لحظة قبل الانطلاق وتنهد قبل أن أكتب حرفا أبحث عن حروفي تتلاشى أمام ناظري، ثم تعود لتتبعثر أفكاري، وأجد قلمي ينزف جرحا، وورقتي قد استحالت سوداء، أناملي ترتعش، وقلبي تتزايد نبضاته، وعيناي لا أستطيع أن أمنع طوفان الدموع من الخروج منهما.. لحظة قد تبدأ النهاية عندما أبدأ في بداية الكتابة.. نعم نهاية.. نهاية.. نهاية.. كيف لا وأنت غائب.. كيف لا ونبرة صوتك الحنون ما زالت ترن في مسامعي..كيف لا ونظرة عينيك البريئتين تجول في خاطري. ودعتك يا أبي.. وحروف اسمك لم تزل تنتظر على شفتي ودعتك يا أبي.. وصورتك لم تزل منسوخة في ذاكرتي ودعتك يا أبي.. وصوتك الحنون لم يزل يطرق مسامعي رحلت يا أبي.. وكل شيء تغير برحيلك كل شيء اختلط أمام ناظري، فالألوان تداخلت بلون رمادي كئيب يعكس صورة واقعي بعد رحيلك رحلت.. وبدل رحيلك نظرتي للأمور ومفهومي للحياة كيف لا.. ورحيلك علمني في لحظات ما لم أتعلمه على مقاعد الدراسة ستة عشر عاما نعم علمني غيابك الكثير، وما زلت أتعلم في مدرسة الزمن.. وأقلب صفحات الأيام.. وأقرأ كتاب العمر.. نعم هذا الكتاب الذي علمني رحيلك أنه لا بد أن يأتي اليوم الذي انتهي من قراءته أبتاه رحلت جسدا.. وبقي طيفك يلازمنا في كل ركن في المنزل أتذكرك، وفي كل موقف يمر بنا نستشعر أهمية وجودك.. المنعطف الأخير الساعة الواحدة صباحا من يوم الاثنين جاءت تلك اللحظة التي تكسر فيها كل شيء وضاع كل أمل ولم يبق سوى الألم كنت أحلم.. أحلم.. أن أراك وأنت ترفل بلباس العافية ولكني صدمت عندما علمت أني لن أراك ثانية وأن صورتك ستصبح أشلاء مبعثرة.. وصوتك سيصبح حروفا متقطعة وكأني عندما سمعت الخبر كانت حروفه كالسهم المسموم الذي استقر في صميم قلبي ليترك جدار قلبي ينزف للأبد.. ويتركني بقايا إنسانة كانت وكأنها لم تكن ابنتك التي تدعو لك بالرحمة والمغفرة إلى جنات الخلد يا أبي