*د.عبدالملك بن عبدالله الخيال: أثلج صدري وأفرحني عندما طالعت صحف يوم الجمعة 17 شعبان 1425ه وقلت في نفسي هذه هي المواطنة الحقيقية لولاة الأمر في دعوة الناس لعمل ما يخدم الوطن والمواطنين، ذلك أن كلمة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ورئيس الحرس الوطني الموجهة للمواطنين والمقيمين بمناسبة تدشين حملة التوعية والترشيد الوطنية نحو ترشيد المياه والحفاظ على نعمة المياه، والتعاون مع الجهات المسؤولة لتخفيض الاستهلاك، وقوله (لن ندع أمراً فيه مصلحة للوطن والمواطن إلا أوليناه كل عنايتنا، وان المسؤولية الشرعية والاجتماعية والأخلاقية والنظامية تلزم المواطن والمقيم بالمحافظة على هذه النعمة. وكما تعرفون تعتبر المملكة من أشد الدول شحاً في الموارد المائية، ورغم ندرة المياه وتكاليف استخراجها العالية من مصادرها النادرة إلا ان استهلاك الفرد للمياه فيها يعتبر من أعلى معدلات استهلاك الماء في العالم، وإن الواجب علينا جميعاً المحافظة والحرص على عدم تبذير تلك الثروة الغالية التي تبذل الدولة الغالي والنفيس في سبيل توفيرها للمواطن بأرخص الأثمان مما تنتجه محطات التحلية أو مما يستخرج من المصادر النادرة غير المتجددة للمياه الجوفية من باطن الأرض. (عجبى بلد صحراوي يندر به الماء واستهلاك الفرد يعتبر الأعلى في العالم؟). ***** سيدي الأمير.. لقد تذكرت إنني القيت أول محاضرة عامة عن المياه وترشيدها في المملكة العربية السعودية عام 1390ه، أي منذ خمس وثلاثين سنة ماضية في رحاب جامعة الملك سعود في الملز وكان من الحضور صاحب المعالي وزير الزراعة والمياه الشيخ حسن المشاري في ذلك الوقت، واليوم حمدت ربي، عندما علمت بأن وزارة المياه والكهرباء ستزود المنازل بأدوات ترشيد للمياه مجانية خلال الحملة بهدف خفض الاستهلاك من الماء الى نحو الثلث أو أكثر وسيتوفر من خلال تركيب هذه الأدوات مبالغ ضخمة جداً من المال سنوياً. وحمدت الله مرة أخرى على ان هناك أناساً تفكر في مصلحة البلاد وعلى رأسها وزير المياه والكهرباء الحالي. ولكن يا سيدي أظن أنه من الأولى قبل أن يطلب من المواطن ترشيد الماء وعدم هدره يجب أن يذكر أن المسؤولية الشرعية والاجتماعية والأخلاقية والنظامية تلزم المسؤول قبل المواطن والمقيم بالمحافظة على هذه النعمة. وذلك بأن يطلب المسؤولون من المياه بأن ترشد الدولة استهلاك المياه وان توقف هدر الدولة للماء، وأكرر هدر الدولة للماء وقد تتساءل يا صاحب السمو هل فعلا هناك هدر للماء من الدولة؟ وأنا أقول نعم، وسيتساءل سموكم الكريم كيف؟ وأقول يجب على الدولة أولا اصلاح جميع خطوط شبكات المياه التي تسرب الماء الذي تدفع فيه الدولة مبالغ ضخمة لتوفيره لمواطنيها. هدر الشبكات التي لم تصلحها وزارة المياه يعادل 90% من استهلاك المياه في بلادنا خلال الليل، وحوالي 50% خلال النهار. وبعملية حسابية بسيطة يمكن أن نرى معدل استهلاك المواطن من قراءة العدادات ونطرحه من كمية الانتاج كما يجب على الدولة أن تلزم كل مقاول ينفذ توصيلة مياه، باصلاحها خلال عشر سنوات مجانا، إذا ثبت أن التنفيذ غير جيد. وأنا متأكد أن هناك الكثيرين سيحاولون تقليل هذه الأرقام لأنهم يخجلون أن يقولوا أنها صحيحة ويخجلون من قول الحقيقة لأنها قد تؤثر على بقائهم في مراكزهم. وجزء من العيب ليس منهم سيدي وإنما جزء منه يقع على من يناقش معهم الميزانية ولم يوفر لهم المبالغ الكافية لتصليح الخلل في الشبكات إن كانوا قد طالبوا بها ولم توفر. وأرجو في حالة توفير مبالغ لتصليح الشبكات أن تتم بطريقة تتبعها الدول المتقدمة. ما هي الطريقة التي تتبعها الدول المتقدمة؟؟ الطريقة هي في بدء تنفيذ شبكات للمياه والكهرباء والتليفون والتلفزيون مجتمعة، داخل أنفاق مسلحة في باطن الأرض، حتى يمكن صيانتها مستقبلاً، ولا تقولوا أن ذلك مستحيل، فتلك كلمة لا يستعملها إلا العاجز. وبلادنا ولله الحمد فيها رجال للمهمات، ورجال يمكنهم تفتيت الصخر بأيديهم العارية، ولا أدل على ذلك من النظر الى رقي وتطور المملكة في كل المجالات في فترة قصيرة جداً منذ أسسها مؤسس هذه البلاد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. يا صاحب السمو تعبنا من كثرة التحفير في الشوارع، هذه ماسورة ماء مكسورة وهذا كيبل كهرباء أو تلفون مقطوع ومستقبلا نريد تمديدات وتوسعات فنحفر من جديد ثم نحفر من جديد وهكذا. من يدفع ثمن ذلك كله؟! الدولة التي تعبت من شكوى المواطنين، الدولة مطالبة بعمل مشاريع تحلية جديدة وحفر آبار، وهذه تكلف أموالاً طائلة والمواطن مسكين، لماذا هو مسكين؟ المواطن يمرض من الغبار والأتربة الناتجة عن كل حفر، السيارات تخرب من كثرة الوقوع في حفريات المقاولين، وتكثر الكلفة على المواطن وبعضهم يزداد فقرا من كثرة المصاريف، كما تزداد الأمراض وتزداد مراجعة المستشفيات، لذلك تريد الدولة زيادة عدد المستشفيات وزيادة عدد الأطباء والممرضين والأدوية وخلافه، إنها سلسلة لن تنتهي، ويظل المواطن يطالب والدولة عاجزة عن تلبية جميع الطلبات، ثم يتذمر المواطنون ويتحدثون بخجل في المجالس والدولة محرجة. لماذا لأن الأمور من البداية يجب أن تنفذ بالطريقة الصحيحة. أحد تلك الأمور الهامة التي تقلق المواطن والمسؤول هي طلب تنفيذ شبكات أرضية من الأنفاق المسلحة في داخل مدننا وقرانا تمدد كما قلت فيها جميع الخدمات حالياً ومستقبلاً. يجب أن نخطط للمستقبل كيف نخطط لترشيد الماء مستقبلاً؟ التخطيط المبكر للمدن والقرى في بلادنا يجنبها الكثير من المشاكل، والتخطيط لحل المشاكل المستقبلية وأحد تلك المشاكل هو مشكلة توفير الماء مستقبلاً للمدن والقرى خاصة أن عدد السكان سيتضاعف عدة مرات. وأحد طرق توفير ماء الشرب هي: بايقاف هدره. وايقاف الهدر في الماء يمكن أن يحدث بطريقتين، تصليح الشبكة الحالية أو عمل شبكة جديدة حسب الأصول. وتغيير أسلوب حياة الناس في المدن الكبرى. وذلك يتم بعدة طرق منها، تغيير قوانين البناء والزام الجميع بعمل حنفيات أتوماتيكية تعمل بالليزر أو بالضغط.. وتعميم ذلك على المجمعات السكنية والدوائر الحكومية والمساجد والمطاعم وغيرها وتشجيع الناس بل اجبارهم على استعمالها. وفي بعض الأحيان جلبها وصرفها لتركيبها في المنازل. وثقوا أن ذلك أوفر على الدولة مستقبلا بدلا من عمل مشاريع جديدة كما ستعمل وزارة المياه حاليا. كما يجب أن يشجع