسلم خالفهم، فيبهتون تارة وتارة يغتابون ويقاسمون بعضهم على النصر..! ممن ينتصرون!؟ لقد توعد الله من يؤذي المؤمنين والمؤمنات بظلم متعمد وبهتان ليس فيهم أو بغيبة بظن فاسد، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}. فلا ينبغي أن يتعامل المسلم مع أخيه المسلم على أساس الظن والشك والريبة أو على أساس ما يتناقله المنافقون والحاقدون من معلومات يهدفون من ورائها إلى زرع الشقاق بين المسلمين، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}. ويقول سبحانه أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، وقال عليه الصلاة والسلام في وصف المسلم بشكل مختصر مفيد: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، رواه البخاري ومسلم. فلا والله ما سلم أحد من أذاهم بألسنتهم، ولم يكتفوا بذلك بل حرفوا في بعض الأسماء تحريفاً طال ما يضاف من أسماء الله بما تقتضي العبودية له سبحانه إلى عبودية من صنع لهم هذه المنابر، فوقعوا في شبهة تحريف أسماء الله جل وعلا فأصبحوا ظالمين ابتداء، فأي دعوة إصلاح تلك التي يدعو بها ظالم..!؟ أما تذكر هؤلاء أمر الله سبحانه حين قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. ففي الآية الكريمة أمر من الله سبحانه بوجوب اجتناب سخرية المسلم من المسلم والتنابز بالألقاب، فكان فعلهم فسقاً.. فأي دعوى إصلاحية يصدح به فاسق..!؟ لقد لبسوا علينا الحق بالباطل، فأين ذوو العقول؟ أيعقل أن يتولى أمر الأمة من يقترف السباب واللعان والكذب والدجل؟ أيقبل أن يتولى أمرهم فقيه في أصول البهتان والسعي لفرقة الأمة والمجاهرة بالسوء من القول؟ أيظن هؤلاء أن دعاوى الإصلاح لا تأتي إلا على منابر الصليبيين واليهود؟ أنسي أم تناسى فقهاؤهم أنهم يقيمون في دولة زرعت السرطان الصهيوني في قلب الأمة العربية والإسلامية؟ وأنهم وما زالوا يقدمون لإسرائيل جميع المساعدات الممكنة لتمكينهم من سحق صوت الحق وحرب الإسلام في فلسطين؟ أما سأل هؤلاء الجهلاء أنفسهم أين قائدهم وفقيههم؟ ولماذا يدفعهم إلى المهالك وهو يختبئ بعيداً خلف صلبان الكفار في لندن؟ أيظن أحدهم أنه بذلك يحسن صنعاً بنفسه وبدينه وبأمته؟ لقد نبأنا الله جل وعلا عن الأخسرين أعمالاً فأسبق ذلك سؤالاً استفهامياً لاسترعاء الانتباه بخطوة النبأ فقال سبحانه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}. وأصحاب هذه الدعوة الخبيثة يتخبطون في كل موضوع، فيذهبون إلى عدم جواز تسمية الدولة السعودية بحكامها..! أنسي هؤلاء أن هناك دولاً كالدولة الأموية مثلاً منسوبة إلى البيت الأموي، وأن الدولة العباسية كذلك منسوبة إلى البيت العباسي.. وغيرها الكثير من الدول الإسلامية التي بلغت إلى مشارف الصين شرقاً وإلى المغرب الأقصى غرباً وجنوب أوروبا شمالاً وإلى بحر العرب جنوباً، ورغم ذلك سميت بدول منسوبة لحكامها فتوحد المسلمون لانتماء واحد وهو الإسلام في دولة واحدة. أما المسميات الحديثة للدول الإسلامية فقد نشأت إبان الاستعمار الصليبي للدول الإسلامية بغرض طمس الهوية الإسلامية وتفكيك المسلمين على أساس جغرافي وعرقي، كما أني أرى أن طرح موضوع المسميات وما إلا ذلك من سخافات الذرائع، دليل على وهن الحجة وقلة الثقافة وضعف الاستناد، وما الغاية من ذلك إلى السعي إلى العدوان والخروج على ولي الأمر، ليس إلا لترضية الصهيونية العالمية وزعمائها من النصارى واليهود، وهم بلا شك يأخذون في مذهبهم ما وافق هواهم وهوى أسيادهم الذين يمدونهم بما يحتاجون من وسائل الفساد، لقد قال الله عز وجل: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. ولقد أمر الله سبحانه رسوله عليه الصلاة والسلام حينما أرسله بدعوة الإسلام فقال سبحانه: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. هذا أمر من الله سبحانه وبيان لمنهج الدعوة إلى الهدى والإصلاح والحق في مخاطبة الكفار والمشركين فكيف بنا في مخاطبة أخوة لنا في الإسلام. