أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ محمد بن عبدالله السبيل المسلمين بتقوى الله عز وجل بفعل الطاعات والبعد عن المحرمات. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم أمس بالمسجد الحرام: لقد عظم الله حقوق العباد، وشدد في النهي عن الاستطالة على دمائهم وأموالهم واعراضهم، فقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع محذراً من ذلك: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستقلون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعنَّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). إذا كان من أعظم الأمور التي نهى الإسلام عنها وشدد النكير على فاعلها بعد الشرك بالله هو قتل النفس المعصومة؛ فإن هذا افساد في الارض كبير، وهو أمر جلل وجريمة منكرة شنيعة حذر منها ربنا تعالى وحذر منها نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، وتوعد بعظيم الجزاء لمَن قتل مؤمنا، فقال عز وجل: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لأكبهم الله جميعاً على وجوههم في النار)، بل حذر صلى الله عليه وسلم من مجرد الإعانة على القتل، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَن أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: أيس من رحمة الله). وقال فضيلته: أين عقول مَن يدعون الإسلام؟ أين دينهم؟ أين خوفهم من الله؟ ما هذا التساهل في أمر الدماء والقتل؟ أهان عليهم الأمر حتى صار بعضهم يفتي لنفسه بحل دماء الناس ثم يستحلونها؟ ولقد اخبرنا الصادق المصدوق خبراً يوجب الحذر والخوف من الله؛ فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن بين يدي الساعة الهرج. قالوا: ما الهرج؟ قال: القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه. قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ يا رسول الله؟ قال: إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف لهم هباء من الناس يحسبون أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء). وتساءل فضيلته: كيف يقدم القاتل على الفعل وهو يعلم بشاعة جرمه وفظاعة فعله، لقد نصب له خصم يوم القيامة في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل تشخب أوداجه دماً يقول: يا ربي مثل هذا فيما قتلني). أفلا يتذكر القاتل كم نفساً أذى، وكم قلباً أفزع؟ فهذان الوالدان المكلومان عصر الألم قلبيهما، وأذاقهما كؤوس العلقم والصبر، فحنى الحزن ظهريهما، وهد قواميهما، واطفال صغار فقدوا عائلهم ومربيهم ينشدون الرحمة في قلوب الناس، وربما تشتت احوالهم وتغيرت اخلاقهم، في اي حفرة أردى فيها القاتل نفسه؟ وأي ورطة تورط فيها؟ يقول ابن عمر رضي الله عنهما: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمَن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: لقد شدد الإسلام على أمر القتل وعظمه، ولم يعصم دم المسلم فحسب، بل عصم دم المسلم ودم الكافر، فحرم الاعتداء على أمنة المسلمين؛ لأن المسلمين يد واحدة يسعى بذمتهم أدناهم، فمَن قتل من أمنوه فقد خانهم واستحق عقاب الله. ولقد أخرج البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صى الله عليه وسلم أنه قال: (مَن قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً). قال ابن حجر رحمه الله: والمراد به مَن له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية او هدنة من سلطان او أمان من مسلم. وتساءل فضيلته: ما هذه السكرة التي يعيشها مَن روَّع المسلمين وخالف جماعتهم وشذ عن طريقهم؟ أفلا يتفكرون إلى أين يذهبون وما هم عاملون؟ إنهم يتهمون العلماء والمجتمع بالضلال، وإنهم هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر في وقت تخاذل فيه الناس، فقاموا بسفك الدماء وترويع الناس؛ ظناً أنهم للاسلام ناصرون، وللحق مظهرون، وربما تمادوا حتى كفَّروا من كفَّروا، وجعلوا ذلك ذريعة للقتل والتدمير والافساد. وهذه الفتن مما حذرنا منه نبينا صلى الله عليه وسلم غاية التحذير، وحفظها عنه صحابته الكرام، ونقلها لنا الأئمة الأعلام، بيَّنوها لنا أتم بيان؛ فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما يحدث بعده من الفتن ودلَّنا على ما يؤمننا منها وما يحصل لنا به الحماية والسلامة من شرها، فقال عليه الصلاة والسلام: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً؛ فإنه مَن يعيش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).