تمثلت الأوامر الملكية بشمولية الخيرية فالغيث حين ينهمر يعم الخير، وقد نبعت تلك الأوامر من منبع أصيل وأس من أساسات الحكم في هذا الوطن المعطاء، من بلد الخير ومهد الرسالة ومهبط الوحي ومهوى الأفئدة فجاءت لتسهم في عصب النمو والنماء، وشد قوة البناء، ورفع منسوب العطاء، فكيف هي وقد جاءت بمن وضع اهتمامه في أن يكون المواطن في أمن وأمان، وحرص على أن يعيش العيشة الآمنة الرغيدة، تيسرت له سبل التوحيد، وحياة كريمة ملؤها الأمن والإيمان وطاعة الرحمن، والقيام بواجباته نحو الله ثم المليك والوطن؛ وهذا يجير فيما للمملكة العربية السعودية من خصائص تتميز بها عن بقية دول العالم أجمع والتي منها: - الحكم بشرع الله وحكمه. - وجود الحرمين الشريفين والتشرف بخدمتهما. - القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتخصيص رئاسة متكاملة لذلك. وحكومة بلادنا - حرسها الله - لا تألو جهدا في السير قدما في ذلك فقد سار عليه حكامها منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا مما جعل هذه البلاد وحكامها لهم الثقل الكبير والمكانة الرفيعة في العالم أجمع، وخادم الحرمين الشريفين قائد يعيش كواحد من أفراد شعبه يتلمس ما يحتاجون ويراعي ما يطلبون، ويحرص على أن يعيش المواطن في سعادة وكرامة ومجد وشهامة.. فلا يكاد يمر يوم إلا وله قولا أو فعلا منصبا في مصلحة الوطن والمواطن، أخذ على عاتقه هم العلم والعلماء فلا يمكن أن تجد مجلسا من مجالسه إلا وأهل العلم فيه يستشيرهم في خير البلاد والعباد؛ بل ويخصص وقتا لزيارتهم في منازلهم، ويحرص أن يكون لهم تقديرهم ومكانتهم بين العالمين ولهذا نجد في ديباجة الأمر السامي هذا الكلام الرصين: (انطلاقاً من قول الحق جلً وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}، واستشعاراً منّا بما يجب نحو عُلمائنا الأفاضل، وهم أهل العلم، وحراس العقيدة، وَمَنْ حباهم الله بحُسن الهَدْي، وعلو السّمْت، على جادة شرعنا المُطهر، بوسطيته واعتداله، وسعة أفق حَمَلَتِهِ، في مشمول ما أكدوا عليه في فتاواهم، وقراراتهم، وبياناتهم، ومحاضراتهم، فمثلوا -بحمد الله- الامتداد العلمي لسلفنا الصالح، في سياق مبارك لا نستغربه من عُلمائنا الموفقين بفضل الله عليهم للنهل من معين الكتاب والسنّة، بعيداً عن مزالق البدع والأهواء، والغلو والتطرف، على محجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك). فانطلاقا من قول الحق جل وعلا واستشعارا لحق العلماء حيث هم رسل السلام ووارثوا الأنبياء فهم صمام الأمان وحماة العقيدة وعلو مكانتهم وإظهار احترامهم طريق خير وسبيل رشاد حيث باحترامهم تحترم فتاواهم وتؤخذ بمأخذ الجد والقبول والعكس في ذلك صحيح فالمساس بالعلماء مساس بما ينقلون من علم شرعي وهنا يتجلى البعد الحكمي والنظري والعملي في الأمر الملكي والحرص منه - حفظه الله - على نهج الدولة المُستند إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليتحقق ذلك في آداب التعامل مع العلماء (من خلال عدم المساس أو التعرض لسماحة مُفتي عام المملكة، وأصحاب الفضيلة أعضاء هيئة كبار العُلماء، بالإساءة أو النقد)، وهنا فوائد جمة ومقاصد عظيمة منها احترام المرجعيات العلمية لأن الخطر العظيم في الحط من هيبة العلماء وتقليل من قدر فتاواهم عن الناس، وهذا الاهتمام الكبير بالعلم وأهله من ولاة أمرنا في هذه البلاد حكاما ومحكومين جعل قابلية لعلماء هذه البلاد - حفظها الله - عند العالم أجمع فهم منار الهدى عند العالمين فالحمد لله رب العالمين. بل إن الشعوب المسلمة عامة والشعب السعودي بشكل خاص شعب متدين لا يقدم على عمل مريب إلا ويسأل عنه فإن كان حلالاً أقدم وإن كان حراماً أحجم وهذا الدور من أكبر ما يناط به العلماء الراسخين فمتى عرف قدرهم وعلا شأنهم كانت فتاواهم بحجم ذلك القدر وعلت بقدر علوهم. كذلك وتأكيدا على ذلك فاقتصار الفتاوى على أهل العلم والراسخين فيه له الأثر في الحفاظ على العمل الصحيح المستمد من الدليل الصحيح والمصدر الواضح الفصيح وهم العلماء و(انطلاقاً من قول الحق جل وعلا: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، واستشعاراً منّا بأهمية الفتوى وتبصير الناس بشؤون دينهم في مسائل الحلال والحرام، ولما أنعم الله به على بلادنا بالكفاءات الشرعية المؤهلة