يطيب لي - كمواطن عادي - أن أُنَوِّهَ بثلاثة قراراتٍ إيجابية أصدرتها الدولة الموفقة خلال سنةٍ واحدةٍ مما يدل على حرصها الأكيد على التواكب مع مستجدات العصر الحديث، ومتطلبات الفترة الحالية الحاضرة. ولا شك أن ذلك نابع من حبها البالغ، وحرصها الشَّديد على كل ما من شأنه رفعة كل فردٍ من أفراد هذه الأمة المجيدة، وخدمة جميع قطاعات الشعب الطموح الصاعد إلى الأمام أبداً. والقرارت التي اتخذتها الدولة، أو ستتخذها أكاد أجزم أنها نابعة من صميم وجدانها، ومن استقلالية تامَّةٍ لا دَخْلَ لأية مؤثراتٍ خارجية عليها. فحاجيات وطننا الإسلامي العربي العريق في هذه الجزيرة العربية مهبط الوحي المحمدي الخاتم للرسالات - حاجياته ومتطلباته تنبع من داخله - من أرضه، من منابعه الأصيلة، من منابته العريقة الموغلة في القدم، تلك المنابع، وهذه القَيم مُستمدَّةٌ من كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ابداً كتاب الله وسنّتي). وهذا ما نتمناه ونطمح إلى تحقيقه، ونرفع أَكُفَّ الضراعة والابتهال إلى المولى - جَلَّ وعلا - أن يوفق هذه الدولة المخلصة إلى ما يحبه ويرضاه، حيث إنها تعتبر الدولة الإسلامية الأولى في عصرنا الحاضر، وكيف لا يكون ذلك كذلك - وفيها الحرمان الشريفان؛ المسجد الحرام بكعبته المشرفة، والمسجد النبوي بروضته الشريفة (مابين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة). هذه مقدمة أدلف بعدها إلى الموضوع للتعليق على الأمور الثلاثة التي تناولت القلم لأكتب عنها سائلاً الله أن يوفقني لقول الحق، ولا شيء غير الحق، وأن يجنبني الخطأ والخطل في جميع الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وما أجلَّ من كان ظاهره مثل باطنه (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وصدق الله {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحج. أما الأمر الأول: فهو لجنة حقوق الإنسان، إن مهمتها شاقة وصعبة، وإن أراد أعضاؤها أن يؤدوا واجبهم الوطني - بكل أمانة وإخلاص، وعلى هدى الكتاب والسنة - فإن ذلك مَحْمَدَةٌ وأية محمدة، والأعضاء المختارون هم صفوة من أبناء هذا الوطن المؤهلين تأهيلاً عالياً، والذين لهم خدماتهم المُشَرّفة في المجالات التي كُلِّفوا بها، وخاضوا غمارها أعانهم الله وشدد خطاهم، ووفق رجالات الدولة لتشجيعهم والتجاوب معهم فيما يهدف إليه الجميع من غاياتٍ نبيلةٍِ وأهدافٍ سامية {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ}. وأما الأمر الثاني فهو الهيئة الصحفية التي شُكلت أخيراً، وبانتخابات حرة نزيهة فيما يظهر، حيث أفرزت اختيار رئيس تحرير صحيفة الرياض رئيساً للهيئة في الفترة التأسيسية، ورئيس تحرير صحيفة الجزيرة نائباً له، ونرجو حظاً أوفر لبقية الأعضاء في فترات لاحقة، كما لا يفوتني أن أهنئ المختارين من الأعضاء إلى جانب الرئيس ونائبه لفترة التأسيس متمنيا لهم التوفيق والسداد. وباستعراض أعضاء الهيئة نجد أنهم أهل لقيادتها إلى برِّ الأمان، وخدمة كل المنتمين للصحافة بشكل عام، حتى كتاب الأعمدة الثابتة في جميع صحف المملكة وغيرهم من أرباب القلم ومحترفي الأدب والثقافة، والحفاظ على حقوقهم والدفاع عن مطالبتهم في كل وقت وحين. ويبدو لي أن مسئوليتهم جسيمة، والأعمال المنوطة بهم عظيمة وفقهم الله وأعانهم، وجعل الصدق والإخلاص ديدنهم، وأما الأمر الثالث فهو ما يسمى بالحوار الوطني المتمثل في مركز الحوار الوطني الذي لايزال في طور التأسيس. ورأيي فيه قابل للصواب والخطأ كأي فردٍ من أفراد البشر، بما في ذلك المسؤولون والمختصون وذوو الفكر الثاقب، والعقل الرشيد، ولكني أتمنى على هذا المركز الوليد أن يوفق في اختيار الكفاءات المميزة لعضويته، وقد تكون مجالس الحوار الثلاثة التي تمت في كل من الرياض ومكة والمدينة، وما يتبعها من جلسات في مدن أخرى كالشرقية والجنوبية والشمالية وكل أنحاء مملكتنا المترامية الأطراف..قد تكون هذه الجلسات المتتالية معملاً فحصياً لحسن الترشيح والاختيار، حتى يتكون لدينا مجموعة منتقاة من العلماء، والمفكرين وذوي الإحساس الوطني المتسامي عن الخلافات التي قد تورِّث حزازات تنتج لا قدر الله - انقسامات وتحزبات ما أنزل الله بها من سلطان، ومنطلقاتنا يجب أن تنبع من كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- وصدق الله {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وقال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ولا أنسى الحديث الذي أورده نبي البشرية ومنقذ الإنسانية، أفضل خلق الله أجمعين إمام الأنبياء والمرسلين، وقائد الغر المحجلين- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين- فهو قبل أن يتلو الآية الكريمة التي ذكرتها آنفاً خط خطوطاً يمنة ويسرة، ثم خط خطاً مستقيما بيده الشريفة حتى يكون الأمر واضحاً جلياً جامعاً بين القول والعمل ثم تلا الآية. فهل نقف في مركزنا الوليد عند حدود هاتين الآيتين والحديث الشريف؟ هذا هو السؤال الذي أختم به كلمتي هذه فعسى ولعلَّ. منى إن تكن حقا تكن غاية المنى... إلخ البيت وفي الختام أسأل الله التوفيق والعون السديد لكل من ساهم في تلك الحوارات الماضية منها والقادم, {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}.