ابتليت أمة الإسلام - وخاصة شبابها - بكثير من الأمراض والعادات السيئة وذلك في هذا الزمان المتأخر. ومن تلك الظواهر والعادات: (ظاهرة التدخين) التي انتشرت بين الأفراد والمجتمعات انتشاراً كبيراً. واجتاحت الديار والدول فأقبل عليها الكبار، بل لم ينج من ذلك الصغار ولا النساء في كثير من الأقطار. وهذا الداء وباء خطير وشر مستطير وبلاء مدمر وقع في شركه فئام من الناس فغدا بألبابهم واستولى على قلوبهم فعزَّ عليهم تركه وصعب في نفوسهم أن يتخلصوا منه. وإن المحافظة على العقل واجب شرعاً، حيث إن الإسلام يوجب المحافظة على الكليات الخمس وهي: العقل والنفس والمال والعرض والدين. من أجل ذلك حرم تعاطي التدخين والإنجاز فيه. لما فيه من الأضرار والأخطار على النفس البشرية: فالتدخين إهلاك للنفس والله تعالى يقول: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} (البقرة). والتدخين قتل للنفس. قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء). والتدخين إسراف وتبذير للمال والله تعالى يقول: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف). والتدخين ضرر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار). ولقد أثبتت الأبحاث العلمية والتجارب الحديثة بما لا يقبل الشك خطر التدخين الكبير على جسم الإنسان بأجهزته المختلفة. فالتدخين سمٌ قاتل ومشروب فتَّاك. ولقد تأكد للعالم أجمع ضرر التدخين وأنه يسبب أمراضاً وعللاً لا حصر لها قد تتعدى خمسة وعشرين مرضاً في كثير من الأحوال وأنه ليس له فائدة واحدة تذكر. ومن تلك الأمراض التي يسببها أنه السبب الرئيسي للسرطان وأمراض الرئة والقلب والشرايين والسل الرئوي والسكتة القلبية وتليّف الكبد وقرحة المعدة. وثبت أنه يفسد جميع أجهزة الجسم الجهاز التنفسي والعصبي والدموي والهضمي وغيرها كثير. وذلك لأن أساس الدخان مادة التبغ وهي مادة مخدرة ومفترة تحتوي على (6800) مادة ضارة للجسم. منها مواد سامة شديدة مثل: النيكوتين وأول أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين. والقطران. وأشدها مادة النيكوتين ويكفي أن ملي غرام واحد منه كافٍ لقتل إنسان في أوج صحته فوراً إذا حُقن بها عن طريق الوريد. ولقد ثبت ملياً أن التدخين هو بداية الطريق إلى إدمان المخدرات والمسكرات في غالب الأحوال. وصدق من قال: عالم الإدمان يبدأ بسيجارة تدخين واحدة. ولقد أجمعت البحوث العلمية على أن السجائر هي من أكبر المهلكات التي تهدد الإنسان بالموت وتصيبه بالعجز. فإن التدخين يقتل أكثر من ثلاثة ملايين إنسان كل عام في العالم ويعطب ملايين أخرى. وإن تلك الإحصائيات بيَّنت أن عدد ضحايا التدخين - والأمر كذلك - سيجعله أكثر من 10 ملايين إنسان عام 2030م. وهذا يعني أن التدخين يقتل من الأفراد أكثر مما تقتله الحروب والأمراض والأوبئة. هذا فضلاً عما يسببه التدخين من أمراض وعاهات فتَّاكة مستديمة وحوادث وحرائق. وتحتل المملكة المرتبة الرابعة من بين دول العالم وذلك في استيراد السجائر، ويبلغ عدد المدخنين بها أكثر من 6 ملايين مدخن. ويبلغ عدد الوفيات منهم 23 ألف نسمة بسبب التدخين. حيث إنهم يحرقون ما يزيد على 15 مليار سيجارة سنوياً بمبلغ يزيد على 636 مليون ريال سنوياً. وإن المفارقات المحزنة والمؤلمة تبيّن أن أكثر من 30% من طلاب المدارس الحكومية من المتوسطة والثانوية يدخنون، وأن ما يقارب من 35 إلى 50% من الطالبات والمعلمات سقطن في براثن هذه الآفة. الأمر الذي يحتم على المربين والمعلمين والفضلاء شدة التحذير والتنبيه لخطر هذه الآفة الفتَّاكة على الفرد والمجتمع سواء كان ذلك في المدرسة أو المنزل أو في وسائل الإعلام المختلفة. ألا وإن الله جل وعلا قد كرَّم الإنسان على سائر المخلوقات بهبته للعقل والتدبر لمعرفة الخير والشر والنافع والضار. وقد تبيَّن لنا ما للتدخين من ضرر وفساد للعقل والجسم والمال والإنسان بعامة وذلك لأن التدخين يفقد الإنسان صحته وعقله الذي فضله الله به عن سائر المخلوقات. وكما قيل: (العقل السليم في الجسم السليم). فإذا ضيَّع المدخن هذه السلامة وهذه الصحة عمداً وذلك بالتدخين فما يبقى له من رأس مال بدني؟.. بل ما قيمة الحياة إذا فقد الإنسان سلامة عقله وصحته؟.. فبسلامة العقل وصحة البدن وقوة الإيمان بالله تعالى يحيا الإنسان حياة سعيدة ويسعد في دنياه ويقوم بواجباته على أتم حال.. وإن قلَّ ماله. وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (من بات آمناً في سربه معافىً في بدنه يملك قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا). وإذا كان الأمر كذلك إذاً فهي رسالة إلى كل أخٍ مدخن أن يتخذ القرار الشجاع وأن يعقد العزم وأن يتوكل على الله عز وجل وأن يتخذ الأسباب الكفيلة بإذن الله بالإقلاع فوراً عن آفة التدخين. ومن ترك لله شيئاً عوَّضه الله خيراً منه. {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}. نسأل الله تعالى أن يحمينا من شرور التدخين، وأن يعافي كل مبتلىً به.. إنه على كل شيء قدير.