فُجعت أسرة (الهذيلي) بمدينة الدلم برحيل أحد رجالها (حسين بن راشد بن حسين الهذيلي) إثر نوبة قلبية مفاجئة عن عمر يناهز 70 سنة ومن باب ذكر المحاسن للموتى جاءت هذه المشاركة حيال رجل عصامي طلَّق الدنيا وتعلَّق بالآخرة، ودَّع الدنيا الفانية وركن إلى حب الآخرة، تميَّز بحب الآخرين وحسن الخلق وحب الخير والحث عليه، عمل مع والده وهو صغير في خدمة الملك خالد - رحمهم الله جميعاً - ثم التحق بالحرس الوطني ثم اشتغل في الاعمال الحرة في الرياض ثم امتهن مهنة الزراعة حيث انتقل الى الافلاج فحقق نتائج جيدة تميزت بالنجاحات والتجارب المثمرة، فامتد به الأمل الى الزراعة في مخينق جنوبالدلم، وكان من أفعاله الحسنة صلة الرحم حيث يقوم بتوزيع جزء من محاصيل المزارع لأقاربه وذويه كل عام.. كان آخر وصية أوصى بها أبناءه بأن يجعلوا قلوبهم صافية خالية من الأحقاد والأضغان. لقد كانت آخر مشاهدتي له في حفل زواج حيث يتسم بالمرح ورحابة الصدر وحسن المعاشرة، وكان يداعب رجلاً اشترى منه مزرعة والبائع لم يعرفه، كان مساءً ممتعاً لم يدر بخلده أن الاقدار ستفاجئه فكان خبر وفاته كالصاعقة على أهله ومحبيه، كان الخبر مؤلماً محزناً.. فلله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده لأجل مسمى، فالحمد لله على قضائه وقدره ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. رحلت يد العطاء في غياهب التراب وبقي الذكر العطر والحب في سويداء القلب.. لقد كنت يا حسين نبتاً حسناً نشأت في طاعة الله.. باراً بوالديك - رحمهما الله - وواصلاً لرحمك وحانياً على أبنائك وموقراً اخوتك.. غبت والقلب يتفطَّر على الفراق.. رحل عاشق الزراعة. رحل عنا بهدوء.. وتركنا في حيرة.. ويعلم الله كم كانت الفاجعة برحيلك عن عالمنا.. لقد هزتني رسالة الجوال فكان الهم نديمي والحزن رفيقي... فيا إخوة حسين ويا أبناءه: أعرف ان الخطب جلل والمصاب كبير ولكن الأجر عظيم على الصبر فاصبروا واحبسوا الدمعة واغنموا الأجر قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وهذه سنة الحياة وقال صلى الله عليه وسلم: (عش ما عشت فإنك ميت واحبب ما أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه). وقال الشاعر : وما الناس إلا هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدوه في ثياب صديق وقال الشاعر : هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا نعشه ذاك يركب فرحم الله الهذيلي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يدخل السكينة في قلوب أبنائه واخوانه ومحبيه وأن يفسح له في قبره ويجعله روضة من رياض الجنة إنه سميع مجيب. لقد ترك لنا سيرة عطرة طوال سني عمره أفاض الله عليه من شآبيب رحمته ورضوانه، ولن نملك سوى الصبر والاحتساب.. عظَّم الله لنا وله الأجر والثواب، إن القلم يخط ويُعبِّر عما يجول ويجيش في الصدور ولكن هيهات هيهات كيف يمكن لقلم أن يقارع الآلام والأحزان كيف لمداد القلم ان ينثر حبراً يعبر عن حزن شديد الفراق.. إن القلم ليعجز وان اللسان سيتوقف عن الكلام وان القلب ليخفق، وان الاحساس بالفراق سيزداد يزيادة أيام الفراق كيف أصف طيبة القلب؟ كيف أتحدث عن دماثة الخلق؟ كيف أكتب عن كرم وبذل وعطاء؟ مسيرة كفاح وصمود، ونبراس نقتفي أثره، قصة تضحية سطَّر الزمن أروع أحداثها، انتهت بنهاية حسين الهذيلي، رحلت يا حسين وأبقيت لنا فراغا.. رحلت يا حسين وتركت لنا ذكرى عطرة، رحلت يا حسين وتركت لنا سيرة رجل عصامي، رحلت يا حسين ونحن ندرك أنك لم تسبقنا إلا بيومك الموعود، فنسأل الله ان يجمعنا وإياك في جنات النعيم والفردوس الأعلى. إن بذل الخير رأس الفضائل وهو ديدن الهذيلي في حياته فكان كنزاً بعد مماته، فالخير تمكن من نفسه فأضاء حياته بالسعادة والسرور وهو من شيمة كل ذي قلب رؤوم ونفس كريمة وروح فياضة بالأريحية، وإذا كان للخير ميادين فهو من فرسانها قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} وان للخير وجوهاً وهو أحد وجوه الخير ويكفي من الخير ولو إماطة الأذى عن الطريق والابتسامة في وجه أخيه وهذا شعار اشتهر به.. إنه عالم من الانسانية الرحبة، مبادئه التكافل الاجتماعي والتراحم والتآلف، إن الحديث عن المعاني السامية، والاخلاق الرفيعة يقودنا إلى شخصية هذا الرجل الذي أجبرتني أفعاله وأقواله وسيرته الحسنة ان أكتب عنه رغم ادراكي انني عاجز عن ان أوفيه حقه، فمعذرة يا اخوته محمد وإبراهيم وعبدالله ومعذرة يا أبناءه الكثر، ومعذرة يا محبيه لانني مدرك ان القلم سيتعب وان الحبر سيجف ولكن ذكرياته ستبقى في الأذهان.