(من الحوار ينبثق الحق) والحوار منهج الأنبياء، والرسل، والمصلحين، فلقد حاور نوح - عليه السلام-ابنه، وإبراهيم الخليل أباه، وموسى حاور فرعون. وجميع الأنبياء والرسل حاوروا أقوامهم. ولنقف وقفة مع ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه؛ قال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 258 - سورة البقرة. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ} أي إلى جراءته، وتجاهله، ومحاجته فيما لا يقبل التشكيك. { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} فقال المحاج {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} زعم انه يقتل شخصاً فيكون قد أماته ويستبقي شخصاً فيكون قد أحياه. ومع ان كلامه غير مقنع وبإمكان إبراهيم عليه السلام ان يقول إنك لا تستطيع أن تحيي شخصاً قد مات، إلا أنه أطرد معه بالدليل وجاء له بدليل دامغ فقال إبراهيم (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبُهِت الذي كفر). لقد كان حوار إبراهيم مع ذلك المحاج حواراً هادئاً ومتزناً حتى تحير فلم يرجع إليه جواباً، وانقطعت حجته وسقطت شبهته. والحوار فن راق، ليس جديداً، وإنما قديم قدم التاريخ. وورد لفظ الحوار في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم. مرتان في سورة الكهف في قصة صاحب الجنتين {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}(34-الكهف {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} (37-سورة الكهف). ومرة في سورة المجادلة {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}. والحوار مطلب مهم في البيت، وفي المدرسة، وفي المجتمع كله، يجب ان يستمع كل طرف للآخر، الأب يستمع للابن، والمسؤول لمن هم تحت مسؤوليته، والمعلم للطالب، وان يكون لدينا أفق واسع للحوار. والله جل وعلا قد استمع إلى إبليس وأعطاه ما طلب قال تعالى {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} الأعراف آية 14-15. وعلى الإنسان (مهما كان) أن يقبل العتاب فالله سبحانه وتعالى عاتب سيد المرسلين {عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَن جَاءهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى . وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} عبس من آية 1 حتى 10. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} التحريم آية1. {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال آية 67. للأسف ان في مجتمعنا من لا يعرف أبجديات الحوار ولا يقبل النقاش..! في كثير من مؤسساتنا التربوية والتعليمية قرارات تطرح، ويجب تنفيذها، دون ان يؤخذ رأي المعلمين بها، أو يفتح لهم باب النقاش. ففي إحدى المدارس الثانوية يمنع لبس (العقال) لأن أحد الطلبة أساء استخدامه، وفي مدرسة أخرى يمنع الجوال لأن هناك من أساء استخدامه، هل هذه القرارات سليمة، ...!؟ فهل من المعقول ان يمنع قيادة السيارات لأنه يوجد من يسيء استخدامها، بل من يتجاوز الإشارة الحمراء وينتج جراء ذلك وفيات وإصابات..!! أبداً لم تمنع السيارات، إنما يبحث عن حلول ذلك من توعية ونحوه.. إن هذا قياس (دقيق وليس مع الفارق، إنه أجدى من منع العقال والجوال ان نبحث عن حلول أخرى ناجحة من تثقيف وتربية وتعليم وان يعاقب المسيء لوحده. إنه يجب قبل أن تتخذ القرارات أن تدرس المواضيع، وتطرح على طاولة البحث ويفتح باب (بل أبواب) للحوار والمناقشة.