تحدثنا في مقالة سابقة عن أهمية المشافهة التسويقية (Word-of-Mouth Marketing)، والتي يتم من خلالها نقل المعلومات التسويقية شفهيا من شخص لآخر، ومِنْ ثَمَّ لآخر، وهكذا... وبيَّنَّا الدور القوي الذي تلعبه في التأثير على قرارات الشراء الخاصة بالمستهلك في مجتمعنا، مقارنة بغيرها من عناصر الترويج والإعلان التقليدية، وأكدنا تلك الأهمية باعتماد العديد من الأشخاص في قراراتهم الشرائية، بدرجة كبيرة جدا، على المشافهة التسويقية التي يستمدونها عن طريق نصيحة أو توصية من زميل أو قريب. واختتمنا المقال بطرح تساؤل هام يتعلق بكيفية استغلال المشافهة التسويقية بالشكل الأمثل من قِبَل صنَّاع القرار التسويقي في المنشآت، حيث إنها من الوسائل التي يصعب السيطرة أو التحكم بها، مقارنة بغيرها من الوسائل الترويجية المختلفة؟. الإجابة عن هذا التساؤل هي محور حديثنا في هذه المقالة. المشافهة التسويقية تأخذ شكلين: فإما أن تكون إيجابية، وذلك بنقل معلومات إيجابية عن المنشأة، وهذا ما تسعى إليه أي منشأة، أو أن تكون سلبية، وذلك بنقل ونشر معلومات سلبية عن المنشأة، وهذا ما يجب على أي منشأة أن تتجنبه، وأن تسعى لعمل المستحيل للحد من المشافهة السلبية وزيادة المشافهة الإيجابية. ويجب التنبيه على أنه سواء رغبت أم لم ترغب المنشأة، فالناس دائما يتحدثون عن نشاطها ومنتجاتها، وقد يكون الحديث إيجابيا أو سلبيا، والغالب أن يكون سلبيا، حيث يصل إلى أكبر عدد من الآخرين مقارنة بالحديث الإيجابي الذي ينحصر في فئة قليلة جدا. فهناك قاعدة تعرف بقاعدة (3-33) تنص على أنه إذا كان هناك 3 أشخاص يرغبون في أن يتحدثوا بكلام إيجابي عن المنشأة فإنه على النقيض هناك 33 شخصا لديهم الرغبة في التحدث بجوانب سلبية عن المنشأة. المشكلة أن الأشخاص غير الراضين عن المنشأة نادرا ما يتحدثون إلى المنشأة نفسها ويفضلون أن ينقلوا تجربتهم السيئة إلى الآخرين من زملائهم وأقاربهم. في بعض الأحيان تبدأ المشافهة التسويقية من داخل المنشأة وعن طريق موظفيها، وهذا النوع، إن كان سلبيا، فسوف يؤثر على عمل المنشأة وعلى مبيعاتها وأرباحها، وبالتالي فإن مسئولية إدارة المنشأة أن تسعى لتجنب حدوث ذلك الشيء من قِبَل موظفيها، وأن تؤكد عليهم عدم نقل أي خبر سلبي عن المنشأة أو عن أنفسهم أو حتى عن المنافسين للخارج. وبالمقابل يجب أن تحرص المنشأة على تدريب موظفيها على نقل الأخبار الحقيقية الإيجابية عنها، وعلى استخدام وانتقاء أفضل الكلمات عند التعامل مع العملاء. وسعيا منها للحفاظ على صورتها الإيجابية تلجأ العديد من المنشآت إلى نقل تجاربها الناجحة للآخرين من خلال عرضها لقصص نجاحها، وذلك قد يتم بنشرها عن طريق مطبوعات ومنشورات ترويجية عن الشركة، أو من خلال عقد ورش عمل، أو المشاركة في مؤتمرات وندوات وغيرها. وتعد هذه الطريقة من أنجع طرق نقل المشافهة الإيجابية وذات فعالية كبيرة في التأثير على الآخرين من خلال نقل صورة حسنة عن المنشأة. وأذكر هنا مثالين لشركتين قامتا بهذه الطريقة من خلال ندوة تم عقدها بالغرفة التجارية الصناعية في الرياض قبل فترة، وأطلق عليها تجارب تسويقية ناجحة وشارك فيها مسئولون من شركة لكزس للسيارات وشركة كودو الوطنية للوجبات الجاهزة، ونقلوا من خلالها تجارب مميزة لنجاح الشركتين في الأسواق السعودية