لدورات الخليج أهمية كبرى بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث شكلت نقلة نوعية في تطور الكرة الخليجية وإحداث وثبة سريعة على المستوى الخارجي، والتي خلالها دخلت تلك المنتخبات أبواب العالمية وعانقت الكثير من المكتسبات على الصعيدين القاري والعالمي. ففي الوقت الذي كانت مشاركة تلك المنتخبات عبارة عن إقامة لقاءات ودية وحبية في حقية الثمانينيات الهجرية .. جاءت فكرة إقامة وتنظيم أول بطولة عام 1390ه بالبحرين لتمثل باكورة المشاركات الرسمية للرياضة الخليجية.. واستمرت بطولاتها كل عامين لأكثر من ثلاثة عقود زمنية.. كانت عنواناً مثالياً لروح المنافسة الشريفة وتعزيز أواصر التعارف وتبادل الخبرات فيما بينهم. الجزيرة، ومن منطلق تفاعلها مع خليجي 17 الذي سيقام بعد أيام في العاصمة القطرية « الدوحة »، تستضيف عدداً من نجوم الكرة السعودية الذين شاركوا في دورات مختلفة عبر حلقات تُنشر تباعاً، مزودة بالحقائق التاريخية والصور النادرة والقديمة. واليوم نتناول أحد هذه الأسماء المحفورة في الذاكرة بعطائها الرفيع وسمعتها الطيبة.. ضيفنا هو مدافع الهلال والمنتخب السعودي (سابقاً) اللاعب عبدالله فودة الشهير بلقب (العمدة)، أبرز نجوم الدورة الثالثة في الكويت عام 1394ه.. استضفناه ليحكي لنا أبرز أحداثها: ***** ضربة البداية كانت بدايتي الرياضية في النصف الثاني من عقد الثمانينات الهجرية في الحارة في حي شعبي بالمدينة المنورة يقال له حي (باب الكوفة).. وأذكر أنني سجلت في نادي أُحد شبلاً وعمري لا يتجاوز (14 عاماً)، حيث سجلت في الكشوفات الأحدية بلا مقابل عن طريق المشجع الأحدي المخضرم (حمندي)، ومثلته في ثلاث درجات في خط الدفاع، ثم انتقلت لتمثيل نادي الهلال عام 95-1396ه حيث شكل انضمامي للزعيم نقلة كبيرة في حياتي الرياضية؛ إذ ساهم ذلك في تطوير قدراتي الفنية وتعزيز خبراتي الكروية نظراً لوجود عناصر فعالة في كل مركز، علاوة على الكفاءات التدريبية العالمية التي أشرفت على المجموعة الهلالية في تلك الحقبة الفارطة. انضممت لمنتخب المملكة للناشئين عام 1393ه ثم التحقت بصفوف منتخب المملكة الأول في الموسم الذي تلاه، واستمررت مع الأخضر وفي الملاعب حتى عام 1406ه، حيث ودعت الكرة وعلقت حذاء المشاركة، بعد أكثر من 14 عاماً كانت مليئة بالبطولات والإنجازات التي حققتها مع فريقي (الهلال)!! الكويت صنعت نجوميتي لعبت في جميع مراكز الدفاع.. وتألقت في مركز قلب الدفاع، وكانت نجوميتي في دورة كأس الخليج الثالثة بالكويت عام 1394ه رغم صغر سني وحداثة مشاركتي، لكنها كانت مشاركة مثمرة لي استفدت منها فنياً رغم خسارتنا اللقب ضد الكويت. توفيق قدمني للأخضر!! تمثيل المنتخب وارتداء شعاره أمنية كل لاعب بلا شك.. فعلاقتي مع المنتخبات الوطنية بدأت في عام 1393ه، حيث انضممت لمنتخب الناشئين عن طريق مدربه آنذاك إبراهيم توفيق، حيث شكل منتخب ضمَّ مجموعة كبيرة من اللاعبين الناشئين من مناطق المملكة الوسطى والغربية والشرقية للعب ضد فريق سانتوس البرازيلي بقيادة أسطورته بيليه.. وأذكر ان عدد اللاعبين الذين تم تجميعهم من هذه المناطق قرابة 35 لاعباً، ثم لعبنا ضد فريقي الشباب واليمامة (الرياض حالياً) لقاءات ودية.. طبعاً تم اختيار عدد من اللاعبين الذين برزوا مع منتخب الناشئين لمنتخب المملكة الأول، وذلك استعداداً لدورة الخليج الثالثة بالكويت عام 1394ه، حيث رشحت للانضمام للأخضر عن طريق المدرب العربي المصري القدير محمد عبده صالح الوحش الذي كان يقود مهمة الإشراف