السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد... فقد طالعت في عددكم الصادر يوم الجمعة 3-8-1425ه مقالاً بعنوان: ( داء الربو) كتبه يراع الأستاذ سلمان بن محمد العُمري، وقد شدني العنوان بحكم التخصص، وعندما قرأته وجدت أن الكاتب قد أصاب كبد الحقيقة، وجميل جداً أن يسهم الكتاب والمثقفون والإعلاميون على حد سواء في التوعية والثقافة الصحية شريطة استقصاء المعلومة الطبية الصحيحة من ذوي الاختصاص. وأعود هنا إلى الموضوع الهام الأخ العُمري فإنني أود أن أدلي بدلوي وفق رؤية علمية طبية عن تلك القضية المزعجة للعديد من الأسر في المجتمع السعودي خصوصاً، بل والأسرة الطبية عموماً، وبالطبع فإن مرض الربو يعد من الأمراض الشائعة المعروفة حديثاً ومنذ القدم، وهو ينتشر بشكل واسع في جميع المجتمعات، إلا أن الإحصائيات تشير إلى زيادة نسبة الإصابة بهذا المرض لتصل إلى 14% من التعداد السكاني في بعض المجتمعات، وخصوصاً بين الأطفال والشباب، وهؤلاء يشكلون ما نسبته20% تقريباً من المصابين بالربو، وفي المملكة العربية السعودية ووفق ما كتبه الأخ الأستاذ سلمان العُمري نقلاً عن معالي وزير الصحة الدكتور حمد المانع في تصريحه الذي أدلى به للصحافة بأن عدد المصابين بالربو يتجاوز المليوني فرد وهو رقم لا يستهان به بالمقارنة مع عدد السكان الإجمالي. ورغم أن هذا المرض له علاقة بالاستعداد الوراثي وانه يعتبر من الأمراض العائلية التي قد يصاب فيها أكثر من فرد من أفراد العائلة، إلا أن وجود المحسسات البيئية مثل الغبار المنزلي والجوي وتقلبات الجو من حرارة ورطوبة وروائح مختلفة مثل روائح الزهور والأشجار وروائح الطيور أو الحيوانات أو الحشرات مثل الصراصير وروائح الغازات والمصانع والتدخين، بالإضافة لبعض الأطعمة مثل البيض والسمك والشوكولاته وكذلك بعض الأدوية فهذه العوامل جميعاً يمكن أن تؤدي إلى إحداث النوبة الربوية عند شخص يحمل الاستعداد الوراثي، كما أن التهاب الجهاز التنفسي العلوي ونزلات البرد والزكام فإنها تعتبر من الأسباب، وتلعب العوامل النفسية والعصبية دوراً مهماً في هذا المجال فكثيراً ما نشاهد اشتداد المرض عقب التعرض لأزمة عاطفية أو توتر نفسي أو قلق لأي سبب من الأسباب ويمكن للمناخ الصحراوي الموجود في بلادنا وما يصاحبه انتشار الغبار الشديد والأتربة، بالإضافة إلى تقلبات المناخ أن يزيد من إمكانية ظهور المرض مقارنة مع كثير من الدول الأخرى. يتظاهر الربو الشعبي بنوب متكررة من ضيق أو صعوبة التنفس تختلف في شدتها من نوبة لأخرى ومن مريض لآخر، ويترافق ذلك مع حدوث صفير أثناء الزفير مع سعال مستمر وخصوصاً عند النوم، وتعود هذه الأعراض في آليتها لحدوث تشنج مع التهاب في جدار الشعب الهوائية وإفرازات لزجة يصعب إخراجها تتجمع في هذه الشعب وتضيقها. ويمكن للربو الشعبي أن يظهر في سن مبكرة فيصيب الأطفال وهذا بالطبع يشكل قلقاً للأبوين وخاصة عند اشتداد المرض وفي هذه الحالة يجب مراجعة الطبيب في أسرع وقت ممكن، كما يتوجب على الأهل التعامل مع الطفل على أنه سليم يتمتع بجميع ما يتمتع به الأطفال الآخرون وأن هذه الحالة هي أزمة سرعان ما تنتهي ليعود الطفل إلى حالته الطبيعية، وهذا له أثر كبير في الاستجابة السريعة للعلاج. ومع ملاحظة ازدياد نسبة الإصابة عند الأطفال فقد تم التعرف على بعض الأسباب المسؤولة عن ذلك مثل وجود البنية التحسسية عند الطفل المصاب (مثل التهاب الانف التحسسي والأكزيما) أو إصابة أحد افراد العائلة والتعرض لدخان السجائر، ويعتقد بعض الخبراء أن السبب وراء زيادة المرض عند الأطفال هو التعرض الزائد للمحسسات بينما يعتقد آخرون أن قلة الرضاعة الطبيعية تحرم الأطفال من الأجسام المناعية التي يأخذها الطفل من أمه، وبالإضافة لذلك هناك ايضاً الربو الذي يحدث بعد الممارسة الرياضية، وفي هذه الحالة يجب اعطاء الطفل موسعات الشعب الهوائية قبل البدء بممارسة الرياضة. يساعد علاج الربو في التحكم بالمرض والحيلولة دون تكرر النوب ولكنه لا يؤدي إلى الشفاء النهائي أو التام، وعلى مريض الربو أن يلاحظ ويدون موعد النوبات ومدتها وأن يلاحظ العوامل المثيرة لهذه النوب (غبار، روائح) وتجنبها إن أمكن. هناك أدوية كثيرة يمكن استخدامها في العلاج ومنها طريقة البخاخ الموضعي وهي طريقة جيدة وآثارها الجانبية قليلة، كما أن هناك ادوية حديثة أخرى وموسعات شعبية تعطى عن طريق الفم تساعد في السيطرة التامة والكاملة على المرض. ونظراً لوجود حالات شديدة من الربو يمكن أن تؤدي إلى ضيق وانسداد شديد في الشعب الهوائية وبالتالي عدم التمكن من القيام بعملية التبادل الغازي وما يؤدي إليه من نقص في أوكسجين الدم وزيادة احتباس غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل يكون مهدد للحياة أحياناً، ونظراً للأعداد الكبيرة من المصابين بهذا المرض، وخصوصاً انتشاره الواسع والزائد بين الأطفال فإنه كان لابد من حشد كل الامكانيات وتضافر الجهود التي تبذل من اجل منع او تقليل هذا الخطر، إنها مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الكادر الطبي من ممرض أو طبيب ومسؤولية المجتمع من مؤسسات صحية وغيرها أن تقوم بحصار هذا المرض ومكافحته بكل ما تملك، بدءاً من التوعية بالمؤثرات والأعراض والعلاج وكيفية التعامل مع هذا المرض ونهاية بالوقاية من الإصابة بالأزمات، ولعل ما قام به القطاع الصحي الحكومي الأهلي من تدريب آلاف الأطباء بالإضافة إلى تأسيس لجنة وطنية متخصصة في علاج وتشخيص الربو فإن ذلك يدعو إلى الشعور بالراحة والسعادة من أجل رصد هذا المرض ووضع استراتيجية شاملة تشارك فيها جميع المؤسسات وهيئات المجتمع، وفي الختام لا يسعني إلا أن أشكر (الجزيرة) إسهاماً في نشر الثقافة الطبية لدى القراء، وأحيي الأخ سلمان العُمري على طرقه مثل هذا الموضوع المهم. وتقبلوا أزكى تحياتي وتقديري. د. محمد طه شمسي باشا اخصائي الأمراض الباطنية والمشرف على خدمة طبيب على الإنترنت بمستشفى الحمادي بالرياض