قتل المدنيين الأبرياء يعتبر عملا بغيضا سواء تم ارتكابه في روسيا أو في نيروبي أو في نيويورك أو في بالي أو في مدريد أو في بغداد أو في غزة أو في كيب تاون. ولكن من الواضح أن مثل هذه الهجمات التي تسفر عن سقوط مدنيين ستستمر في الحدوث في المستقبل المنظور نتيجة أسباب متنوعة وفي دول مختلفة. وبعد ثلاث سنوات من هجمات الحادي عشر من سبتمبر فإن الدرس الذي نخرج به هو أن العالم لن يحقق أي شيء إيجابي إذا ظل يحارب الأعراض دون الاهتمام بالأسباب الحقيقية لمثل هذه الهجمات. وفي المقابل فإن (الحرب ضد الإرهاب) التي تشنها واشنطن تغذي نيران مثل هذه الهجمات في الشرق الأوسط ومختلف أنحاء العالم. كل هذا يقودنا حتما إلى السؤال التالي: هل العالم اليوم أصبح أكثر أمنا مما كان عليه قبل ثلاث سنوات؟ للأسف الشديد الإجابة هي لا. والحقيقة أنه وعلى مدى أكثر من 12 شهرا قبل شن الحرب على العراق تلقى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير تحذيرا وراء تحذير بشأن المشكلات التي يمكن أن تفجرها الحرب. فقد تم تحذيره من انعدام شرعية هذه الحرب. وتم تحذيره من خطأ التقارير المخابراتية بشأن أسلحة الدمار الشامل المزعومة لدى العراق. وتم تحذيره من عواقب مثل هذه الحرب على الدبلوماسية العالمية واستقرار الشرق الأوسط. وتم تحذيره من افتقاد الولاياتالمتحدة لخطط واضحة بشأن إعادة بناء العراق باستثناء خططها لتأمين حقول النفط وضمان حصول الشركات الأمريكية المرتبطة بإدارة الرئيس بوش على عقود إعادة الإعمار الضخمة. ولم تكن هذه التحذيرات التي وصلت إلى بلير مجرد أقوال من أشخاص ليس لهم مصداقية كبيرة وإنما كانت من مسؤولين كبار في أجهزة المخابرات. كما جاءت من جانب مسؤولين كبار في الجهاز المدني للدولة وبخاصة وزارة الخارجية البريطانية. بل إنه تلقى تحذيرا من وزير خارجيته جاك سترو نفسه بضرورة الحصول على قرار من مجلس الأمن يسمح بشن الحرب على العراق. في الأيام الماضية ظهرت وثائق جديد نشرتها صحيفة ديلي تيليجراف البريطانية تقول إن جاك سترو أبلغ بلير في مارس عام 2002 أنه لا أحد لديه فكرة واضحة عما سيحدث في العراق بعد الغزو. كما نشرت صحيفة تليجراف مذكرة سرية أخرى تحذر من عدم وجود أي أساس قانوني للحرب المنتظرة. وكانت هذه المذكرة مقدمة من جانب أمانة الدفاع والعلاقات الدولية في مكتب رئاسة الحكومة البريطانية والتي تنبأت أيضا بأن بريطانيا ستضطر إلى إبقاء قواتها في العراق بعد الحرب (لسنوات عدة). وقد جاءت هذه التحذيرات مترافقة مع تقارير مخابراتية تؤكد أن حرب العراق ستزيد في الواقع من التهديد الذي يمثله حيازة العراق لأي أسلحة كيماوية أو بيولوجية. والآن بعد أن وصل عدد القتلى الأمريكيين إلى أكثر من ألف قتيل وعدد الضحايا العراقيين إلى أكثر من عشرة آلاف قتيل هل أصبح العراق والشرق الأوسط أكثر استقرارا؟ هل أدت الحرب إلى زيادة أو تقليص خطر الإرهاب الدولي؟ ولو كان توني بلير قد استمع إلى نصائح الدبلوماسيين ذوي الخبرة قبل الحرب هل كان سيضطر إلى طرح هذه الأسئلة على نفسه؟