التي تقدرها مرجعية الفتوى، وتحسن اختيارها، وتسدد خطاها). جاء تأكيدا لأخذ الفتاوى من المصادر الموثوقة في الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والافتاء بإنشاء فروع للرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء في كل منطقة من مناطق المملكة. وذلك في ظل المستجدات المتتالية المتتابعة والانفتاح الكبير على العالم والشبه الكثيرة وتنوع المصادر المتاحة في هذا العصر ولتواجه الكم الهائل من الفوضى جاءت تلك الفروع المباركة في كل منطقة من مناطق المملكة من لدن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله وسدد على درب الخير خطاه - لتكون في متناول اليد وليسهل الوصول إليها والأخذ منها. ومن اهتمام خادم الحرمين بالعلم المرجعية الأمر بالمجمع الفقهي السعودي والذي له ثمار عديدة وفوائد جمة سديدة منها: - التخفيف على هيئة كبار العلماء من العبء في مسائل الفتوى كي يتفرغوا لمهام الهيئة الكبيرة بالتصدي للمسائل والقضايا العظام. - منهجية موسوعية ومرجعا علميا. - فتح المجال لظهور كفاءات علمية رصينة تحذوا حذوا كبار العلماء في رسوخ منهجيتهم وسلامة معتقدهم. - جامعة علمية ليتخرج منها العلماء ليخلفوا من سبقهم وبهذا تكون الاستمرارية القوية الرصينة المبنية على المنهج السليم والعلم الرصين. فخادم الحرمين الشريفين قائد واسع الإدراك وبصيرته ثاقبة ونظرته مستقبلية بعيدة فجزاه الله خيرا. إن بلدنا بلد خيرية للعالمين ومحط أنظار الناس أجمعين، منهجه القرآن الكريم وسنة النبي الكريم عليه الصلاة وأتم التسليم وورث العلم والدعوة وهذا يتمثل في: (حرص خادم الحرمين الشريفين على استمرار الدولة في اضطلاعها بواجبها في الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيداً عن أساليب الغلو والتطرف، اقتداءً بنهج سلفنا الصالح في الوسطية والاعتدال) وهذا ما تقوم به مكاتب الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في نشر الخير والدعوة إليه على علم وبصيرة وهذا متحقق بفضل من الله ومن ثم بالدعم السخي من اليد المعطاء السخية في بلد العطاء والسخاء خادم الحرمين الشريفين ورجل الدعوة فيه. ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثره الواضح في الأمة وفي رفعتها وأمنها واستقرارها بل فيه كل خير ديني ودنيوي، وبلادنا حفظها الله بحفظه وعمرها بالإسلام ممثلة بحكومتها من آل سعود حفظهم الله وسدد على الحق خطاهم تولي هذا الأمر جل اهتمامها، بل جعلت لهذا الأمر جهة مستقلة هي رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبفروعها في مختلف المناطق، ومراكزها المنتشرة في الكثير من المواقع في مدنها، وهذا الاهتمام من ولاة أمرنا نابع من حرصهم على تعاليم الشرع المطهر، وعلى حرصهم على أن يعم الخير في أرجاء البلاد، وأن يتلاشى الشر عنها وعن مواطنيها، فبذلت وما زالت تبذل لهذا الصرح المبارك كي يبقى بصمة مباركة على جبين كل شبر من أرجاء البلاد فجزى الله حكومتنا خير الجزاء على ما قدموا ويقدمون خدمة للإسلام والمسلمين، ولأن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الصروح الأمنية المهمة، والتي يسجل تاريخها الإنجازات الأمنية الكبيرة من القضاء على الجريمة والحد من انتشارها، بل إن إنجازاتها في القضاء على آفة العصر ودماره المخدرات لشاهد على عظم شأن هذه الهيئات المباركة في ظل دعم حكومتنا المتواصل لها، فكم من عِرض حفظ بسببها! وكم من ضال آب ورجع إلى الله! وكم من شخص منحرف عاد وصلح! وكم من خطر يهدد الوطن والمواطن زال بفضل من الله ثم بجهود رجال الحسبة! وكم من..! وكم من..! كل هذا ما هو إلا نقطة من بحر، وغيض من فيض، في عظائم أعمال الخير الذي يقدمه هذا القطاع الهام في الدولة... وخادم الحرمين - أطال الله بعمره وحفظه سالما معافى - أولى هذا القطاع جل اهتمامه وأعطاه ولا يزال يعطيه ويستشعر (أهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأثرها العظيم في سلوك المجتمع المسلم) حرص - حفظه الله - على دعم هذه الفريضة الإسلامية التي أولتها المملكة ما تستحق من العناية والرعاية، ورفع شعارها، ودعم رجالها، ورعاية أعمالها. كما أن الدولة حريصة على بيوت الله ورافعة للوائها متمثلة بقول الحق جل وعلا: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)، فقد