بالصدفة - ورُبَّ صدفة خير من ميعاد - وجدت نفسي آخذة طريقها إلى إحدى المؤسسات العلمية. كنت كأي مواطن أسمع أن هناك مدارس لتحفيظ القرآن.. وهناك جماعات أخرى تخدم في ذلك السبيل، ولكن الناس كلهم لا يفرقون بين المدارس وهذه الجماعات، ويحسبون أن الانتماء واحد بدافع أن الهدف واحد. إلا أن الزيارة صححت هذا الوهم الخاطئ.. وثبت أن مدارس تحفيظ القرآن مؤسسات حكومية تسير وفق خطة تعليمية مركزة، ويتعلم الدارسون فيها وفق منهج تعليمي سليم.. هذا لا يهمني فالأمر أبسط في هذه الناحية. إنما الذي أحب أن أتحدث فيه هو أن هذه المدارس تُعنى بتحفيظ القرآن عن ظهر قلب لكافة الطلبة.. وأن المدارس المبتدئ فيها لا ينال الشهادة الابتدائية حتى يحفظ القرآن مجوداً.. ويعيد حفظه وتجويده في المرحلة المتوسطة. هذا ما حدثني فيه الشيخ عبدالله محمد الزعاق مدير مدرسة تحفيظ القرآن في بريدة. وهذا ما وقفت عليه وأنا أستمع إلى شباب في عمر الزهور يرتلون القرآن ترتيلا. حقاً.. لقد وجدتني بعيداً عن المادة، ووجدتها فرصة لأعيش فترة روحية خلصتني من رواسب الحياة وأتعابها، ونقلتني إلى جو مشرق يشع بالنور ويعبق بالأريج.. هذا المجتمع نحن بحاجة إليه.. لقد كانت مفاجأة عذبة أن وجدت اطفالا تشع البراءة من وجوههم تماما كما يشع النور من ذات الجوهر النقي، يتلون ذلك القرآن العظيم فتتساقط الكلمات من أفواههم كأحلى صوت.. وأحسن نغم يملأ النفس بهجة.. ويملأ الروح سعادة.. ويربط المجموعة بخالق المجموعة على حد (المؤمنون كالبنيان). إن هذه اللوحة الفنية البديعة تعطي ملامحها المشرقة الخطوط الرئيسية لذلك المجتمع البعيد القريب.. مجتمع الرسول وأصحابه، الذين يتدارسون القرآن ويعرفون معانيه والعمل به في آن واحد. ومن هذا المنطلق.. منطلق التعلم.. والفهم.. والعمل.. انداح في رياض هذه الجزيرة انبثاق مشرق وهاج يشع في الزوايا المظلمة ليبخر تكثف الشكوك وليتضاءل أمامه ذلك الشرود التائه الذي يتكثف مع الزمن. إن هذا القرآن طاقة دفاقة يتفاعل مع واقع الحياة ليحدد مسيرة الفئة المنصورة وسط هذا العج والثج والصخب، وليرسي كعبها في وجود محموم يهرف بما لا يعرف، ويتخبط كعشواء مجنونة. وان النداء الصارخ لهذه الفئة المنصورة التي أراد لها الفيصل الرائد أن تحمل هذا العبء الثقيل بصدق وأمانة واخلاص وأن تتحاشى أن تنضوي تحت لواء من قال فيهم القرآن {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} أو قول الشاعر: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول إنني لن أكذبك القول عن تحديد الزخ الشعوري الذي غمرني وأنا أطوف في أرجاء مدرسة تحفيظ القرآن من مرحلتيها الابتدائية والمتوسطة.. لقد كنت وربما كان الناس معي يعيشون في غفلة عن ذلك المرفق المهم، الذي تبناه الفيصل ورعاه رعاية خاصة لا تخضع لروتين يحد من الانطلاق.. وأسرفت الوزارة في دعمه.. واسرفت ادارة التعليم بالقصيم أيضا في الدفع به إلى الأمام.. وأسرف المدرسون والعاملون فيه فجاء ذلك العمل صورة صادقة وحية. لقد حدثني مدير المدرسة بما يثلج الصدر.. ويبشر بالخير.. وما قاله.. وما حققه الواقع لا يعد موضع غرابة.. فنحن أمة مسلمة.. يهمنا من أمرنا ما يهم الإسلام.. ويعلي كلمته.. وليس للقرآن عديل، ومن أضاع القرآن فقد أضاع كل شيء. كلمة شكر وتقدير لمدير المدرسة ومدرسيها.. وكلمة شكر واعجاب لمدير التعليم في المنطقة.. ودعاء من الأعماق لرائد هذه الأمة وحامي حماها.. وألف شكر لوزارة المعارف.