على تدريب منتخب المملكة آنذاك. أعتز بالوحش!! أتذكر جيداً قبل انطلاقة الدورة الثالثة بالكويت بشهرين تقريباً أقمنا معسكراً تحضيرياً في تونس ومصر، ولعبنا عدة لقاءات ودية.. وأذكر أنني لعبت أول مباراة تجريبية لي مع المنتخب كانت ضد الافريقي التونسي، وقد لعب معي ناصر الجوهر وعبدالرزاق أبو داود وخالد التركي ومبارك الناصر وأسماء أخرى لا تحضرني الآن.. وكنت أصغر لاعب، واذكر ان (الوحش) قبل ان يشركني في المباراة (مسك أذني وقال أنا حاسس ان عندك إصرار وعزيمة أنك تقدم نفسك وتثبت أنك مؤهل لتمثيل منتخب بلادك). طبعاً أجّج الحماس في داخلي بصورة أكبر عندما أدركت ان هناك من يدعمني ويقف معي في هذه التجربة.. والحمد لله كسبت ثقة المدرب في المباراة وعندما انتقلنا للمعسكر في مصر الذي استغرق أسبوعين وزع الوحش اللاعبين إلى مجموعتين للعب ضد منتخب مصر الأولمبي والمنتخب الأول، فلعبت المباراة ضد الأولمبي المصري في مركز الظهير الأيسر.. ولاختلاف المدرب مع كابتن المنتخب الأول عبدالرزاق أبو داود استبعده عن التشكيلة الأساسية التي ستلعب أمام منتخب مصر الأول (ودياً)، فاستدعاني الوحش لهذه المباراة ولعبت بجوار ميمي أبو داود.. ولا أنسى في الواقع الموقف الذي حصل بيني وبين المدرب عندما مسك أذني بقوة قبل بداية المباراة وأسدى لي بعض النصائح، واذكر انه قال لي (دي فرصة العمر وأنت الآن تلعب ضد فطاحلة الكرة المصرية أبو جريشة وأحمد عبدالله والشاذلي.. فلو قدمت مستوى مرضياً سأعتمد عليك كثيرا في بطولة الخليج)، وبالفعل لعبت مباراة العمر وقدمت مستوى أشاد به الجميع، وكسبت ثقة المدرب رغم خسارة المنتخب (0-1)، حيث عزز هذا النجاح حظوظي في ارتداء شعار الوطني في أول مشاركة رسمية لي مع المنتخب في البطولة الخليجية الثالثة في الكويت. نجوم كبار!! ناصر الجوهر وعلي عسيري كانا يمثلان أبرز المدافعين للجنبين الذين مروا على الكرة السعودية.. فالجوهر الذي تألق مع النصر والمنتخب في مركز الظهير الأيسر، والعسيري الذي لعب للاتحاد ثم الأهلي، نجحا في تطبيق طريقة الظهير المهاجم في تلك الحقبة مع المنتخب إبان البطولة الخليجية الثالثة بالكويت، وكانا بالفعل من الأسماء التي برزت كثيراً في خليجي (3).. طبعا تشرفت باللعب مع هذين النجمين وبقية النجوم الكبار أمثال أحمد عيد وعبدالرزاق أبو داود وخالد التركي ومبارك الناصر. أداء هجومي!! بالتأكيد أسلوب اللعب في السابق يختلف عن الوقت الحالي.. ففي الماضي كانت طريقة 4-2-4 هي الطريقة الشائعة والأسلوب الأكثر الذي كانت المنتخبات والفرق تلعب به، وبالتالي كانت الجماهير الرياضية تستمتع بالأداء الرفيع الذي تكون عليه المنازلات، حيث كثرة الأهداف والأداء المميز لغياب الطريقة الدفاعية. الغراب والصاروخ الأبرز حصولنا على المرتبة الثانية في هذه الدورة لم يكن طموحنا البتة؛ لأن هدفنا بل آمالنا كانت تبحث عن انتزاع اللقب خاصة ان وضعنا الفني كان أكثر من رائع لولا الظروف التي هبطت علينا ليلة المباراة الختامية إلى جانب الأشياء التي حدثت مع الجماهير السعودية التي حُرمت من مؤازرتنا رغم أعدادها الكبيرة وكثافتها، حيث مُنعت من دخول استاد الكويت!! طبعاً اختير النجم سعيد غراب ومحمد المغنم (الصاروخ) ضمن أفضل ثمانية لاعبين، وحصل أحمد الطرابلسي على كأس أحسن حارس وجاسم يعقوب هداف الدورة طبعاً. تعتبر هذه الدورة الأجمل في حياتي الرياضية؛ لأنها الأولى في مشواري مع المنتخب.. ورغم خسارتنا اللقب إلا أنني كنت راضياً عما قدمته ويكفي إشادة الصحف