المواطن أو حتى يلزم بتركيب خزانات طرد لا تستهلك المياه وتشجيع الكثير ممن يملكون حدائق كبيرة بعمل شبكتين داخليتين للمياه في منازلهم، أحدها لتزويد خزانات الطرد وسقيا الحدائق، والأخرى للاستعمالات المنزلية الأخرى. كما يلزم الجميع ممن لهم حدائق خاصة بزراعة جزء من الحديقة وليكن 10% من مساحة الحديقة بالنباتات الصحراوية والتي لا تستهلك ماء مثل الصباريات والشجيرات الصحراوية. والباقي إما يفرض بالحصباء أو يبلط. أما مصالح المياه فعليها تمديد ماسورة (ثمن بوصة) لماء الشرب للمنازل ولا يستثنى من ذلك أحد لا كبير ولا صغير لا قريب أو صديق. ومن يريد ماسورة أكبر فليعمل محطة تحلية صغيرة في منزله. وأعود لأقول أن أحد طرق زيادة الدخل القومي، هو عن طريق ترشيد الماء، ولترشيد الماء في بلادنا طرق عديدة، ولا أريد الغوص فيها. لأنه سيلزمني عدة أعمدة للخوض فيها، ولكن هناك أمور مهمة، ذكرت بعضا منها بعاليه، وسأذكرها مرة أخرى مثل: 1- على وزارة المياه والكهرباء ايقاف هدر الدولة للماء بتصليح شبكات الماء والبدء في عمل أنفاق مسلحة تركب فيها خطوط الخدمات من ماء وكهرباء وتليفون ومستقبلا كيبل التلفزيون. 2- على وزارة التجارة ايقاف توريد أية مواد تهدر الماء مثل الحنفيات المقلدة وخزانات الطرد الرخيصة التي تساعد في هدر الماء. وإعادة شحن وتصدير ما هو موجود في البلاد إلى دول لا توجد بها مشاكل مياه. 3- على وزارة البلديات ايقاف أية مخططات لا يلتزم صاحب العقار فيها بتنفيذ شبكة أرضية مسلحة للخدمات فيها. 4- على وزارة المياه مساعدة المواطن في تركيب المواد المرشدة لاستهلاك المياه. 5- تفعيل قانون صدر من مجلس الوزراء كان قد اقترحه المغفور له الأمير ماجد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عندما كان وزيرا للبلديات بناء على محادثة معه بتركيب حنفيات أتوماتيكية في المساجد والدوائر الحكومية والمجمعات السكنية. 6- إجبار المواطنين بتقليل الأشجار المستهلكة للمياه، والزرع بدلا منها شجيرات من النباتات الصحراوية مثل الصباريات وغيرها التي تتحمل قلة المياه وزرع أشجار من البيئة في الشوارع. 7- التكثير من التوعية الإعلامية وخاصة التلفزيونية بالأمور السابقة. 8- تركيز الزراعة المعتمدة على المياه الجوفية على مناطق نائية ومياه جوفية لا تستعمل كمصادر للمياه للمدن والقرى. خاصة تلك التي على أطراف الربع الخالي والنفود الكبير والدهناء والجافورة. 9- التقليل من الزراعة المعتمدة على الري السطحي. والاكثار من البيوت المحمية، والزراعة الحوضية بتدوير المياه. 10- تمديد شبكة ثانية للمياه المعالجة لري الحدائق. 11- عدم اصدار فسح بناء لأية عمارة أو مجمع سكني ليس به محطة معالجة لاستخدام الماء في صناديق الطرد وسقيا الحدائق. 12- اصدار قوانين ملزمة للمواطن بترشيد الماء وغرامات أقلها خمسة آلاف ريال للمخالفة الصغيرة، فالبعض الذي لا تهمه المواطنة لا يهمه مصلحة الوطن. يا صاحب السمو.. إن إيقاف هدر الماء يعني زيادة في الدخل القومي وتقليل ما يصرف على المياه وتوفير الناتج عن ذلك للمواطن وكذلك توفير بعض مصاريف الصحة العامة. ودمتم يا سيدي ذخراً لهذه البلاد.