حتى الآن لم أسمع بقطاع تجاري واستثماري تمكّن بطريقة ذكية وحاذقة من الوصول بالفرد لمستوى هيام محلق دفعه إلى منح ما لديه من أموالٍ لصالح ذلك القطاع برضا نفس، وسعة صدر، وإن أدرك أن في الجعبة نوايا مبيتة، وترتيبات أخرى تترقب ساعة الإفراج عنها. لم أسمع سوى بقطاع الاتصالات.. وما أدراك ما الاتصالات؟ تأقلم أجدادنا في زمنٍ مضى على غياب أهليهم لشهور تصل لسنوات دون معرفة بحالهم، وأوضاعهم في مدينة الغياب، فما من وسيلة اتصال ميسرة تقرّب البعيد!! أتى الهاتف وقربت المسافات البعيدة باستدارة قرص هاتف، وأمكن سماع صوت المغترب بعيداً.. ولأن المعاملات امتدت، والتكنولوجيا تطورت كان علينا مواكبة التطور بوجهٍ أو بآخر، فأصبح بإمكانك التخاطب لاسلكياً بالشخص وإن كان في صحراء الربع الخالي، فاتسعت دائرة الاطمئنان، وبات من الصعب الاستغناء عن الاتصالات اللاسلكية بهواتفها المتنقلة، وثبت عدم جدوى استمرارية التعامل بأجهزة البيجر فتقرر إلغاؤها، وأصبحت الكرة في مرمى (قطاع الاتصالات) وبقي الجمهور مطالباً بالتسليم، وقبول كل (ضربة جزاء)، أو (فاول) وطرد الغضب عند ارتطام الكرة بالعارضة وفرارها من مرمى كرة القدم، فقد باتت، وأضحت، وأمست في مرمى (قطاع الاتصالات) وبالتالي منحت (الجوال) حق السيادة منذ إعلان نبأ الموافقة على طرح وسيلة اتصالٍ هاتفية أخرى متنقلة تنافس الهاتف الثابت.. فالهاتف الثابت صديق العائلة أجمع مهما بلغ عددهم.. بينما الهاتف المتنقل صديق الشخص وحده، ويرفض مشاركة من عداه في الصداقة، وبالتالي كانت الفرصة مواتية للاتصالات لوضع سعر باهظ لمن يرغب في تأسيس جوال. 10000 آلاف ريال سعودي وتصبح المالك لشريحة جوالٍ بمساحة بصمة سبابة طفل سعادته لا توصف وهو يرنو نحو خطوات متعثرة تترقب الثبات !! بدأ العد التنازلي لسعر تأسيس الجوال، 3500 - 300 - 100 حتى أصبح (ببلاش) والقلوب في تهافت نحوه، لانتهاز فرصة تخفيض السعر بصرف أرقام لأبنائهم ونسائهم وخدمهم وسائقيهم.. كم هي رائعة الاتصالات راعت المستوى المادي للفرد حين تفضلت بجعل تأسيس الجوال والحصول على شريحة (ببلاش).. من يمتلك جوالاً، أصبح يمتلك اثنين وأكثر.. (واللي ببلاش ربحه بيّن). صرف الشرائح مستمر مع بقاء مبلغ الاشتراك المرتفع على حاله!! فبما نعلل العد التنازلي لسعر التأسيس وبقاء مبلغ الاشتراك على ما هو عليه؟؟! ثم حينما نوت الشركة توسعة نطاق الشبكة قررت إضافة الصفر بعد الخمسة.. وبعد إتمام عملية الإضافة سمحت باحلال الصفر محل الخمسة مقابل 25 ريالاً أو بقائه على وضعه.. وراغب الاستبدال بإمكانه الاحتفاظ بالرقم الرديف السابق أو رفضه.. كم هو ذكي وحذق مبتكر الفكرة. يرهق الشخص قدميه بنية الحصول على رقم قريب من رقمه أو مشابه له لأجل ابنه أو زوجته فيُطلب منه مبلغاً مادياً مقابل الرقم الذي يحدده.. واليوم لك إحلال الصفر محل الخمسة مع الاحتفاظ بالرقم الرديف ليصبح تحت امرتك شريحتان فتطالب بدفع مبلغ الاشتراكين، أو عدم الاحتفاظ بالرقم الرديف ويترتب عليه إلغاء رقمك السابق ولك تحمل ضياع التزاماتك وارتباطاتك بسبب عدم دراية الآخرين بأمر الاستبدال، ولم تترك الاتصالات (مسجاً) يتكفل بإخبار المتصل بأمر تغييرك للرقم أسوة بما فعلته حين إضافة الصفر. وحتى الآن لم اتوصل لسبب فرض مبلغ مقداره 25 ريالاً مقابل احلال الصفر محل الخمسة، وإن عده البعض مبلغاً ضئيلاً لكنه بمثابة كنز وربح قياساً بالأعداد المهولة لمشتركي الاتصالات. استهين أنا وأنت وهي في ال25 ريالاً، ونفرح برقم رديف لنفاجأ بجهل معارفنا بالرقم الجديد حين عدم رغبتنا في الرقم الرديف فنفتقد عدة اتصالات مهمة، وصفقات لا تعوّض.. ونتكفل أعباء مالية حين احتفاظنا بالرقم الرديف تضاف لأعباء أخرى حالية.. وعلى عينك يا تاجر وإن كنت شاطراً.. لا فرق. لنصل إلى الرسائل المصورة بعد أن كانت أسيرة أحضان الرفض، أطلق سراحها وفي وقت رتب له وخطط مع بقاء تعريفة الرسائل على ما هي عليه.. ونعلم جميعاً أن الرسالة المصورة بمثابة 3 رسائل نصية.. وفرحة المواطن بالإفراج عن الرسائل المصورة غيّبت عن ذهنه هذه النقطة.. وأنه بإرساله رسالة مصورة ستحسب عليه تكلفة ثلاث رسائل، لا رسالة واحدة نصية!! هل لفتت الاتصالات أنظار المشتركين لهذه الملاحظة؟؟ أم بشرتهم بالرسائل المصورة وتركتهم مبتهجين في معمعة السعادة، وفي بوتقة التخدير.. أما مستخدمو (بطاقة سوا) فالرسائل المصورة ستكلفهم ريالاً ونصف الريال عن كل رسالة.. كما أنه ليس لمستخدمي البطاقة الأحقية في احلال الصفرمحل الخمسة ما لم تتم الترقية وما يترتب على الترقية من مبلغ، بالإضافة إلى 25 الاستبدال، بجانب الاستعداد لمبلغ الاشتراك الشهري!! لِمَ لم يحاول قطاع الكهرباء.. أو قطاع الماء ممارسة الذكاء نفسه..؟! وبعد حمى الاتصالات تلاحقنا حمى أجهزة الاتصالات والحركة الدؤوبة في إنتاج الجديد والمطور كل ساعة لأن هناك من يسأل عن أحدث ما نزل.. فمن بربكم يضم بين يديه جهاز جوالٍ أتم لديه شهره السادس!! وللموضوع حديث خاص.. أعني أجهزة الجوال. آخر المطاف: بإمكان روائي مبدع صياغة ما سبق بأسلوب رائع مشوق يجنح نحو الخيال، بشرط احتفاظي بحقوق الفكرة. [email protected]