وحضرها أكثر من 250 شخصا، وبالتأكيد قد قاموا بنقل انطباعاتهم الإيجابية عن الشركتين للعديد من الآخرين. ونود أن نشير إلى خطأ يقع فيه الكثيرون، باعتقادهم أن المشافهة التسويقية هي فقط نقل معلومات عن منتج أو خدمة، وهذا ليس بصحيح، بل المشافهة إن أخذناها كتنظيم فهي تتضمن استراتيجيات وسياسات تسويقية كاملة. ولإنجاح أي حملة خاصة بالمشافهة التسويقية هناك أساسيات من الواجب توافرها، فلابد من توافر منتج أو خدمة ذات جودة عالية، و ما عدا ذلك يعتبر إضاعة للوقت وتكملة لنشر الأخبار السلبية عن المنشأة. وعليه يجب أن نسأل أنفسنا: هل منتجاتنا وخدماتنا تلبي احتياجات ورغبات العميل؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فهذا يسهل علينا الانتقال لمرحلة وضع استراتيجية وخطة خاصة بالحملة الخاصة بالمشافهة. ويجب قبل القيام بالحملة أن نضمن توافر ما يلي: - البحث عن المؤيدين والمؤازرين للمنشأة ذوي الولاء التام للمنشأة من داخل وخارج المنشأة. - تشجيع وحث العملاء الداخليين (موظفين من داخل المنشأة) والخارجيين للمنشأة. - تكوين وبناء علاقة إيجابية مع المؤيدين والمناصرين للمنشأة. - تقديم حوافز ومكافآت لهم. - تدريب وتهيئة المؤيدين لنقل المعلومات الإيجابية عن المنشأة للآخرين. - البدء بتنفيذ الحملة الخاصة بالمشافهة التسويقية، وقد تكون في نفس الوقت الذي تتم به الحملة الإعلانية للمنشأة. وتأكيدا لما سبق، تشير الدراسات التسويقية إلى أن إشراك العملاء من داخل المنشأة أو من خارجها في بيع منتجاتها وخدماتها عن طريق المشافهة التسويقية يعد من أفضل الطرق لزيادة المبيعات. هنا يتوجب على المنشأة انتقاء عملائها ذوي الولاء التام والمناصرين بقوة للمنشأة ومنتجاتها وخدماتها وتدريبهم التدريب اللازم على نقل المعلومات ونشرها لأكبر عدد ممكن من الأشخاص عن طريق استخدام أسلوب المشافهة الإيجابية، وتقديم الحوافز والجوائز لهم. المشافهة التسويقية الكل يتحدث عنها، لكن القليل يعمل شيئا بخصوصها.. تستطيع المنشأة أن تعمل العديد من الأشياء من أجل تفعيلها.. تستطيع أن تبدأ بحملة خاصة بها عند طرح منتج جديد أو خدمة جديدة, ومثال لذلك ما فعلته شركة آبل ماكنتوش للكمبيوتر عندما طرحت أول منتج لها بالأسواق، فالمدراء تحدثوا عنه داخل الشركة وخارجها من خلال جميع وسائل الإعلام وفي كل مكان، وحرصوا على التأكد من أن كل الوسائل المستخدمة تفهم رسالتهم، فأداروا الحديث عن الشركة ومنتجاتها بشكل فعّال في الصحف والتلفاز والراديو، ومن خلال المؤتمرات الصحفية غيرها.. ونتيجة لذلك زادت مبيعات الشركة وحققت أرباحا عالية. ومن أهم المؤشرات التي تبيّن تأثير المشافهة التسويقية على المنشأة من ناحية سلبية، عند إحساس المنشأة بعدم كسب عملاء جدد أو من خلال نقص وانسحاب عملائها القدماء.. أما من الناحية الإيجابية فمن خلال كسب عملاء جدد واستمرار عملائها القدماء. والأسئلة التالية مثال يجب على أصحاب المنشأة أن يجيبوا عليها للتأكد من ايجابية أو سلبية المشافهة: - كم من العملاء الحاليين للمنشأة لم يكرروا الشراء أو الزيارة هذا الإسبوع؟ - كم من المبالغ المالية خسرتها المنشأة اليوم بسبب المشافهة السلبية؟ - كم من موظفي المنشأة قد أساء التعامل أمس مع احد العملاء؟ - كم من العملاء الذين قدموا للمنشأة أمس ليس بسبب انخفاض أسعارها بل بسبب سماعهم عن خدمات ما بعد البيع التى تقدمها المنشأة؟ - كم عدد العملاء الذين اتجهوا إلى منافس للمنشأة أو اتصلوا بالهاتف بهم بدلا من التعامل مع المنشأة؟ - دائما من المهم أن يسأل مسئولو المنشآت ماذا سوف يحدث للمنشأة في حالة أن كل عميل لديه العديد من الخيارات والبدائل عن التعامل معها؟ من المؤكد بأنه لا يوجد لدي صاحب المنشأة إجابة لكل ما سبق، ولكن قد تكون وسيلة للتنبيه عما يحدث للمنشأة في الخارج أو كيف يراها الناس. وللأسف الشديد الكثير من مدراء الشركات يهتمون بإدارة الأفراد والمبيعات ولا يعيرون المشافهة أهمية، ولا يحاولون معرفة ما يقوله الآخرون عنهم، وهذا خطأ فادح جدا. هم لا يفهمون أن إدارة المشافهة هي من أهم الأشياء التي تحتاج إلى إدارة فعّالة. التوصيات التي يوصى باتباعها لاستغلال المشافهة التسويقية: خلاصة لما سبق وللإجابة عن السؤال الذي طرحناه في بداية المقال عن أفضل السبل التي ينبغي على المنشأة القيام بها، نسرد فيما يلي بعض التوصيات الهامة الواجب أخذها بالاعتبار، والتي تساعد في الحصول على مشافهة إيجابية: - توافر منتج أو خدمة ذات جودة عالية شيء أساسي لإنجاح المشافهة التسويقية. - على إدارة المنشأة دائما أن تسعى جاهدة للقضاء على المشافهة السلبية داخل المنشأة قبل أن تسعى للقضاء عليها في البيئة الخارجية، والتي بطريقة غير مقصودة تؤدي الى مشافهة سلبية. - ينبغي تهيئة وتدريب رجال البيع لنقل الصورة الحسنة عن المنشأة أمام الآخرين عن طريق المشافهة التسويقية. - ينبغي الاهتمام بالعميل وجعله الأساس الذي تبنى عليه استراتيجيات المنشأة ككل. - من أفضل الطرق لزيادة المبيعات هي إشراك العملاء من داخل المنشأة أو من خارجها في بيع المنتجات عن طريق المشافهة التسويقية. - عرض قصص النجاح الخاصة بالشركة من أفضل الوسائل للتأثير على الآخرين. - ينبغي أن يتم تدريب موظفي الشركة بألا يتحدثوا بأي أمور سلبية عن المنشأة سواء داخلها أو خارجها. - ينبغي دائما تشجيع الأحاديث الإيجابية عن الشركة وتقديم مكافآت للموظفين الذين يقومون بذلك. - على المنشأة دائما أن تسعى إلى تبني علاقة مستمرة وفعّالة مع عملائها لتضمن بذلك استمرار ولائهم لها. - دائما أمنح العميل أكثر مما يتوقع الحصول عليه. - ينبغي دائما الحرص على الحصول على شكاوى العملاء، فعادة من يقدم شكوى هم العملاء الموالون للمنشأة. - على المنشأة أن تسعى دائما للتعرف على المناصرين والمؤيدين والموالين لها، وأن توثق العلاقة معهم بشكل مستمر. - المشافهة التسويقية تعتمد على جودة ونوعية الخدمة المقدمة للعملاء، لذلك يجب الاهتمام دائما بتقديم أفضل الخدمات للعملاء، فالعملاء يتذكرون الخدمة الجيدة أكثر من تذكرهم للمنتج. - على المنشأة أن تضع لوحات داخل وخارج المحل للترحيب بشكاوى العملاء وكيفية التعامل معها. - ينبغي على المنشأة أن تتخذ خطوات هامة لإيقاف الكلام السلبي المتناقل عنها، وبعد ذلك تقوم بنشر انطباعات ايجابية عنها من خلال المشافهة التسويقية. - سماع ما يقوله الآخرون عن المنشأة يُعَدُّ أحد أهم طرق النجاح. - الالتزام بالوفاء بتحقيق طلب العميل شيء أساسي لنقل صورة ايجابية عن المنشأة، بل ويجب أن يتجاوز ذلك الى منح العميل أكثر مما يتوقعه. * مستشار تسويق