سعت وأحدثت أكبر توسعة في الحرمين الشريفين ولا تزال تواصل تلك التوسعات بخطى مدروسة وتهيئ المساجد التهيئة المناسبة ورعايتها والعناية بها لتحقيق البناء العمران الحقيقي لها والمشاهد في كل مكان يجد المساجد ومقدار العناية بها بقدر كبير بل والتشرف بخدمتها وأكبر دليل على ذلك اللقب الذي يتقلده ولي الأمر (خادم الحرمين الشريفين) فجزى الله خادم الحرمين خير الجزاء وجعل ما يقدم لبيوت الله في ميزان الحسنات ثقيلا. وكتاب الله دستورنا ومنهجنا والاهتمام به من أولويات حكام هذه البلاد فالعناية بكتاب الله حسيا ومعنويا ومن ذلك: - مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف والعناية به وترجمة تفاسيرهم إلى العديد من اللغات. - جمعيات تحفيظ القرآن الكريم والتي تعنى بحفظ كتاب الله ودفع الجميع لتلاوته وتدبره وحفظه قولا وعملا ونتائجها كبيرة وأفضالها عظيمة. - إقامة المسابقات المتعددة لحفظ كتاب الله الدولية منها والمحلية ودعمها الدعم السخي من قبل ولاة أمرنا في بلد الخير والعطاء. وإن من أعلى الهمم وأجلها من اعتنى صاحبها بحفظ كتاب الله، ويماثله في الهمة ويسايره من ساعده وبذل ما في وسعه من عطاء، فشارك في التعليم أو في المساعدات المالية، فكل أولئك داخل بإذن الله في الخيرية التي وردت في حديث المعصوم صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه وحكومة هذه البلاد - أمدها الله بالعون والسداد - داخلة في ذلك لما تبذله خدمة لكتاب الله في شتى المجالات والميادين، فأقامت المسابقات في حفظ القرآن الكريم وتجويده على المستويين المحلي والدولي، فشجعت الحافظين، وساهمت مساهمة فعالة في خدمة جمعيات القرآن الكريم والتي تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. ولقد أثمرت هذه الجمعيات ثماراً يانعة طيبة كان نتاجها حفظة لكتاب الله، فتخرج في حلقاتها عدد لا بأس به من الحافظين للذكر الحكيم، فكانت رافداً من أهم الروافد للتعليم العام، لما تتمشى به من الأسس والمبادئ وغاية التعليم وأهدافه في المملكة العربية السعودية، فكم لهذه الجمعيات من آثار طيبة كثيرة أذكر منها: 1- تنشئة جيل مسلم حامل للقرآن الكريم، قد نشأ على تعلم القرآن وحفظه. 2- مساندة الدراسة النظامية في المدارس الصباحية، فغالب الدارسين في حلقات تحفيظ القرآن بالمساجد من المتفوقين دراسياً وأخلاقيًّا ولا غرابة في ذلك إذ تربوا على آيات الله البيّنات وتعلموها وحفظوها، فتخلقوا بخلق القرآن ونهلوا من علومه، فتفتقت مواهبهم، وتحسنت طبائعهم، وارتقت سجاياهم، فكانوا قدوة في الأدب والأخلاق، قدوة في التفوق والإبداع، ومن المزايا التي جناها أولئك الملتحقون بحلقات تحفيظ القرآن: أ- مراجعة دروس القرآن والتجويد التي درسوها في الصباح ومذاكرتها وترسيخها. ب- إجادة القراءة وانطلاق اللسان، فكثرة تلاوة القرآن والنظر إلى الكلمات يساعد على سلامة القراءة من الأخطاء اللفظية، وسلامة الكتابة من الأخطاء الإملائية، وهذا مبتغى كل دارس ومتعلم، فالقراءة والكتابة ملازمة للشخص في حياته العلمية والعملية فلا مفر منها ولا استغناء عنها. ج- قدرة الحافظ لكتاب الله والمكثر من تلاوته على التعبير وحسن السبك والارتجال ودقة الاستشهاد والقدرة على المحسنات البلاغية والتي أعجز القرآن بأن يأتوا بمثله، فانغرست الأساليب القرآنية في مهارات القارئ له وبخاصة الحافظ، فانعكس ذلك تطبيقاً عملياً في كتاباته وخطاباته وارتجالاته. 3- مساعدة ولي الأمر في مسؤوليته في رعاية أبنائه والتخفيف عنه في ذلك الوقت الذي يقضيه ابنه في الحلقة، إضافة إلى تأثير الحلقة في إصلاح الابن وصلاحه واستقامته، لتأثره بالقرآن والمسجد، فتهذبت أخلاقه، واستقامت أحواله. إن خادم الحرمين لم يألو جهدا في دعمه المتواصل لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم وذلك نابع من الارتياح الكبير في مخرجات تلك الجمعيات وسلامة منهجها وسيرها وفق النهج الصحيح والذي يطبق المسلك النبوي (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أسأل الله جل في علاه أن يشمل خادم الحرمين بالخيرية في تعليم كتاب الله وأن يمده بعونه وتوفيقه وأن يجعل ما يقدمه من أعمال خير للبلاد والعباد حسنات أمامه ونور له يوم القيامة. عبدالمحسن بن سليمان المنيع