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد قال الله سبحانه عن رسوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. فالدعوة للحق والعدل والإنصاف والإصلاح لها شروط في ذاتها وفي القائمين بها، فأين شروطها في ذاتها لدى الدعوة - المسماة جوراً بالإصلاح، والتي تحمل الفكر الغربي التحريضي ضد المسلمين؟ وكذلك أين شروطها في القائمين عليها هناك؟ الكل يعرف أنهم ليس لديهم وظائف شريفة يتقاضون منها رواتبهم..! عدا ما يقدمه أعداء الإسلام لهم والذي يصل إلى ملايين الدولارات تجعلهم يفتحون قناة فضائية ويركبون أفخر السيارات ويسكنون في أفخم المناطق ويأكلون من ألذ الأطعمة.. وما خفي كان أعظم ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولأن هذه الزمرة لا تستمد قوتها من أسس سليمة ومنهج قويم وفكر صحيح فهم يشرعون في أحاديثهم بالتعرض لمن يعادونه أو يخالفونه بالسباب والشتم مما يعكس فسادهم وخبث نياتهم، ولا نجد ذلك في صاحب الدعوة الإصلاحية الحقة الذي يتعامل مع الآخرين برفق وصبر وبمنطق، وليس بالصراخ ومقاطعة الحديث والسب والتهجم على فلان لأنه لم يؤيدني أو فلان لأنه امتدح خصمي، مما يدل على فساد دعواه وضعفه في نفسه وافتقاره إلى بديهيات وأساسيات التعامل الراقي وحسن الخلق. أما يقرؤون القرآن ويتدبرون آياته؟! يقول سبحانه في أمره لموسى وأخيه هارون عليهما السلام: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، هذا الأمر الإلهي من الله سبحانه لموسى وأخيه حين بعثهما لدعوة فرعون الذي وصفه الله فقال سبحانه عنه: {فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}. فكيف بنا الحال ونحن نتحدث مع أخوة لنا في الإسلام. وكان من هديه عليه الصلاة والسلام في توجيه المخطئ وإرشاد المذنب أنه كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا.. وكل ذلك منه صلى الله عليه وسلم محافظة على مشاعر الآخر حتى يكون أكثر قبولاً للنصيحة، وحتى لا يساعد الشيطان على أخيه فتأخذه العزة بالإثم فيرفض النصيحة. إذا كانت هناك بعض الأخطاء- والخطأ وارد- فنحن حين نقر بأخطائنا فهذا إعلان منا بسعينا إلى إصلاحها، فليس من بشر إلا ويخطئ ويصيب ويخطئ ويصيب، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه. كما أن جميع الأنبياء والرسل عليهم أتم الصلاة والتسليم عصمتهم فقط في جانب الوحي، أما أمور الدنيا فالخطأ وارد بها عندهم فكيف بنا ونحن المجتهدون. ومعالجة الخطأ إن وجد ليس بخلق خطأ آخر أعظم منه. وأي خطأ أكبر من التحريض على الخروج على ولي الأمر، والدعوة إلى تفريق جميع المسلمين. يقول عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}. إن طاعة ولي الأمر واجبة بأمر إلهي حتى لا تتفرق الآراء فيتفرق المسلمون ويضعفوا فيكونوا لقمة سهلة لأعدائهم، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. فقرن بين الإيمان وبين الطاعة له سبحانه وللرسول عليه الصلاة والسلام وأولي الأمر. ويقول عز وجل: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}. وقد شدد رسول الهدى عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى على عدم الخروج على ولي الأمر إلا أن يأتي بكفر بواح. يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه. فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) رواه البخاري ومسلم. وقد كتب أهل العلم في تفسير هذا الحديث. ففي فتح الباري في شرح صحيح البخاري، مجلد 13 الصفحة 8، قال الخطابي معنى قوله بواحاً يريد ظاهراً بادياً من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحاً وبواحاً إذا أذاعه وأظهره وأنكر ثابتاً بالدلائل. وقال ابن حجر في الفتح: ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ما دام فعله يحتمل التأويل. ونقل ابن حجر عن النووي أنه قال: ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام. وقال غيره: المراد بالإثم المعصية والكفر، فلا يعترضوا على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر. وعند ابن حبان زيادة: وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك (تنوير الحوالك - مجلد 7 - صفحة 296). أسأل الله أن يحسن خواتيم أعمالنا وأن يتوب علينا إنه غفور رحيم.