الكويتية بأدائي والعطاء الذي قدمته رغم صغر سني وحداثة تجربتي؛ كونها الأولى لي في حياتي الرياضية. (جاسم) أزعجني لعبتُ ضد الكثير من المهاجمين المتميزين في هذه الدورة، ولكن يبقى المهاجم الكويتي سابقا جاسم يعقوب من أخطر المهاجمين.. طبعاً (جاسم) كان يمثل النجم الأحادي الذي لا يشق له غبار، حيث كان يملك قدما قوية تعرف طريق المرمى، وصاحب كونترول سليم يستطيع التحكم بالكرة في أضيق مكان، علاوة على ضرباته الرأسية وارتقائه العالي.. وأتذكر عندما كُلفت بمراقبته حصل بيني وبينه موقف لا أنساه: في إحدى الكرات عندما قمت بأخذ الكرة وهي خارج الملعب وعندما هممت برميها ضايقني وأخذ يضحك.. طبعاً هو فائز ب4-0 وأنا في قمة حماسي وغضبي، فرميتها في (وجهه)، ونلتُ بطاقة صفراء، وتمنيت لو أنني لم أتصرف بهذا التصرف الخارج عن الروح الرياضية.. طبعاً اعتذرت له بعد نهاية المباراة. كفاءة عالية!! أعتز كثيراً بالمدرب العربي المصري القدير محمد عبده صالح الوحش الذي أدين بالفضل له - بعد الله - في منحي الضوء الأخضر لمشاركة المنتخب في الدورة الثالثة بالكويت رغم صغر سني، حيث فتح لي آفاق المجد واستفدت منه كثيراً.. ويكفي انه اكتشف موهبتي الدفاعية مبكراً وعزز الثقة في نفسي، وهذا غير مستغرب من مدرب صاحب تاريخ معروف ومحاضر دولي قدم العديد من النجاحات التي تجسد كفاءته، إلى جانب المدرب الأسطورة بوشكاش الذي أشرف على الأخضر في خليجي (4). الأسطورة بوشكاش وفي الدورة الرابعة بقطر عام 1396ه اخترت ضمن اللاعبين الذين سيمثلون الأخضر في هذه الدورة، وأتذكر أننا عسكرنا في 3 دول أوروبية في ألمانيا وإيطاليا والنمسا بقيادة مدرب ألماني (لا أذكر اسمه حالياً)، ثم بعده تم التعاقد مع المدرب المجري وأسطورة الستينات (بوشكاش) الذي تعاقد معه الأمير عبدالرحمن بن سعود كأول مدرب عالمي يشرف على الأخضر بجانب مساعده (ريال).. طبعاً كان المعسكر فترته طويلة، وبعد نهاية المعسكر عدنا للرياض وكنا مستعدين لهذه الدورة لظروف مشاركة المنتخب القطري بلاعبين أجانب تم تجنيسهم من أجل الاستفادة منهم وعددهم (3) لاعبين أذكر منهم أحمد فستق والخطيب ولاعب آخر. اقتصرت مشاركة المنتخب السعودي الرمزي الذي ضم مجموعة من الشباب وتم تدعيمهم بعناصر الخبرة وهم ناصر الجوهر والصاروخ وخالد التركي وخالد سرور، فكنت ضمن اللاعبين في المنتخب الأساسي الذين لم يشاركوا في هذه الدورة بسبب أجانب قطر.. طبعاً المسؤولون برئاسة الأمير فيصل بن فهد حرصوا على مشاركة الأخضر ولو بمنتخب رمزي من أجل استمرار الدورة التي انبثقت فكرتها من الأمير خالد الفيصل (مدير عام رعاية الشباب سابقاً)، وأتذكر ان الأمير عبدالرحمن بن سعود كان المشرف على المنتخب في تلك الدورة. الدورات في السابق أفضل أعتقد أن المستويات الفنية في دورات الخليج في السابق كانت أفضل بكثير من الآن.. ففي السابق كان هناك أسماء لامعة ونجوم في كل منتخب يشار لهم بالبنان، حيث أدى ذلك التواجد من النجوم في المنتخبات المشاركة لأن تكون المتعة الكروية والعطاءات الجميلة هي طابع المباريات في تلك الفترة.. أيضا أشعر ان الاهتمام الجماهيري في الماضي كان أكبر مما هي عليه بمباريات هذا العصر؛ إذ كانت الجماهير تكتظ بها المدرجات وتشجع بكل حرارة وحماس.. أما اليوم فما أعتقد استمرار ما في السابق.. ان الوضع تغير كثيراً فلم نلمس تواجد الجماهير في الملعب وغابت المتعة لغياب النجوم بالتأكيد!! ******** بروشتش تفوق على الوحش! أتذكر في اللقاء الختامي الذي جمعنا بشقيقنا