قضية شعبية أشبعت (لتاً وعجناً) منذ أن غاب الشعر الحقيقي عن ساحته وغاب معه معظم فرسانه ونقاده، وبالأخص نقاده الذين لا ينظرون للأسماء بقدر ما هم ينظرون إلى المفردة الشعرية الشعبية الحقة التي لم يتخللها أو يخدشها ألفاظاً نابية أو دخيلة، كالأجنبية أو ما شابهها، نقاداً ينظرون إلى الحرف نظرة ثاقبة محاطة بالعقلانية والرجاحة، نقاداً مخلصين لأمانة موروثنا الشعبي وبقائه. هذا ولم يكن لي السبق والخوض بغياهب هذا الجانب لأنني وكما ذكرت بأن هذه القضية (قضية مستهلكة!!) ولكن عندما قرأت تلك التغطية التي جاءت على هذه الصفحة الرفيعة (مدارات شعبية) ليوم السبت الموافق 29-5- 1425ه تحت هذا المانشيت العريض: (الحميدي الحربي وثامر السبيعي يبدعان وسط حضور غير مقنع..!) حقيقة استوقفتني هذه العبارة بالذات (حضور غير مقنع) فهنا أتساءل!! ومتى كان للأمسيات الشعرية في هذا الزمن حضور مقنع؟!! مقنع بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. فالحضور لأمسيات الشعر الشعبي وبكل أمانة وصراحة وصدق وبهذا الكم الهائل الملحوظ والتصفيق المجلجل لم يكن من أجل الشعر وتذوقه ولم يكن مستغرباً عند الجميع، فكل هذه الطهبلة تنطوي تحت وطأة العلاقات!! نعم العلاقات!! تنطوي تحت إلحاح الشاعر ونخوته لكل من هو يعرف ومن لا يعرف!! تنطوي تحت مظلة المصالحة المتبادلة!! تنطوي تحت ما يسمى ب(شدلي وأقطع لك!!) وتنطوي..؟! وتنطوي!! هذا الأمر الذي غاب عن الشاعر الحميدي الحربي ورفيقه الشاعر ثامر السبيعي!! فلو فعل الشاعران ذلك نعم لو فعلا ذلك، وأجريا اتصالاتهما لوجدا أطناناً هائلة من البشر حاضرة بأجسامهم لا بعقولهم!! ولاستمتعا بدوي تصفيقهم وشاهدا من التصفيق ما يكفي لتصديع أغلب المبان المحيطة بأمسيتهما.. ولكن!! نعم، الحضور للأمسيات لم يعد مغرياً ولم يعد من أجل الشعر وللأسف!! ولو قدر وسئل أحد المتحمسين من قبل أحد المنذهلين عن هذا التحمس وقال له: على ماذا تصفق يا هذا؟!! وما هي المفردة وأبعادها التي صفقت لها وطفق الجميع بالتصفيق معك!! لقال مجيباً.. لا أعلم!! ولكن صفقت لأن الشاعر أعجبني بنبرة صوته وطريقة تمثيله وتمايله وتوافق إيماء يديه الاثنتين والرأس مع الكلمة التي صدح بها مزمجراً!! (يا سبحان الله.. لهذا كان التصفيق!!) بغض النظر عن هذه الكلمة ومدلولاتها وأبعادها وعلاقتها بموروثنا الشعبي ومغزاها!! أعتقد بعد ذلك اتضحت الرؤية! أو باختصار شديد فهمنا أن الحضور كان من أجل.. أو (افهمها يا شاطر!!). قال الشاعر الكبير بدر الحويفي: خلو شذاذ الهرج بالصبر.. يطحن من شام للجزلات عاف الهزالي