الكويت، استغل المدرب الداهية الراحل يروشتش الخطأ الذي وقع فيه مدربنا الوحش حينما أشرك المدافع ميمي أبو داود بجواري (قلب دفاع)، وأسلوب لعبنا واحد، حيث استغل مدرب الكويت هذا الخطأ ونجح لاعبوه في إحراز 3 أهداف في أول ربع ساعة.. وفي الشوط الثاني طلب مني زميلي المدافع ناصر الجوهر ان أنتقل للعب في مركز الظهير الأيمن، ولعب الجوهر سنتر هاف بجوار ميمي أبو داود، وبالفعل عالجنا خطأ المدرب لكن بعد فوات الأوان.. طبعاً ثلاثة أهداف في 15 دقيقة كفيلة بزرع الإحباط واليأس في نفوسنا.. ولو لعبنا بهذا التشكيل منذ بداية المباراة لما خسرنا بهذه النتيجة الكبيرة التي انتهت لصالح الكويت 4-0 وبالمناسبة أعتبر المدرب يروشتش من المدربين الأبرز الذين أضافوا جوانب إيجابية وقدم أسماء لامعة على الخارطة الكويتية آنذاك. ******** الكويت هزمتنا قبل المباراة! في الثالثة بالكويت التي دخلناها بقيادة المدرب العربي محمد الوحش.. كان إعدادنا لها أكثر من رائع فنياً ونفسياً وكنا من أكبر المرشحين لإحراز اللقب لأول مرة، وهذا ما أجمع عليه النقاد والمتابعون عطفا على عروضنا القوية ونتائجنا المثيرة، فقد فزنا على قطر في أول مواجهة (2-0)، ثم كسبنا البحرين 4-1 ثم أقصينا المنتخب الإماراتي في الدور قبل النهائي.. وكنا بالفعل مجموعة متجانسة ونملك عناصر بارزة في معظم خطوطنا خصوصاً خط المقدمة المكون من الغراب والصاروخ وناجي عبدالمطلوب.. بيد ان الأساليب المزعجة التي مارسها معنا مشجعو الكويت ليلة المباراة التي جمعتنا بالكويت في نهائي الكأس ونحن بالفندق أفقدتنا جزءاً من التحضير النفسي لهذه المباراة، كما ان الإعلام الكويتي مارس دوراً مؤثراً جداً في التأثير على اللاعبين.. وأتذكر عندما توجهنا لاستاد الكويت لخوض المباراة الختامية تفاجأنا بوجود جماهير غفيرة جاءت من السعودية لمؤازرتنا، حيث لم يسمح بدخول الجماهير واكتفوا بدخول نصفها مما زادنا ضغطاً نفسياً رهيباً أثّر علينا وعلى الأداء، وخسرنا 0-4، فلم نكن نتوقعها البتة خاصة أن الأخضر كان من أفضل المنتخبات ولم يهزم طوال الدورة إلا لقاء الكويت الأخير. ******** «الثالثة» فتحت لي آفاق المجد تمثل مشاركتي في الدورة الثالثة بالكويت ذكرى غالية على نفسي لعدة اعتبارات: أولاً كونها أول مشاركة دولية لي مع الأخضر تشرفت خلالها باللعب مع نجوم كبار هم الأبرز في تاريخ الكرة السعودية كمبارك الناصر والصاروخ وأحمد عيد وسعيد غراب.. وهؤلاء كنت أثناء مشاركتهم في الثانية وأنا صغير أتمنى اللعب معهم، وتحققت أمنيتي ولعبت معهم في الثالثة. والسبب الثاني بروزي في هذه الدورة بشهادة المتابعين والنقاد رغم صغر سني.. صحيح أننا لم نحقق اللقب.. لكن كانت دورة إيجابية في مسيرتي الرياضية فتحت لي آفاق المجد بانتقالي لأعظم نادٍ سعودي وهو فريق الهلال صاحب القاعدة الأكبر جماهيرياً والأكثر شهرة وسمعة على الصعيد المحلي!! ******** (ناجي) أبهر البرازيليين عقب عودتنا للرياض أقمنا معسكراً قصيراً لمدة أسبوع تقريباً، وأتذكر لعبنا ضد فريق فلامنجو البرازيلي، وكان الفريق البرازيلي يضم معه النجم (زيكو) وانتهى اللقاء بالتعادل 2-2، طبعا شاركت في المباراة أساسياً مع تحسين وعلي عسيري وناصر الجوهر في الدفاع في مباراة كان نجمها الأول الجناح الخطير ناجي عبدالمطلوب الذي أبهر البرازيليين بمهاراته العالية وسرعته المتميزة.. كما نجح في التألق ايضاً ضد فريق سانتوس البرازيلي الذي لعب مع منتخب المملكة ودياً عام 1393 ه بقيادة الأسطورة العالمية « بيليه» .